رياض الشرايطي: الهجرة والعنصرية

رياض الشرايطي: الهجرة والعنصرية

 

رياض الشرايطي
الهجرة ليست فقط حركة بشرية بل فعل سياسي، تعبير عن نظام عالمي مختلّ قائم على التفاوت البنيوي بين الشمال الإمبريالي والجنوب المقهور. إن العلاقة بين الهجرة والعنصرية والإمبريالية علاقة عضوية تُعيد إنتاجها منظومة الرأسمالية النيوليبرالية باستمرار. لقد تحولت الهجرة من ظاهرة إنسانية إلى مأساة جماعية تُنتجها الحروب الإمبريالية، والنهب المنهجي للثروات، وفرض نماذج تنموية لا تراعي واقع الشعوب.
تُصاغ سياسات الهجرة ضمن منطق استعماري جديد: بلدان الجنوب تُحوَّل إلى حراس حدود، والمهاجر يُحوَّل إلى تهديد أمني، والعنصرية تُوظَّف كأداة إيديولوجية لتبرير العنف المؤسساتي. لم تعد الهجرة قرارًا فرديًا، بل استجابة جماعية للقهر، واللاعدالة، والعنف البنيوي.
أما العنصرية، فهي ليست مجرد تعصّب ثقافي أو كراهية شخصية، بل منظومة بنيوية تُعيد إنتاج التراتب الطبقي والهيمنة الحضارية. إنها تمظهر مادي وأيديولوجي لإرادة السيطرة، وهي تبرر الحروب، وتقنن الاستغلال، وتُسكت الضحايا.
في هذا الإطار، لا يمكن فصل الهجرة عن مشروع الهيمنة الإمبريالية، ولا يمكن مقاومة العنصرية دون تفكيك آليات الاستعمار الجديد.
ليست الهجرة ظاهرة حديثة، بل ملازمة لتاريخ البشر منذ بداياتهم الأولى. غير أن السياقات السياسية والاقتصادية التي تحكم هذه الحركة تغيّرت جذريًا مع نشأة الرأسمالية، لتبلغ مستوى غير مسبوق من العنف البنيوي في طورها الإمبريالي المعولم. فالهجرة اليوم لم تعد تعبيرًا عن خيار شخصي، بل نتيجة لظروف قهرية تُنتجها البنية العالمية نفسها: نظام اقتصادي لا يُبقي للفرد أي إمكانية للعيش الكريم داخل وطنه.
فالمهاجر لا يفرّ من الحرب أو الجوع فحسب، بل من منظومة كاملة أنتجت الحرب والجوع. من دولة تمّ تفكيك مؤسساتها عبر القروض المشروطة، والخصخصة، والمنافسة غير المتكافئة، إلى بيئة مدمّرة بسبب النهب المناخي الذي تمارسه الشركات العابرة للقارات، إلى نزاعات مسلّحة تذكيها القوى الكبرى خدمة لمصالحها الجيوسياسية، كلها تخلق مسارات قسرية تدفع ملايين البشر إلى الهروب من الجحيم، دون أن يعرفوا أنهم سيلقونه مجددًا على الحدود.
الرأسمالية الإمبريالية، بطبيعتها التوسعية والنهبية، لا تنتج الثروات فقط، بل تُنتج كذلك الهامش، المنفى، واللجوء. إنها منظومة لا تكتفي بسرقة الموارد، بل تسحق الشعوب، وتعيد تشكيل العالم كخريطة من المركزيات البيضاء المتخمة بالأمن والثراء، والأطراف المنهوبة المطوقة بالفقر والموت.
في هذا السياق، تصبح الهجرة شكلًا من أشكال المقاومة الصامتة، فعلًا جسديًا يتحدى منطق الحدود القُطرية التي رسمتها الإمبريالية نفسها. كل جسد مهاجر يعبر المتوسط هو شهادة حية على فشل النظام العالمي في ضمان الحد الأدنى من العدالة.
أما العنصرية، فإنها ليست مجرد كراهية بيضاء تجاه الأجساد السوداء، ولا مجرد خطاب يعبّر عن جهل أو تعصب. إنها منظومة أيديولوجية/مؤسساتية، تخدم إعادة إنتاج النظام العالمي ذاته. فعبر اختراع “الآخر” وتجريده من الإنسانية، تُبرّر الهيمنة، وتُحوّل الضحية إلى متّهم.
