عبدالسلام التويتي: على عكس ما يوحي به الإعلام الغربي بشأن وجود خلافات بين (نتنياهو) و(ترامب)، هناك تنسيق وثيق بينهما لاستئناف وتواصل الحرب.

عبدالسلام التويتي
لقد درس الأعداء طبائعنا -عن طريق الاستشراق- باستغراقٍ شديد، وعلى ضوء استخلاصات المستشرقين يتصرف الأعداء بما تمليه عليهم مصالحهم بكل تأكيد، ويتصنعون أمامنا -من وقت إلى آخر- من المواقف ما نتمنى أو ما نريد، فننخدع بذلك التصنع حتى وإن كان غير مقنع، فنقع ضحايا ما ينصبونه لنا من مكائد بشكلٍ متكرر، ولا نخرج بأية عِبر تُذكر.
فمع يقيننا التام بتماهي الصهاينة الأمريكان مع صهاينة «الكيان» وتآزرهم المستدام في محاربة العروبة والإسلام، انطلى على أكثرنا ما يتصنعه المجرمان «ترامب» و«نتنياهو» من مظاهر الخصام التي تسوِّقها لنا بعض وسائل الإعلام، حتى تشغلنا عن تواطؤهما -في السرِّ- على استكمال ما ينفذه «نتنياهو» -على مدى سنةٍ وأكثر من 8 أشهر- في حقِّ أطفال وحرائر «قطاع غزة»- من مجازر.
دعم حليفه بكل ما أراده من وسائل الإبادة
مع أنَّ المفترض بوسائل الإعلام الاهتمام بإطلاع جماهير المشاهدين والمستمعين والقراء على الحقائق المجردة بعيدًا عن أيِّ تشويقٍ أو إغراء، فإنَّ بعضها يعمد إلى تزييف الحقائق بشكلٍ غير لائق، كإيهام الجمهور بوجود تباينٍ بينَ موقفي «ترامب» و«نتنياهو» وتعمُّد تجاهُل ما بين موقفيهما من تكامل تترجمه عدوانية «ترامب» الجادَّة -نحو «قطاع غزة»- وتزويده «نتنياهو» بكل ما أراده ويريده من وسائل الإبادة، وقد أشير إلى هذا المعنى في سياق تقرير «أنس زكي» التحليلي المعنون [خلاف ترامب ونتنياهو.. مؤشرات الحاضر يجب ألا تُنسي دروس الماضي] الذي نشره في «الجزيرة نت» في الـ12 من مايو المنقضي على النحو التالي: (فبعد 5 أيام فقط من العودة إلى البيت الأبيض قرر ترامب رفع الحظر عن تزويد إسرائيل بالقنابل الثقيلة، وجرى التنفيذ سريعًا حيث أعلنت إسرائيل بعد 20 يومًا أنها تسلمت شحنة من 1800 قنبلة من طراز “إم كيه-84” {MK-84} تزن كل منها طنًا كاملًا {2000 رطل}.
ولم يقتصر الدعم الهائل لإسرائيل من جانب ترامب على السلاح، وإنما بدأ الأخير في الحديث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، واستيلاء الولايات المتحدة على القطاع “عبر ملكية طويلة الأجل” لتطويره عقاريًّا وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” على حد قوله.
فقوبل تصريحه بترحيب رئيس وزراء الكيان واعترافه بأنهما شريكان في إعداد خطة التهجير الهادفة إلى إخلاء المكان).
وأكد على تماهي «ترامب» مع هدف «نتنياهو» من الحرب الكاتب «حسن أبو هنية» في مستهل مقاله التحليلي المعنون [إسرائيل وأمريكا تستكملان حرب الإبادة في غزة] الذي نشره «عربي21» في الـ25 من مايو بما يلي: (إنَّ استكمال حرب الإبادة على غزة هدف استراتيجي مشترك بين الولايات المتحدة والمستعمرة الإسرائيلية.
وقد وفّرت إدارة ترامب لحكومة نتنياهو كل ما تحتاجه لاستكمال حرب الإبادة في غزة، وبرهنت على أنها تتحكم بمسارات الحرب، فقد أعلنت عن تفضلها بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار المُبرم في يناير الماضي، ثم أعلنت عن دعمها لاستئنافه).
