كريمة مكي: أين ستجد سيف الإسلام؟

كريمة مكي
التقيت بامرأة ليبية مسنة في مغازة بمنطقة المنار بالعاصمة، سألتني عن سبب غياب نوع من المياه المعدنية من الرفوف كانت تفضله عن غيره ثم انهمرت في الحديث عن نفسها و عن بلدها ليبيا و أنها جدا مشتاقة للعودة إلى طرابلس و لقضاء العيد الكبير في حوشها و لكن الأخبار من هناك مفزعة و الأوضاع متفجرة و هي هنا في شدة كبيرة و في حزن و ضيق.
كم من امرأة ليبية مثلها اقتلعتها الثورة على معمر القذافي من بيتها و أهلها و ألقت بها بعيدا عن ليبيا و إن كانوا في تونس أو مصر ، كما قالت، كأنهم في أرضهم و لكن المُهجّر من بيته في غربة و لو كان يقيم قريبا جدا من حدوده، فكيف بالمرأة الليبية عماد البيت و الأسرة التقليدية المحافظة و التي لا ترتاح إلا في بيتها و بيئتها؟!
ما جرى للمرأة الليبية بعد ثورة 2011 هو ما جرى للوطن الليبي كله : تقطعت أوصاله و سالت دموعه و دماؤه.
قبل الثورة كنت أكره نظام القذافي لأني كنت أجده متآمرا دائما على تونس يحيك لها المؤامرات تباعا.
أذكر عملية قفصة التي حدثني أبي عنها و أنا صغيرة و حادثة طرد آلاف العمال التونسيين فجأة من ليبيا ثم إصراره العجيب على إجهاض الثورة التونسية و تمويل الفوضى لترتيب عودة بن علي للحكم.
و فرحت لانطلاقة الثورة الليبية و قلت آن لهذه الدكتاتورية المديدة أن تُقبر لتقوم في ليبيا أيضا ثورة الحق و العدل…
لكني حزنت و تألمت لمقتل العقيد بتلك الصورة التراجيدية و هو يترجى معذّبيه أن يكفّوا عنه فهو أبوهم فكيف يفعلون معه ما يفعلون!!!
الآن بعد أن قرأت أكثر عن تاريخ القذافي، أرى أن مقتله المريع هو و أعوانه المقربين كان، خاصة و بالذات، ثأرا من “أبنائه” لأولئك الطلبة المعارضين لحكمه الذين أمر بإعدامهم في ساحات الجامعات و على رؤوس الأشهاد لسنوات طوال.
يوم مقتل العقيد، أحسستُ أن بوابة الجحيم قد فتحت في ليبيا و ها قد تأكد ذلك طوال كل هذي السنين.
ما العمل؟
من يوقف اليوم نار الثأر و سيول الدماء؟
من ينهي في ليبيا فوضى السلاح و يُخرج من القلوب سُمّ الأحقاد و الرغبة في الإفناء؟؟
الحمد لله مازال في الدنيا عقلاء!
الحمد الله مازال في الناس من يريد لليبيا السلام و السؤدد و الرخاء.
هناك دائما عمال للخير و السلام في كل مكان و في داخل ليبيا كما في خارجها و لكن يبقى لبعضهم دور أعظم من بعض و مكانة و رمزية أبعد مدى في مصالحة الإخوة و إحلال الوفاق و حقن الدماء.
و إني لا أرى في ليبيا اليوم سواه!
إنه سيف الإسلام…
رجل يحمل بين جنبيه إرث ثقيل و في رؤيته بشائر فجر منير.
عانى سيف الإسلام في عهد أبيه و بعده.
كان يحمل فكرا إصلاحيا و نفسا سويّة تكره الحرب و الدماء فثار عليه أهل الإفساد في النظام و منهم أخيه المقتول مع أبيه.
كان العقيد يجهّز ابنه المعتصم ليخلفه بعد مارأى من رغبة سيف الإسلام في إرساء دولة مدنية يحكمها دستور يضمن الحقوق و الحريات.
مات المعتصم و عاش سيف الإسلام!
اليوم هو الباقي من إخوته المقتولين و المشردين.
سيف الإسلام عاش تراجيديا شبيهة بالتراجيديا الإغريقية زادته يقينا بأفكاره الإصلاحية الأولى: إقامة الدولة المدنية العادلة بديلا لحكم الميليشيات المارقة.
تعرّض سيف الإسلام خلال حكم أبيه لمحاولة إغتيال لم يأمر فيها بقتل فاعلها و كان يقدر، فهو ابن القذافي وقتها، و لكنه ككل أصحاب النفوس الكبار عفا عند المقدرة.
و تعرّض بعد سقوط نظام أبيه للاعتقال و التنكيل و مع ذلك عاد مادا يديه لمعتقليه و قاتلي إخوته و أبيه!!
صار سيف الإسلام بعد المحنة أكثر حكمة و أكثر رحمة.
و لكن أين هو الآن؟
أين أنت يا سيف الإسلام؟؟
آن لك أن تخرج من غمدك يا سيف الإسلام!
آن لليبيا أن تخرج من ليلها لتجمع شملها على يد رجل أمين من نسلها…
على يدك يا سليل المحنة العظمى!
على يدك يا محب السلام.
كاتبة تونسية