إن الرأسمالية لا تحتقر الإنسان بسبب لونه أو عرقه فقط، بل لأنها ترى فيه كائنًا زائدًا عن الحاجة، خارجًا عن السوق، عبئًا ينبغي قمعه أو استغلاله بأرخص الأثمان. هنا تلتقي العنصرية بالبنية الطبقية: فالمهاجر ليس فقط أسود البشرة أو عربي الهوية، بل هو قبل كل شيء فقير، مقصيّ، ومحروم من “رأسمال الحياة”.
وإذا كان ماركس قد نبّه منذ القرن التاسع عشر إلى أن “رأس المال لا يعرف إلا حركة واحدة: تراكم، تراكم، تراكم”، فإن هذا التراكم لا يحدث من فراغ، بل على جثث العمال، وعلى أمواج الهاربين من بلدان تمّ إخضاعها لمقتضيات السوق العالمي. بهذا المعنى، فإن الهجرة ليست هامشًا للنظام، بل أحد أهم تجلياته.
ومن الضروري في هذا السياق ربط الهجرة بالاستعمار القديم والجديد. فحدود الدول ما بعد الاستعمار لم تكن يومًا نابعة من منطق ثقافي أو حضاري محلّي، بل رسمتها قوى الاحتلال بالشكل الذي يضمن استمرار التبعية. وحين انهارت هذه الإمبراطوريات رسميًا، استعاضت عن جنودها بالشركات، وعن الدبابات بالبنوك، وعن الإخضاع المباشر بمنظومات “المساعدة” و”الشراكة”. فصار “الاستقلال” مجرّد خرافة، وصار الهروب من الجنوب المعذّب رحلة داخل السجن الكوكبي الكبير.
الهجرة إذًا ليست قضية دول جنوب فقط، بل قضية مركزية في فهم الرأسمالية المعولمة، واستمرار بنيات التمييز الكولونيالي. إنها نتيجة مباشرة لتدمير البنى الزراعية والصناعية، عبر فرض نموذج تنموي يقوم على تصدير المواد الخام واستيراد السلع المصنعة. إنها امتداد لسياسة “فرّغ الجنوب، وأغلق الشمال” التي تتحكّم في النظام العالمي للهجرة.
والعنصرية ليست انزلاقًا أو انحرافًا أخلاقيًا، بل جزء عضوي من هذه المنظومة. فهي تتيح للنظام أن يختزل المهاجر إلى “مشكلة”، بدل مساءلة البنية التي دفعته للهجرة. وهي تتيح أيضًا خلق انقسام بين الطبقات العاملة في الشمال، عبر زرع الخوف من المهاجر كـ”سارق للوظائف”، في حين أن السارق الحقيقي هو الرأسمالي.
ولا تكتمل الصورة دون إدخال البُعد البيئي: فالمهاجر اليوم لا يفرّ فقط من الحروب أو الفقر، بل أيضًا من التصحر، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، وكلها نتيجة مباشرة لنموذج الإنتاج الرأسمالي المدمر للبيئة. ما يسمّى بـ”اللاجئ المناخي” ليس ظاهرة مستقبلية، بل واقع قائم يمسّ ملايين الأشخاص، خاصة في إفريقيا، آسيا، وأمريكا اللاتينية.
لا بد من تفكيك الخطاب القانوني الدولي الذي يتعامل مع المهاجر كملف إداري، لا كإنسان. فـ”السيادة”، “القانون”، “الحماية”، كلها مفاهيم يُعاد توظيفها لتبرير طرد المهاجرين، وشرعنة العنف الحدودي، وإعادة إنتاج النظام الطبقي العالمي. القانون الدولي اليوم لا يحمي المهاجر، بل يحمي الحدود.
إن المطلوب اليوم ليس فقط سياسات هجرة أكثر “إنسانية”، بل قلب كامل للمنظومة: من نظام يقوم على السوق، إلى نظام يقوم على الكرامة؛ من منطق الدولة-الأمة، إلى منطق العدالة الكونية؛ من علاقات التراتب، إلى علاقات التضامن الثوري بين المضطهدين.
الهجرة والعنصرية، إذًا، ليستا أزمات عرضية، بل تعبيرات عن اختلال بنيوي عالمي لا يمكن إصلاحه من الداخل، بل يجب تجاوزه من خلال مشروع ثوري جذري يعيد توزيع السلطة والثروة والمعنى على مستوى كوكبي.