أخذ موافقة ترامب على استئناف الحرب
زعم الإعلام المضلل أنَّ «نتنياهو» استأنف الحرب على «قطاع غزة» في الـ18 من مارس بقرارٍ شخصيٍّ مستقل، على اعتبار أنَّ «ترامب» -من وجهة نظرهم القاصرة إلى مستوىً مخجل- منشغل بما هو منشغل، وليس له بقرار استئناف الحرب أيُّ ظلّ، والحقيقة أنَّ «نتنياهو» لم يتخذ قرار اختراق «اتفاق وقف إطلاق النار» ومن ثمَّ قرار استئناف الحرب إلَّا بعد موافقة «ترامب»، وذلك ما يفهم بوضوح لا لبس فيه من استهلال الخبر الصحفي المعنون [البيت الأبيض: ترامب منح نتنياهو «الضوء الأخضر» لاستئناف الحرب على غزة] الذي نشرته مؤسسة «أخبار اليوم» يوم الثلاثاء الـ18 من مارس الماضي بالفقرة التالية: (أكد البيت الأبيض أنَّ ترامب منح نتنياهو شخصيًّا “الضوء الأخضر” لاستئناف الحرب على غزة).
كما أشير إلى ذلك بشيءٍ من التفصيل في سياق الخبر الصحفي التساؤلي المعنون [ترامب منح إسرائيل الضوء الأخضر لاستئناف حرب غزة.. ماذا طلب من نتنياهو؟] الذي نشره موقع «التليفزيون العربي» في اليوم ذاته على النحو التالي: (كشفت هيئة البثّ العبرية الرسمية أنَّ إسرائيل أطلعت الولايات المتحدة على خطط مهاجمة قطاع غزة قبل وقوعها فجر اليوم الثلاثاء.
ونقلت الهيئة -عن مصدر أمني لم تسمّه- قوله إنّه “تم إطلاع الولايات المتحدة على الهجمات في غزة قبل وقوعها”.
بدوره، نقل موقع “أكسيوس” -عن مسؤولين إسرائيليين- قولهم: ”إنَّ إسرائيل أبلغت إدارة ترمب مسبقًا بالهجمات بالإضافة إلى أهداف العملية العسكرية المتجدِّدة في غزة“.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية -عن مسؤول إسرائيلي- قوله: ”إنَّ الرئيس الأميركي منح إسرائيل الضوء الأخضر لاستئناف الهجمات“).
بل إنَّ «ترامب» منح «نتنياهو» حرية العبث بحياة سكان القطاع «الجوعى» كما يهوى، وذلك ما يمكن أن يفهم من استهلال المتابعات الخبرية المعنونة [ترامب يعطى نتنياهو الضوء الأخضر للقيام بما يراه مناسبا في غزة] التي نشرتها «القاهرة الإخبارية» في الـ5 من مايو المنقضي الاستهلال التالي: (نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي -عن مسؤولين إسرائيليين- أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر للقيام بما يراه مناسبًا في غزة).
الاعتداء الأثيم ترجمة لتوعده بالجحيم
من المستغرب اختلاق قضايا خلافية بين «ترامب» و«نتنياهو» والادعاء أنَّ الأخير استأنف حربه على «قطاع غزة» دون إخطار حليفه إخطارًا ينطوي على أيِّ تبرير، وهو ادعاء منافٍ للوقائع جديدها والقديم التي تؤكد -بمجملها- أنَّ استئناف نتنياهو عدوانه الأثيم على سكان «قطاع غزة» مجرد ترجمة فعلية لما كان يتوعدهم به «ترامب» -قبل توقيع «اتفاق وقف إطلاق النار» الذي انتهى بالانهيار- من جحيم، ويمكن استنباط هذا المعنى بشكلٍ ضمني من قول الكاتب «إبراهيم درويش» في سياق مقاله التحليلي المعنون [ترامب انسحب من حرب غزة ويبدو أنه منح نتنياهو الضوء الأخضر لعملية ساحقة ضد حماس] الذي نشرته جريدة «القدس العربي» في الـ6 من مايو المنقضي ما يلي: (قد يكون لدى ترامب أيضًا تسامح كبير مع استخدام إسرائيل للقوة المفرطة، فقد حذر حماس من أنَّ “أبواب الجحيم” ستُفتح إذا لم تطلق الحركة سراح الأسرى المتبقين).
