كيف أوضح الفرنك السويسري أن العملة القوية لا تعيق الاقتصاد؟

كيف أوضح الفرنك السويسري أن العملة القوية لا تعيق الاقتصاد؟

لندن-راي اليوم
في خضم النقاشات المتصاعدة حول إمكانية سعي الولايات المتحدة لخفض قيمة الدولار لدعم صناعتها المحلية، يبرز نموذج سويسرا كدليل حي على أن قوة العملة لا تعني بالضرورة ضعف الاقتصاد أو تراجع الصادرات.
يستعرض الكاتب والباحث روتشير شارما، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، كيف أن الفرنك السويسري، الذي يُعد الأقوى عالمياً منذ عقود، لم يضعف تنافسية الاقتصاد السويسري، بل ساهم في ترسيخ مكانة البلاد كواحدة من أقوى الاقتصادات الصناعية في العالم.
أداء استثنائي للفرنك والصادرات السويسرية
الفرنك السويسري لم يكتفِ بالتصدر بين العملات الرئيسية خلال السنوات الماضية فحسب، بل ظل الأفضل أداءً على مدى أكثر من خمسين عاماً. وبالرغم من ذلك، لم تشهد صادرات سويسرا تراجعاً، بل وصلت إلى مستويات تاريخية تمثل اليوم حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وقريبة من 2% من إجمالي الصادرات العالمية.
هذا الإنجاز يتحدى الفرضية التقليدية التي تربط بين قوة العملة وتراجع القدرة التنافسية، فسويسرا، مثل ألمانيا واليابان في أوج عطائهما، بنت سمعة عالمية لمنتجاتها عالية الجودة التي تجعل المستهلكين مستعدين لدفع “علاوة عملة” مقابل عبارة “صُنع في سويسرا”.
اقتصاد الابتكار ونمو الشركات الصغيرة
يشير شارما إلى أن الصورة النمطية التي تصور سويسرا كملاذ للأموال المشبوهة لا تعكس حقيقة اقتصادها الديناميكي والابتكاري. فمنذ أكثر من عقد، تصدرت سويسرا تصنيفات الأمم المتحدة لأكثر الاقتصادات ابتكاراً، مدعومة باستثمارات مكثفة في التعليم التطبيقي والبحث والتطوير.
وتنتج سويسرا أكثر من 100 دولار للساعة في العمل، متفوقة بذلك على جميع الاقتصادات الكبرى. كما يدعم نظامها السياسي والاقتصادي اللامركزي نمو الشركات الصغيرة، التي تشكل أكثر من 99% من إجمالي الشركات في البلاد.
صادرات معقدة وتكنولوجيا متقدمة
وفقًا لتصنيف “مختبر النمو” في جامعة هارفارد، تحتل سويسرا المرتبة الأولى بين الاقتصادات الكبرى من حيث “تعقيد” صادراتها، التي تشمل منتجات متنوعة من الشوكولاتة والساعات إلى الأدوية والمواد الكيميائية.
تمثل الصناعات التحويلية نحو 18% من الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول المتقدمة، كما أن أكثر من نصف صادراتها تصنف ضمن “التكنولوجيا العالية”، أي أكثر من ضعف النسبة الأميركية.
استقرار اقتصادي واحتياطات ضخمة
منذ ثمانينيات القرن الماضي، حافظت سويسرا على فائض في الحساب الجاري يتجاوز 4% من الناتج المحلي، ما مكنها من استثمار عائدات تجارتها الخارجية بفعالية. وتمتلك اليوم فائضًا في صافي الاستثمار الدولي يزيد عن 100% من ناتجها المحلي، ما يمنحها قوة في مواجهة الصدمات الاقتصادية العالمية.
درس عالمي في مواجهة تقلبات السوق
على الرغم من ارتفاع مستويات الدين الخاص، لا تعاني سويسرا من ظاهرة “الشركات الزومبي” التي تواجهها اقتصادات أخرى، بل أظهرت مرونة كبيرة في التعامل مع تقلبات الأسواق، كما حدث في 2015 عندما ارتفع الفرنك فجأة. حينها استجابت الشركات بتحول نحو صادرات أكثر تعقيدًا وأقل تأثرًا بتقلبات العملة.
التوصية: التنافس بالجودة وليس بالسعر
ينصح شارما الاقتصادات المتقدمة بأن تركز على التنافس من خلال جودة منتجاتها وليس عبر خفض قيمة العملة، مؤكداً أن خفض سعر العملة ليس حلاً سحرياً لإحياء القطاعات الصناعية بل يجب الاستثمار في الابتكار والمهارات لتطوير منتجات عالية القيمة.