الفصل الاول: تونس، الهجرة، والعنصرية – نموذج للتواطؤ.

01.مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء ،ضحايا تعدد الجلّادين:
مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء في تونس هم ضحايا منظومة متعددة الأبعاد: الرأسمالية العالمية التي تدفعهم للهجرة، الأنظمة القمعية المحلية التي تستغل هشاشتهم، والمخيال العنصري الذي يصوّرهم كخطر ديمغرافي وأمني.
الحديث عن “تغيير التركيبة السكانية” تكرار فجّ لأساطير استعمارية تهدف إلى شرعنة القمع. ما تلاه من ممارسات عنيفة – من الطرد نحو الصحارى، إلى الاعتداءات، إلى الحرمان من أبسط الحقوق – يفضح الطبيعة الأمنية للسياسات التونسية إزاء المهاجرين، في تناغم تام مع المطالب الأوروبية.

02.أوروبا: مموّل رسمي للقمع:
الاتحاد الأوروبي لا يتعامل مع تونس كشريك، بل كأداة لتطبيق سياساته القمعية دون أن تتحمل كلفتها داخليًا. الاتفاق الموقع في  2023 لم يكن اتفاق تنمية، بل صفقة قذرة لتأبيد البؤس. إنه عقد إذعان جديد يُموَّل فيه الاستبداد، وتُغذّى فيه العنصرية، ويُشرعن فيه التنكيل بالمهاجرين.
بموجب هذا الاتفاق، تُسلَّح تونس وتُمنح تقنيات مراقبة ورادارات وطائرات مسيرة، في حين تُغلق الأبواب أمام أي شكل من أشكال التنمية الحقيقية. أوروبا تشتري الصمت بالقمع، وتُموّل الدول المستضعفة بشرط أن تتحوّل إلى حراس للحدود، وسجّانين للمعذبين.

03.ميلوني ، عودة الفاشية بثوب جديد:
جيورجيا ميلوني ليست انحرافًا في السياسة الأوروبية، بل تتويجًا لمسار طويل من الانزياح نحو القومية الفاشية. خطابها العدائي تجاه المهاجرين ينبني على فكرة نقاء أوروبا، وعلى شيطنة الآخر الجنوبي، وتحويله إلى تهديد وجودي.
عندما تزور ميلوني تونس وتعرض “الدعم”، فهي لا تفعل ذلك من منطلق إنساني، بل كصاحبة مصلحة في بناء نظام رقابة خارجي يحاصر المهاجرين قبل أن يصلوا إلى السواحل الإيطالية. إنها استعمار وقائي جديد، يُعيد إنتاج منطق الفصل العنصري على النطاق القاري.

04.العنصرية الأوروبية: ازدواجية وقحة
التمييز في استقبال اللاجئين بين الأوكرانيين والسود والعرب يكشف جوهر النظام العنصري الأوروبي. في حين يُقدَّم اللاجئ الأبيض كضحية للحرب، يُعامل اللاجئ الأفريقي أو العربي كمتسلل أو إرهابي محتمل.
هذا الانقسام العرقي ليس طارئًا، بل متجذر في تاريخ الاستعمار الأوروبي، وفي بنيته الثقافية والقانونية. حتى الإعلام والمنظمات الدولية تُكرّس هذا التفاوت، عبر تغطياتها وخطابها المزدوج.

05.مهاجرو جنوب الصحراء في تونس: ورقة تفاوض بين الاستبداد المحلي والابتزاز الأوروبي

في قلب البحر الأبيض المتوسط، وعلى تخوم شمال إفريقيا، تتجلى إحدى أكثر مظاهر الظلم الجغرافي-السياسي فجاجة: مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء، العالقون في تونس بين سندان الاستبداد المحلي ومطرقة الهيمنة الأوروبية. هذه القضية لم تعد مجرد ملف إنساني، بل أصبحت نافذة تكشف حجم التواطؤ بين أنظمة الجنوب التابعة، وقوى الشمال الرأسمالي التي أعادت تعريف الحدود والسيادة والديمقراطية بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية.

