مصطفى محمد حابس: في ظل مجموعة من القوانين الأوروبية الظالمة التي تحظر ذبح الأضاحي.. كيف يقوم مسلمو الغرب بالاحتفال بعيد الأضحى المبارك؟

مصطفى محمد حابس: في ظل مجموعة من القوانين الأوروبية الظالمة التي تحظر ذبح الأضاحي.. كيف يقوم مسلمو الغرب بالاحتفال بعيد الأضحى المبارك؟

 

مصطفى محمد حابس

من الشعائر الظاهرة التي ترسخ هوية المسلمين في الغرب، تشبثهم بالشعائر التعبدية كالصيام والقيام والاعياد، خاصة منها شعيرة الأضحية بعد عيد الأضحى المبارك، واستمساك المسلمين بهذه الشعيرة الابراهيمية وحرصهم عليها في الغرب مما يعمق هويتهم وانتمائهم لدينهم وأمتهم، كما تعكس شعيرة الأضحية هذه وذبحها حيث يقيم المسلم في الغرب قيمة المواطنة والموازنة المنضبطة بين الانتماء للدين وللمجتمع الذي يعيش فيه، ومن الظواهر الآخذة في الانتشار حديثا بصورة كبيرة بين مسلمي أوروبا، التوسع في التوكيل بذبح الأضحية خارج القارة إما في بلدانهم الأصلية بواسطة أقاربهم، أو في البلدان الأكثر فقرا وحاجة كفلسطين اليوم بواسطة المؤسسات الإغاثية و الخيرية، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها صعوبة الذبح في أوروبا، وقلة الفقراء والمحتاجين في دولها، مقارنة بخارجها، والاعتقاد بأن المقصد الأعظم من الأضحية هو مساعدة الفقراء.

الشائع في كل البلدان الإسلامية، نحر الأضاحي، فلماذا الاستثناء في بلد مسلم..

و بذات المناسبة، و تحديدا منذ أشهر قليلة، أثار قرار ملك المغرب، الملك محمد السادس، بعدم ذبح الأضحية في عيد الأضحى، ضجة وجدلًا واسعًا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خاصة المغاربة منهم، البعض تساءل عن مشروعية تعطيل إحدى شعائر عيد الأضحى التي ذُكرت في القرآن الكريم، فيما أشار آخرون إلى أنها سنة يمكن تعطيلها بشروط !!.. و قرار منع ذبح الأضحية أثار جدلا كبيرا واعتبر النشطاء قرار “منع ذبح الأضحية في عيد الأضحى” بأنه قرار غير عادي، وخاصة أن ملك المغرب أكد أنه سينوب عنهم في ذبح الأضحية، وقد أصاب القرار البعض بالصدمة منهم المغاربة خاصة .. علما أنه من الشائع و المتعارف عليه عندنا في كل البلدان الإسلامية، نحر الأضاحي، إما في المنازل أو الشوارع بعد أداء صلاة العيد أمرا معتادا و مرغوبا فيه، أما في الدول الأوربية، فإن القوانين تمنع ذلك، وتحظر عملية الذبح خارج المجازر المرخصة والمخصصة لذلك، كما أن قواعد ذبح الحيوانات في بلدان أوروبا، تعد صارمة فيما يتعلق بصعق الحيوان لتخديره قبل الذبح، وهو ما يرفضه معظم المسلمين الذين يعيشون في الغرب، ويسعون إلى الذبح بدون صعق ليكون اللحم حلالا ..

مشكلات وتحديات عند الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في الغرب

يواجه المسلمون في الدول الغربية في مثل هذه المناسبات عدد من المشكلات والتحديات عند الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وخاصة عند قيامهم بذبح الأضاحي في أول أيام العيد، حيث تتعالى أصوات المنظمات الحقوقية والهيئات التي تسمي نفسها بالمعنية بالدفاع عن” شؤون الحيوانات”، لتطالب بمنع المسلمين من ذبح الأضاحي بدعوى أن هذا يعد تعذيبا للحيوانات، ومنهم من يقترح على المسلمين بصعق الحيوانات لقتلها أو تخديرها قبل الذبح، وهو ما يتنافى مع شريعتنا الإسلامية، ومع تلك الأوضاع يجد المسلم الغربي نفسه – عموما و منذ عقود – أمام حلين أحلاهما مر، إما أن يضحي خلسة في بيته أو في مكان بعيد ما، أو التخلي عن الذبح أصلا وإرسال مبالغ مالية بقيمة الأضحية إلى الجمعيات الخيرية، والتي تقوم بذبح الأضاحي نيابة عنهم أو شراء اللحوم وتوزيعها على فقراء المسلمين.

