ذ. نصر سيوب: brilliance of thought amid the body’s darkness.. An analysis of Dr. Mustafa Mahdi Hussein’s haiku

ذ. نصر سيوب: brilliance of thought amid the body’s darkness.. An analysis of Dr. Mustafa Mahdi Hussein’s haiku

 

 

قراءة وتحليل ذ. نصر سيوب

            “جسدٌ متهالك
             اِنطفأ نور العالم
             أسرجه نورُ الفكر”

ــ مقدمة:
في رحاب الشعر المكثَّف، حيث تُختزلُ التجارب الإنسانية في ومضات شعرية تلامس الأعماق، تأتي قصيدة الهايكو للدكتور مصطفى مهدي حسين شهادة شعرية صادقة على تجربة المرض. هذه الأسطر الثلاثة ليست مجرد وصف لحالة جسدية هشَّة، بل هي رحلة وُجودية من سُقوط الجسد إلى صعود الروح، ومن ظلام العالم الخارجيّ إلى إيقاد نور الذات الداخلية، ومن صدق المعاناة إلى عبقرية التحويل الجمالي.
 ودعوة للتأمل في قدرة الوعي البشري على تجاوز الظلام، وتأكيد على أن الانكسار الجسدي قد يكون بوابة لسمو فكري وروحاني وإبداعي عميق يضيء أحلك اللحظات.

في أحضان النص:
ــ التحليل :
يبدأ الهايكو بصورة حسية قوية ومباشرة : “جسدٌ متهالكٌ”، فكلمة “متهالكٌ” تُعبر بوضوح عن الضعف، والإرهاق، والألم الذي نال من الجسد. فهي تلخص حالة جسدية منهَكة، وتوحي بالضيق والتعب الشديد. إنها صورة قاسية وصادقة لحالة الجسد بعد معاناة طويلة مع المرض، وهو اعتراف صريح بالهزيمة الجسدية. وهذه الصورة الأولى تُهيئ القارئ لدخول عالم الشاعر المتألم.
وفي السطر الثاني ينتقل الشاعر من الجسدي إلى الكوني : “اِنطفأ نور العالم”.. فهذه العبارة ليست مجرد إشارة إلى الضعف أو الإحساس بالظلام المادي، بل هي تعبير مجازي عن فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة، أو الشعور باليأس والعزلة، أو حتى انقطاع الصلة بالعالم الخارجي بسبب شدة المرض. كما أنها تُجسد إحساسا عميقا بالضياع والغياب عن الحياة المعهودة. فالنور رمز قوي للإيجابية والحياة، وانطفاؤه يمثل حالة الاكتئاب أو الإحساس بالموت المعنوي الذي قد يرافق المرض المزمن.
والسطر الثالث : “أسرجه نورُ الفكر”؛ يأتي كنقطة تحول درامية ومحورية في الهايكو، فبعد الظلام واليأس، يظهر “نور الفكر” ليُضيء العتمة. فالفعل “أسرجه” (أي أضاءه أو أوقده) يُشير إلى أن الفكر لم يأتِ ليحل محل نور العالم فحسب، بل ليُشعله من جديد، ليمنحه معنىً وبصيرة. فهذا التحول يعكس قوة الوعي، والروح، والصمود الذهني، والقدرة على تجاوز الألم الجسدي بالتعمق الفكري أو الروحي وكذا الإبداعي. هنا، يصبح العقل والروح والإبداع ملاذا ومصدرا للأمل والنور الداخلي. فعندما يعجزُ الجسدُ عن حمل الحياة، يحملُ الإبداعُ مشعلَ الخلود.
فهذا الهايكو يُبرز مهارة الشاعر في الإيجاز والتكثيف من خلال كلمات قليلة، لكنها محملة بدلالات عميقة وتأثير عاطفي كبير. فكل كلمة تحمل وزنا في بناء الصورة والمعنى. كما يُبرز قوته التعبيرية بالرغم من بساطة المفردات، إلا أن اختيارها دقيق وقوي في إيصال حالته وتجربته. بالإضافة إلى استخدامه للتضاد والمفارقة؛ بحيث أن هناك تضاد واضح بين “الجسد المتهالك” و”نور الفكر”، وبين “انطفأ نور العالم” و”أسرجه نور الفكر”. فهذه المفارقات تُبرز الصراع الداخلي والتحول نحو الانتصار الروحي.

ــ خاتمة :
قليلٌ من الكلماتِ، كثيرٌ من الدلالاتِ؛ هكذا يصنعُ الشاعرُ الكبيرُ من ألمِهِ أسطورةً ضوئيّةً. فهايكو الدكتور مصطفى مهدي حسين هو شهادةٌ على أنَّ الجسدَ يفنى، لكنَّ الكلمةَ المبدعةَ سراجٌ أبديٌّ تُعلن : هَزَمتُ ظلمتي برمح القلمْ.. وأسرجتُ في كفَني نارَ الكَلِمْ.