أ: الوجه الإنساني المطمور تحت ركام الخطاب الأمني.
منذ خطاب قيس سعيّد في  2023، فتحت تونس أبواب الجحيم أمام عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يعيشون أو يعبرون نحو أوروبا. ذلك الخطاب لم يكن انفعالًا شخصيًا، بل تعبيرًا عن تحوّل جذري في العقيدة السياسية التونسية تجاه الهجرة، إذ تمّ تأويل ذاك الخطاب كخطاب للعنصرية وكراهية الآخر كجزء من السياسات العمومية.
النتائج كانت كارثية: رفض تشغيل المهاجرين، طرد من السكن، رفض العلاج في المستشفيات، عنف جسدي ولفظي من بعض المواطنين ، وعمليات ترحيل قسرية إلى الحدود الليبية والجزائرية.
المهاجر أضحى أسير لدينا ، ممنوع من المغادرة عبر البحر نحو أوروبا،  و لا حلول لارجاعه لبلده.

ب: أوروبا تشتري “الأمن” بالمال، وتبيع المبادئ .
في  2023، وقّع الاتحاد الأوروبي مع تونس “مذكرة تفاهم للشراكة الإستراتيجية”، تتضمن أكثر من مليار يورو كمساعدات مالية، ostensibly لدعم الاقتصاد التونسي، ومجابهة الهجرة غير النظامية. لكن في العمق، كانت الاتفاقية صفقة أمنية: المال مقابل لعب دور الحارس الحدودي.
الاتحاد الأوروبي، الذي يُفترض أنه قام على مبادئ حقوق الإنسان، صار يموّل أنظمة سلطوية في الجنوب لضبط تدفقات البشر. النموذج الليبي كان البداية، والتونسي أصبح الامتداد الطبيعي.
من خلال هذا الاتفاق، تحوّلت تونس رسميًا إلى منطقة عازلة، أو ما يسميه بعض الباحثين بـ”buffer zone”، تمنع تدفق الفقراء نحو قلعة أوروبا الغنية. وهكذا تُصدّر أوروبا “أزمتها” إلى الضفة الجنوبية، على حساب المهاجرين والمجتمعات المضيفة.

ج: دور إيطاليا  – العنصرية في ثوب رسمي .
جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب “فراتيلي ديتاليا” اليميني المتطرف، جعلت من مقاومة الهجرة شعارًا مركزيًا لحكومتها. لذلك، لم يكن غريبًا أن تكون صاحبة المبادرة في تقوية العلاقات مع قيس سعيّد، وقد زارت تونس أكثر من مرة رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والوزير الهولندي مارك روته.
ميلوني ترى أن تونس هي خط الدفاع الأول لأوروبا، وتتعامل مع الهجرة باعتبارها غزوًا يجب وقفه بأي ثمن، حتى وإن كان ذلك عبر دعم أنظمة قمعية، أو الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان.
اليمين المتطرف الأوروبي لم يعد يحكم من الهامش، بل صار يوجه السياسة الخارجية للاتحاد، ويُعيد صياغة علاقاته مع إفريقيا وفق منطق عنصري وأمني بحت.

ح: عنصرية بلا حدود، وسياسات بلا سيادة .
ما يجري ليس فقط عنصرية ضد مهاجري جنوب الصحراء، بل أيضًا فقدان للسيادة من قبل الدولة التونسية. الاتفاقيات مع أوروبا لا تخضع لرقابة برلمانية، ولا نقاش شعبي، ولا مراجعة قانونية. تونس، كغيرها من دول الجنوب، تُفرض عليها السياسات من الخارج، وتُجبر على تحويل حدودها إلى أسوار محمية لصالح الشمال.
وفي الوقت نفسه، يتعامل الاتحاد الأوروبي بازدواجية مقيتة: فتح حدوده للاجئين الأوكرانيين، مع الترحاب والدعم الكامل، بينما يسعى لعزل الأفارقة والسوريين واليمنيين وغيرهم من الفقراء والمضطهدين.