معركة الحصول على اللحم الحلال، المذبوح حسب الشريعة الإسلامية:

كما يواجه المسلمون في أوروبا إلى جانب معركة عيد الأضحى، تحدياً كبيراً جداً وهو الحصول على اللحم الحلال المذبوح حسب الشريعة الإسلامية، لأن كثير منهم لا يثقون بالطريقة التي يتم بها ذبح تلك الحيوانات، حيث يؤكدون أن تلك الحيوانات من الممكن أن تكون قد صعقت بالكهرباء قبل الذبح، أو أن تكون غير مذبوحة أصلا وتم قتلها بالصعق فقط، الأمر الذي يجعلها غير صالحة للتناول من المنظور الإسلامي، كما طالعتنا العام الماضي الصحافة الفرنسية جازمة بأن ” 80 في المائة من اللحم المباع في فرنسا على أنه حلالا ليس حلالا”!!، وقد أعلن مسجد باريس الكبيرأيامها، في بيان رسمي، أن ” الهيئة (أو الشخص) المكلفة من مسجد باريس للذبح الحلال، قد نصبت عليهم و غشت ثقتهم فيه، منذ أكثر من عشر سنوات، و سحب منه ختم الترخيص “!!

“شاورما و كباب” بلحوم خنازير و بغال، بدل لحوم أغنام و بقر !!

نفس المسرحية حول” الغش في تسويق اللحم الحلال للمسلمين”، إكتشفت بعض أدوارها في العديد من الدول الأوروبية، إلا أن سياسة الردع القانوني كانت باهتة وواهية، لم تتعدى غرامات مالية حتى و لو كانت معتبرة، إذ كان من المفروض أن ترقى لحد منع التاجر من ممارسة تلك المهنة أصلا !!  وأخر المسرحيات العام الماضي، أين تداولت وسائل الاعلام السويسرية، أن ” أزيد من نصف لحوم محلات الشاورما و الكباب ليست حلالا”، خاصة في محلات الاتراك و الاكراد.. بل اللحوم في أصلها لم تكن لحوم أغنام ولا بقر، بل هي لحوم خنازير و بغال، أجل الله قدركم!!.
 و نزيدكم من الشعر بيتا، فالكل يذكر في سويسرا منذ ثلاث سنوات خلت تقريبا، أثناء وبعد كورونا، قبضت الشرطة الفدرالية التجارية على تاجر كبير مسلم من أصول ألبانية، “يسوق للمسلمين لحم الخنزير بدل لحم البقر و الأغنام”، و مر أمام العدالة “مرور الكرام “، وحكم عليه بغرامة معتبرة إلا أنه لا يزال يتاجر لحد الساعة في اللحم ” الحلال ” ؟؟

رواج التجارة في اللحم ” المصعوق” حتى لدى بعض المسلمين

أما التجارة في اللحم ” المصعوق” فحدث عن البحر و لا حرج، فحسب أحد الأطباء البيطريين المسلمين في سويسرا، باتت تجارة منتشرة دون حسيب و لا رقيب، حتى في دولنا الإسلامية التي تستورد  اليوم اللحوم المجففة من دول غربية عذيدة، و ذكر لنا هذا الطبيب تحديدا أن بعض الشركات التي تسوق اللحم المصعوق في أوروبا، هي نفسها الشركات التي عاينها هو شخصيا حتى في فنادق ومحلات مكة المكرمة، منذ سنوات فما بالك بباقي دولنا الاسلامية.. و لا غرابة في الامر إذ أن أكبر مستوردي اللحم الحلال في سويسرا، تاجر كبير من أصول يهودية من مدينة بازل، و أخبرنا أحد تجار يملك ” مجزرة اللحم حلال” ، أن هذا التاجر الكبير اليهودي، لا يفرق بين اللحم الحلال الخاص بالمسلمين المذكى على الطريقة الإسلامية و اللحم ” الكوشر” المذكى على الطريقة اليهودية، فيوزع لمتاجر لحم الحلال أحيانا ما توفر لديه من لحوم الكوشر على أنها حلال، و لا حرج !!.

طبيا، دراسات علمية تقرر أن عملية ذبح الحيوان هي الطريقة الأصح!!

وتشير الدراسات الطبية في عمومها قديما و حديثا إلى أن عملية ذبح الحيوان هي الطريقة الصحيحة و الاسلم لصحة الإنسان مقارنة بعمليات الصعق وما إلى ذلك، وقد برهنت هذه الدراسات على ذلك بأن في عملية الصعق يتوقف القلب عند موت الحيوان، وتنفجر شرايينه ولا يخرج الدم من جسمه مما يؤدي إلى تسرب الدم بنسبة كبيرة جداً داخل لحم الحيوان، وبهذا يجتمع شيئان محرمان في الشرعية الإسلامية وهو الميتة والدم، وذلك على عكس عملية الذبح التي يخرج فيها الدم بكثافة من جسم الحيوان، كما أكدت الدراسات على أن عملية صعق الحيوان تؤدي خلل في تركيبة الحيوان مما يؤدي إلى الأضرار بجسم الإنسان عند تناول تلك اللحوم، ويفقد هذا اللحم فوائده الصحية وقيمته الغذائية.

