نجاة حمص: أزمة المياه.. ظهور “الكوب” كخيار بديل

نجاة حمص
وصلنا بحمد الله ومنته إلى 2025 ومازال انقطاع المياه على عهده ووعده، رغم كثرة الاتفاقيات والتوقيعات والمؤتمرات والشقلبات، رغم محطات التحلية والتصفية و”التجرية”، أحيانا يدوم الانقطاع أسبوعا، و غالبا ما يكون ليوم أو يومين، وهنا يبرز دور “الكوبا”.
منذ الصغر، وقد بلغنا من الكبر مبلغا الآن، كان يعهد إلينا بأداء مهمة مناداة شاحنة صهريج المياه “الكوبا” بأعلى صوت، ويوكل إلينا أمر مطاردتها والبحث عنها في الأزقة، وكنا نقوم بالمهمة كما يجب، بل كنا نستمتع كلما لمحناها بمد واو “الكوبا” أمتارا كثيرة،.. “الكووووووبا”.
ترعرعنا في المناطق الشعبية، حيث يفرش لكبار السن أمام عتبات المنازل، ويسمع صدى الهول “الطايب” وهو يتسلل من خلف الأبواب، وتشم رائحة احتراق السكر عندما تفيض “براريد” الشاي على الجمر،.. حيث انقطاع المياه المتكرر أمر اعتيادي جدا.
كنا نستقبل المياه بيسر وبالطبل البلدي عندما تنقطع المياه، في الوقت الذي كنا نرى فيه بعض ساكنة قرى باقي مدن الشمال، وهم يشقون الطرق الطوال من أجل المياه، فقد ألهم الله بعض أهل الصحراء بهذه الفكرة الحاتمية.. بيع المياه وبثمن جد مناسب.
لم يمانع أهل العيون يوما، لم يروا بأسا في شراء المياه بدل مشقة وعناء قطع الخلوات والفيافي، لكن كان لهم أمل في الاستغناء عن مطاردة صهاريج المياه في الطرقات، ورص الصفوف بانتظار دورهم أمام “مول الكوبا”، والتخلي عن خدمات”شاطو” الاحتياط، وايجاد الماء كلما فتحت الحنفية، لكن تقدم بهم العمر ولا يزال المشكل يطفو على السطح من حين لآخر ، و بشكل أكثر قسوة إذا اشتدت الحرارة أو اقترب العيد.
وصلنا ل 2025، وما زالت صهاريج مياه الغدير و الطنطان، تحمل على شاحنات تجول أزقتنا وشوارعنا، مع بوق خاص، مميز، ولكن تزايد انقطاع المياه و توسع العمران وزيادة النمو الديموغرافي شددا الطلب على “الكوبا” أكثر، حتى أصبح الوصول إلى مجرد ” العيافة” حلما بعيد المنال.
آنذاك، كانت بالعيون “كوبات” كثيرة، وإن فاتتك واحدة، فأخرى قادمة في الطريق، ما عليك إلا ان تنصت للبوق بانتباه، فتعرف مصدر الصوت وبالتالي الإتجاه المحتمل، حتى إذا لاحت اهتف بأعلى صوتك “ياااااااا الكوبا”، فيتبع هو الآخر صوتك ويوقف شاحنته بجوار بابك، يأمر السائق، الذي عادة ما يكون هو صاحب المشروع، صبيه بحمل الخرطوم البلاستيكي الطويل، ويخبره الكمية المتناسبة مع الثمن المدفوع.
وهكذا يفعل الصبي، حتى إذا شارف على الإنتهاء صفر بصافرة بلاستيكية “أن كفى”، فيسكت السائق المولد الذي كان يضخ المياه، ثم تنقده أجره مع إكرامية للصبي.
كذلك كان، أما الآن ف”الكوبات” أصبحت تتحرك بمكالمات هاتفية وواتساب وحجز وانتظار، بوساطة ومحسوبية وطلبات واستعطاف، ومن لديه أكثر من رقم هاتف كوبا, صار بأهمية رئيس المجلس البلدي أو أكثر.
كاتبة مغربية