خ: الهجرة في قلب التناقضات الطبقية العالمية
من منظور ماركسي نقدي، الهجرة ليست أزمة، بل نتيجة منطقية لسياسات النهب الإمبريالي، والتفاوت البنيوي بين المركز الرأسمالي (أوروبا وأمريكا) والأطراف (إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا). القوى التي ساهمت في تدمير اقتصادات إفريقيا، من خلال فرض برامج التقشف، ونهب المواد الأولية، ودعم الأنظمة الدكتاتورية، هي نفسها التي ترفض اليوم استقبال أبنائها.
أوروبا تريد يدًا عاملة رخيصة دون حقوق، وتريد أن يبقى الفقراء بعيدين عنها، وتستخدم أدوات جديدة مثل:
-عسكرة البحر الأبيض المتوسط.
-تمويل حرس الحدود في ليبيا وتونس.
-تحويل المهاجر إلى “مجرم” بمجرد عبوره البحر.
كل ذلك يتم تحت لافتة “مكافحة الهجرة غير النظامية”، وهي في الحقيقة سياسة تمييز طبقي وعنصري عالمي.
. الاتفاقيات التى وقعتها تونس مع الاتحاد الأوروبي في 2023.
 يشمل مساعدات مالية بقيمة تزيد عن مليار يورو، تحت عنوان “مذكرة تفاهم للشراكة الإستراتيجية”، شملت:
-دعمًا اقتصاديًا لتونس في ظل أزمتها المالية.
-مساعدات لتأمين الحدود ومكافحة الهجرة “غير النظامية”.
-دعمًا لمشاريع تنموية في مناطق الإرسال (أي الدول الأصلية للمهاجرين).
لكن ما سُوّق على أنه دعم للتنمية، يخفي في الواقع دورًا أمنيًا جديدًا لتونس كـ”شرطي حدود” لأوروبا، وهو ما يتماشى مع سياسة “تأمين أوروبا من الخارج” التي تنتهجها بروكسل منذ سنوات.

05.المهاجر كمنتَج للرأسمالية النيوليبرالية:
الهجرة القسرية هي نتاج مباشر لعقود من السياسات النيوليبرالية المفروضة على الجنوب: تجفيف الموارد، تفكيك الزراعة المحلية، عسكرة الاقتصاد، وتفجير النزاعات. تدخلات الناتو، إملاءات صندوق النقد، وشركات استخراجية تدمّر البيئات وتطرد السكان.
المهاجر ليس منفيًا بالصدفة، بل نتاج هندسة جهنمية تُجبره على الرحيل. إنه حامل لجراح طبقية واستعمارية، ضحية لاختلال ميزان القوى، يُحمّل وزر نظام لم يكن له فيه رأي.

06.الشعب التونسي أيضًا مستَغَلّ:
سياسات العنصرية الرسمية لا تستهدف المهاجرين فقط، بل تُستخدم أداة لإلهاء الشعب عن معاناته اليومية. حين يتحوّل المهاجر إلى “عدو داخلي”، يُنسى الجلاد الحقيقي: الطبقات الحاكمة، والتحالفات الدولية، والرأسمال المتوحش.
الشعب التونسي يعيش في ظل أزمات متراكمة: تضخم، بطالة، خصخصة، انحدار الخدمات، وخنق للحريات. الوحدة مع المهاجرين – في وجه نظام يضطهد الطرفين – ليست خيارًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة سياسية وثورية.