كما يمكن أن يفهم المعنى ذاته من اختتام التقرير التحليلي المعنون [رئيس الشاباك: الحرب تخدم نتنياهو شخصيًّا.. ترامب منح نتنياهو الضوء الأخضر لفتح الجحيم على غزَّة وحماس ترفض مغادرة القطاع] الذي نشرته «سما الإخبارية» يوم الأحد الـ6 من أبريل الماضي بما يلي: (قال مسؤولٌ فلسطينيٌّ كبيرٌ مطّلعٌ على محادثات الهدنة الجارية -لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”-: إنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الشخص الوحيد القادر حاليًّا على إنهاء الحرب، لكنه قرر “منح نتنياهو الضوء الأخضر لفتح أبواب الجحيم على غزة”).
وفي هذا الصدد ذهبت الكاتبة «ريم عبدالحميد» في سياق تقريرها التفصيلي المعنون [وعود ترامب بسلام الشرق الأوسط تتلاشى مع إطلاق العنان لإسرائيل فى احتلال غزة.. نيويورك تايمز: الرئيس ومستشاروه ينأون بأنفسهم عن الحرب.. محللون: منح الضوء الأخضر لتل أبيب لفعل ما يحلو لها ونتنياهو يستغل الفرصة] الذي نشره موقع «اليوم السابع» فجر الأربعاء الـ7 من مايو إلى رأي شبه مطابق لرأي «إبراهيم درويش» حين قالت: (لكن يظل محتملًا أن يكون ترامب قد فقد صبره، ورحب بحديث إسرائيل حول توجيه ضربة أخيرة ساحقة ضد حماس لإنهاء الحرب.
وربما يكون ترامب متسامحًا مع استخدام إسرائيل للقوة الطاحنة، فقد سبق أن حذر حماس من قبل من اندلاع الجحيم ما لم تطلق الجماعة سراح الرهائن الباقين).
توافق فظيع على تفعيل سلاح التجويع
التخلص من سكان «قطاع غزة» بكل الوسائل الوحشية الممكنة موضع إجماع وتوافق كافة أطراف محور الصهينة الذي يعتبر «ترامب» طرفًا أصيلًا فيه، لا سيما وقد فاجأ العالم -في الـ4 من فبراير الماضي- بمقترح إفراغ «القطاع» من سكانه بتهجيرهم إلى دول عربية موالية تناغمًا مع الأجندة التوسعية للعصابة الصهيوإسرائيلية، وإذ لم يُقبل ذلك المقترح من قِبَل تلك الدول، بالإضافة إلى أنَّ تشبث الشعب الفلسطيني بأرضه ضرب المقترح في مقتل، أوعز «ترامب» لحليفه «نتنياهو» بالتنكُّب لـ«اتفاق وقف إطلاق النار»، واستئناف قصف سكان «القطاع» وترويعهم بكل ما يوفره له من وسائل الترويع، بالإضافة إلى إعطائه صلاحية منع دخول المساعدات الغذائية والدوائية وقصف الكميات المحدودة التي كانت مخزَّنة في مخازن المنظمات التابعة لـ«الأمم المتحدة» بكل ما يعنيه ذلك من توافق بين «ترامب» و«نتنياهو» فظيع لتفعيل «سلاح التجويع» أداةً للقتل البطيء الذي لا يقل خطورة عن القتل السريع، وقد أشير إلى توافقهما على تفعيل ذلك السلاح في مستهل التقرير الإخباري المعنون [فوكس نيوز: إدارة ترامب منحت الضوء الأخضر لتجويع غزة ودعمت “الحرية الكاملة” لجيش الاحتلال] الذي نشره «المسار الإخباري» في الـ14 من أبريل الماضي بما يلي: (أكدت شبكة “فوكس نيوز” الأميركية أنَّ إدارة الرئيس دونالد ترامب منحت الضوء الأخضر لفرض المجاعة في قطاع غزة، عبر دعم استخدام دولة الاحتلال سياسة التجويع كأداة في حرب الإبادة المتواصلة منذ أكثر من عام ونصف العام).
وقد أشار الكاتب «حسن أبو هنية» إلى موافقة «ترامب» الضمنية على القتل بتلك الصورة الوحشية على النحو التالي: (فترامب لا ينظر إلى حلّ الدولتين كإطار ضروري أو واقعي، ولا يجد في سياسة الإبادة واستعمال التجويع سلاحًا والعقوبات الجماعية أو الحصار أداة مثيرة للجدل السياسي، وهو ما يخفِّف من القيود التي قد يواجهها صانع القرار الإسرائيلي).
* صحفي وشاعر وكاتب يمني