معظم الدول الأوربية، تحظر قانونا عملية الذبح خارج المجازر الرسمية:

في الوقت الذي تمنع فيه سويسرا رسميا، منع الذبح الحلال على ترابها، تأتي دول أخرى كبريطانيا على رأس الدول الأوربية، التي تحظر قانونا عملية الذبح خارج المجازر الرسمية، غير أنها تحظى بمرونة كبيرة، فيما يتعلق بتشجيع تبرع المسلمين، لمساعدة العائلات المحتاجة، كما تدعم التنسيق بين المساجد، والمجتمعات التي تقوم بها، من أجل إعداد وجبات طعام في أيام العيد، وتوزيعها مجانا على المحتاجين، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين.
وتعتمد دول أوربية أخرى، من قبيل فرنسا وبلجيكا، نفس القواعد فيما يتعلق بنحر الأضاحي مع بعض التشدد، وتفرض فرنسا على سبيل المثال عقوبات، وغرامات مالية كبيرة، على من يقوم بنحر الأضاحي في مذابح عشوائية، أو في المنازل أو على قارعة الطريق، وهو ما يدفع بالكثير من أبناء الجالية العربية المسلمة هناك، إلى شراء الأضاحي مذبوحة وجاهزة من قبل المجازر المعتمدة، وهو ما يخل من وجهة نظرهم في بعض شروط الأضحية.

يبقى حكم الأضحية الشرعية نفسه حتى و لو تباينت طرقه واتسعت رقعته:

المسلمين في حيث ما كانوا و أينما وجدوا، في مشارق الأرض و مغاربها، يعرفون كلهم القصد الأعظم من الأضحية، وهو إحياء سنة أبينا إبراهيم عليه السلام في امتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده قال تعالى: ﴿وفديناه ‌بذبح ‌عظيم ﴾ [الصافات: 107] “والمسلمون حين يضحون يتمثلون معاني الفداء والتضحية لهذا الدين، والاستسلام والانقياد لأمر الله، عقلوا الحكمة منه أو لم يعقلوها، قال الحكيم الترمذي: “وأما علة الأضحية فإنه لما جنى العبد على نفسه وأذنب فكأنه أحل القتل بنفسه، فأمر بالفداء كما أمر الله تعالى خليله عليه الصلاة السلام، بذبح ابنه ثم فداه بكبش ونجاه من القتل، وهذه ملة خليل الله إبراهيم منّ بها علينا، فلما أذنب العبد استوجب النار، وهو القتل الأعظم فأمر بفداء نفسه” (إثبات العلل للحكيم الترمذي ص ).
ومن حكم الأضحية: الربط والاتصال بين الحاج الذي يذبح الهدي في الحرم الشريف في البقاع المقدسة، وغير الحاج الذي يذبح الأضحية في الحل في أرض الله الواسعة، فيتشاركان في القصد والمعنى والثواب والأجر، ومن حكمها: شكر الله على نعمة المال، ومن حكمها: التوسعة على الفقراء والأقارب والجيران.

كيفية توزيع الاضحية و إعطاء نصيب منها حتى لغير المسلم

حسب الفتاوى المعاصرة، كفتوى المجلس الأوروبي للإفتاء، التي تأخذ بأوسط الأقوال وأعدلها في تقسيم الأضحية وتوزيعها، حسب ما جاء في السنن:”  أن الاضحية تقسم أثلاثا: ثلث للفقراء، وثلث للأقارب والجيران، وثلث لمضحي، والتصدق بأكثرها أو كلها أكمل وأفضل، فإن الأكل منها مستحب لا واجب، وقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار اللحوم في سنة من السنوات من أجل وفود من الفقراء أو اللاجئين باللغة المعاصرة ففي الحديث: ((إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم. فكلوا، وتصدقوا، وادخروا)) رواه مسلم. وقال العلماء: فإذا عاد سبب النهي، عاد النهي عن الادخار. وهو ما ينطبق على كثير من البلدان اليوم – (كفلسطين وسورية و اليمن و دول أفريقيا) – مع زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار اللحوم والتي ربما لا يجدها الفقير إلا أيام العيد.
ويجوز بل يحسن إعطاء غير المسلم منها ما لم يكن محاربا معاديا للمسلمين، خاصة إذا كان جارا للمضحي أو فقيرا محتاجا، والمسلمون في الغرب أحق الناس بهذا العطاء وهذا البر مع غير المسلمين الذين يبدؤون عادة بالإحسان إليهم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ (الممتحنة – 8). و إهداؤه من لحم الأضحية داخل في البر، وعن مجاهد: “أن عبد الله بن عمرو ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ (فإني) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) رواه الترمذي.
ومع استمرار الكوارث واتساع رقعة الفقر وكثرة المعوزين في العالم العربي والإسلامي لا يكاد ينتهي سبب التوكيل خارج أوروبا في الأضحية؛ لهذا يدعو المجلس الأوروبي للإفتاء، والأئمة والمراكز الإسلامية في أوروبا، إلى الذبح حيث يقيمون مع رعاية الشروط الصحية والقانونية في الذبح قدر الإمكان، وحث الناس على التصدق بالمال في بلادهم والبلدان الفقيرة أو الجمع بين الأضحية في أوروبا والبلد الأصلي أو الأشد حاجة، كاليمن و فلسطين و الصومال و غيرهما… وعيدكم مبارك سعيد و تقبل الله طاعاتكم و صدقاتكم.

جينيف / سويسرا