خالد أوسو: زيارة ترامب… وتبادل المصالح بلهجة هادئة

خالد اوسو
قد يرى البعض أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية، والإمارات، وقطر، لا تتعدّى كونها رحلة تجارية بلباس سياسي، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الاستثمار، ولا ملفات ملتهبة تنتظر قرارات مصيرية. وهذا الرأي، رغم وجاهته، لا يكفي لفهم كامل المشهد.
ما يغيب عن أعين كثيرين، هو أن الرياض اليوم ليست كما كانت، لا سياسيًا، ولا اقتصاديًا. استقبال الرئيس الأميركي جاء في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية – الأميركية أفضل حالاتها، ليس بالتصريحات وحدها، بل بالحقائق المتراكمة منذ أواخر ولاية جو بايدن، رغم الضجيج الإعلامي الذي سبق دخوله البيت الأبيض.
هذه الزيارة، على عكس زيارات سابقة لرؤساء أميركيين، لا تسبح في مياه أزمة، ولا تبحث عن إطفاء نار خلاف. هي زيارة تأتي في وقت لا توجد فيه تعقيدات كبرى بين واشنطن والرياض، وهو أمر نادر الحدوث في سجل العلاقات الممتد لعقود.
السعودية اليوم لم تعد مجرد شريك نفطي أو لاعب إقليمي، بل أصبحت مشروعًا تحويليًا كبيرًا، بُني بعناية، وتحركه «رؤية 2030» التي لم تنتظر موعدها النهائي لتُعلن نجاحاتها، بل سبقتها إلى التنفيذ الفعلي، في البنية والقرار والسياسات.
هذا المشروع لا يستهدف الداخل السعودي وحده، بل يتمدد في أثره ليشمل الإقليم، من خلال فتح قنوات الشراكة، وخفض منسوب الأزمات، وتعزيز مفاهيم الاستقرار والتنمية، وهو ما يفسّر التهافت الدولي، من أوروبا إلى شرق آسيا، على عقد الشراكات مع الرياض.
ترامب يأتي إلى المملكة، وليس في جيبه ملف أزمة، ولا في جدول زيارته نقاشات متوترة، بل يحمل معه لغة المصالح، والأرقام، والصفقات، وهو ما تريده السعودية اليوم، وما تريده دول كثيرة ترى في الرياض محور استقرار، وبوابة للفرص.
سياسيًا، كانت السعودية فاعلًا لا يمكن تجاوزه في ملفات معقدة: من غزة، إلى اليمن، إلى سوريا. طرقت الأبواب، وقدّمت مبادرات، واستضافت قممًا، وربطت السلام بالتنمية، وقرنت الأقوال بالأفعال، دون أن تنزلق إلى مزايدات أو شعارات.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، لم تعد السعودية تدور في فلك واحد. ها هي تستقبل وزير الخارجية الإيراني، وتُفعّل خطوط التواصل في أكثر الملفات حساسية، بما فيها الملف النووي، مع تمسّكها بمبدأ الحوار، ورفض التصعيد.
زيارة ترامب ليست مفاجئة، ولا خارجة عن السياق. هي تعبير مباشر عن التحوّل العميق الذي تقوده المملكة، والمبني على الرؤية، والانفتاح، والاعتدال. وهي، فوق ذلك، جزء من مسار طويل، تُعيد فيه السعودية رسم موقعها، لا كدولة نفط، بل كقوة استثمار، وتأثير، واستقرار.
ولعل أبرز ما يلفت في هذه المرحلة، أن السعودية لم تعد تنتظر الخارج ليحدّد بوصلتها، بل باتت هي من يضع الإيقاع. إنها تُدير ملفاتها الإقليمية والدولية من موقع المبادرة، لا كرد فعل، وتستند في ذلك إلى ثقة متنامية بقدرتها على التأثير، لا الاتّباع.
وهذا ما يفسّر التحوّل في نظرة العالم إلى الرياض؛ إذ لم تعد تُرى فقط كعاصمة خليجية، بل كمركز ثقل عربي وإسلامي ودولي، يتعامل مع الأزمات من منطلق سياسي واقتصادي معًا، ويحرص على توازنات دقيقة، بين الأمن والاستثمار، وبين المواقف والمصالح.
حيث تأتي زيارة ترامب بوصفها علامة أخرى على هذا التبدّل. هو لا يزور دولة مأزومة تبحث عن حل، بل يزور دولة صاعدة باتجاه واضح، تضع أولوياتها الاقتصادية في سياقها السياسي، وتبني تحالفاتها على أساس شراكة لا وصاية.
قد يختلف البعض حول شخص ترامب، أو سجله السياسي، أو نزعته الشعبوية، لكن لا خلاف على أن زيارته تعكس اعترافًا بوزن السعودية الجديد، تمامًا كما تعكس فهمًا أميركيًا بأن مَن يريد موطئ قدم في المستقبل الاقتصادي للمنطقة، عليه أن يبدأ من الرياض.
كاتب سوري خريج من جامعة دمشق