الفصل الثاني: السياسات الأوروبية للهجرة – تلاعب بالقيم الإنسانية

سياسات الهجرة الأوروبية هي نتيجة لمنظومة استعمارية جديدة تسعى لتأبيد هيمنة الشمال على الجنوب عبر أدوات مختلفة، أبرزها تقييد حركة الأفراد من بلدان الجنوب، تحت ذرائع أيديولوجية مثل “الأمن الوطني” و”حماية الهوية الأوروبية”. تتجلى هذه السياسات في التمييز الفاضح بين المهاجرين حسب الجنسية والعرق، حيث يتم استقبال اللاجئين البيض من أوكرانيا والشرق الأوروبي بشكل إيجابي بينما يُنظر إلى اللاجئين الأفارقة والآسيويين كتهديدات. في هذا السياق، يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: “الاستعمار ليس مجرد تاريخ، إنه يظل حيًا في العقلية الثقافية والاقتصادية، حيث يسهم الغرب في ترسيخ نظامين من القيم: واحد يخصه، وآخر يتم فرضه على العالم”.
من خلال تقنين قوانين الهجرة، يعزز الاتحاد الأوروبي مكانته كقوة استعمارية جديدة، حيث تفرض شروطًا جائرة على دول الجنوب لضمان تدفق المهاجرين إلى هناك، لكن دون منحهم حقوقًا اجتماعية أو اقتصادية حقيقية. في كتابه الاستعمار الجديد، يشير المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا إلى أن “الاستعمار لا ينتهي عندما يغادر المستعمرون الأرض، بل يصبح جزءًا من جهاز الدولة العالمية”.
إن السياسات الأوروبية للهجرة ليست فقط تصرفات دولة تبحث عن مصلحة اقتصادية ضيقة، بل هي جزء من مشروع إمبريالي أوسع يتمثل في الهيمنة السياسية على بلدان الجنوب، من خلال فرض سياسات تضمن استمرارية النظام العالمي القائم.

الفصل الثالث: النهب البيئي وتهجير السكان – الهجرة القسرية نتيجة للإمبريالية

الهجرة القسرية هي نتيجة مباشرة للنهب المستمر للموارد في بلدان الجنوب، الذي تشرف عليه الشركات متعددة الجنسيات بدعم من الدول الإمبريالية. إن سياسات الاستعمار البيئي – التي تشمل تدمير الغابات، والتلوث الصناعي، واستنزاف الموارد المائية – تُجبر السكان الأصليين على مغادرة أراضيهم بحثًا عن فرص أفضل أو حتى للبقاء على قيد الحياة. وفي هذا السياق، يمكننا الاقتباس من المفكر النيجيري شيديان جيمس الذي قال: “إن الأرض ليست ملكًا لنا، بل نحن ملك للأرض، وما نفعله بالأرض هو في الحقيقة ما نفعله بأنفسنا”. إن هذا التصور يسلط الضوء على العلاقة العضوية بين الإنسان وبيئته، مما يجعل التدمير البيئي يشكل تهديدًا مباشرًا لاستمرار الحياة في الجنوب.
إن التدمير البيئي يتداخل مع الفقر المدقع الذي يتم فرضه على الشعوب في الجنوب نتيجة للسياسات النيوليبرالية. فبدلًا من تحسين الظروف المعيشية، تعمل هذه السياسات على دفع الشعوب إلى الهجرة قسرًا عبر خلق بيئات غير صالحة للعيش.
فالهجرة القسرية هي نتيجة مباشرة للنهب المستمر للموارد في بلدان الجنوب، الذي تشرف عليه الشركات متعددة الجنسيات بدعم من الدول الإمبريالية. إن سياسات الاستعمار البيئي – التي تشمل تدمير الغابات، والتلوث الصناعي، واستنزاف الموارد المائية – تُجبر السكان الأصليين على مغادرة أراضيهم بحثًا عن فرص أفضل أو حتى للبقاء على قيد الحياة. وفي هذا السياق، يمكننا الاقتباس من المفكر النيجيري شيديان جيمس الذي قال: “إن الأرض ليست ملكًا لنا، بل نحن ملك للأرض، وما نفعله بالأرض هو في الحقيقة ما نفعله بأنفسنا”. إن هذا التصور يسلط الضوء على العلاقة العضوية بين الإنسان وبيئته، مما يجعل التدمير البيئي يشكل تهديدًا مباشرًا لاستمرار الحياة في الجنوب.
إن التدمير البيئي يتداخل مع الفقر المدقع الذي يتم فرضه على الشعوب في الجنوب نتيجة للسياسات النيوليبرالية. فبدلًا من تحسين الظروف المعيشية، تعمل هذه السياسات على دفع الشعوب إلى الهجرة قسرًا عبر خلق بيئات غير صالحة للعيش. في هذا السياق، كتب المفكر الكوبي ماريو دي أندرسون في الهجرة والإمبريالية قائلاً: “إن الهجرة ليست اختيارًا، بل هي حكم يُفرض على الملايين من البشر الذين لا يمتلكون رفاهية العيش في ظل تدمير بيئي ممنهج، يتم بغطاء من سياسات التنمية غير المستدامة”.
في الخطابات السائدة، كثيرًا ما يتم تقديم الهجرة البيئية كمأساة طبيعية أو قدر محتوم، في تجاهل تام للسياقات السياسية والاقتصادية التي تصنع الكارثة. غير أن الحقيقة هي أن ما يُسمى بالهجرة البيئية هو نتاج مباشر لنهب بيئي منهجي، تمارسه الشركات متعددة الجنسيات، بدعم من الدول الإمبريالية، ضد شعوب الجنوب.
لقد باتت الكوارث المناخية سلاحًا غير مرئي من أسلحة الهيمنة، يُستخدم لتهجير السكان الأصليين، وتفكيك مجتمعاتهم، وتدمير مصادر رزقهم، بهدف تحويل أراضيهم إلى مناطق مفتوحة أمام الاستغلال. تصحر الأراضي، ارتفاع منسوب البحار، انهيار المنظومات الزراعية… ليست كلها إلا مظاهر للخراب الرأسمالي.

الاستخراج كاستعمار متجدد .

من الكونغو إلى النيجر، ومن بوليفيا إلى السودان، تنشط شركات عملاقة في استخراج المعادن، النفط، والموارد الطبيعية الأخرى، غير عابئة بالأثر المدمر على البيئة والسكان. يُدمَّر الغطاء النباتي، تُسمَّم المياه، وتُحوَّل الأراضي الزراعية إلى صحارى سامة.
هذا ما يسميه الباحث البيئي جيسون مور بـ”الرأسمالية الإيكولوجية” – نظام لا يحقق الربح إلا بتخريب الطبيعة واستنزاف الإنسان. وهنا، لا يكون التهجير مجرد أثر جانبي، بل هدفًا مباشرًا لتأمين سيطرة كاملة على الأراضي والثروات.

التهجير بوصفه سياسة إمبريالية .

الهجرة البيئية لا تحدث في الفراغ. هي نتيجة لسياسات إمبريالية تجعل من الجنوب مختبرًا للتجريب القذر: مصانع ملوثة، نفايات نووية، سدود ضخمة، استثمارات عقارية مدمرة. في كل مرة، يكون السكان الفقراء هم من يُطرد، ليُفسَح المجال لرأس المال.
كما يقول نعوم تشومسكي: “حين لا تكفي المدافع والسياسات لطرد السكان، تتكفل الكوارث البيئية المصنَّعة بالباقي.” فالاستعمار لم ينته، بل تغير شكله: من احتلال عسكري إلى استنزاف بيئي.

النساء والمزارعون في قلب الاستهداف .

أغلب ضحايا التهجير البيئي هم من النساء، والمزارعين الفقراء، والمجتمعات الريفية. هؤلاء هم الذين يعتمدون على الطبيعة في عيشهم اليومي، وحين تُدمر البيئة، يُفقدون كل شيء. ليس غريبًا أن تكون أكثر حركات المقاومة البيئية تقودها نساء، من تشيلي إلى الهند، دفاعًا عن الأرض والماء والكرامة.

اللجوء المناخي: من ينقذ من؟ .

في مواجهة هذه الكوارث، تتعامل الدول الغنية مع اللاجئين البيئيين كعبء، رغم أنها السبب الأساسي في مأساتهم. بدل أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في التلويث والتدمير، تبني الجدران، وتغلق الحدود، وتعيد إنتاج الخطاب الأمني نفسه.
يقول الباحث الهندي فاندانا شيفا: “اللاجئ البيئي ليس دخيلًا، بل ضحية لمن سرق بيئته.” بهذا المعنى، تصبح الحدود أداة جريمة ثانية: الأولى كانت نهب الأرض، والثانية منع الضحايا من النجاة.

من أجل عدالة بيئية أممية .

إن النضال ضد الهجرة القسرية البيئية لا يمكن فصله عن معركة كونية من أجل العدالة البيئية. يجب أن يُحمَّل الملوثون الكبار – من شركات الوقود الأحفوري إلى الحكومات الإمبريالية – كامل المسؤولية، وأن يُعترف بحق الشعوب في بيئة سليمة، وفي البقاء على أراضيها.
كما أن ربط النضال البيئي بالنضال الطبقي ضروري: لا يمكن الدفاع عن الطبيعة في ظل نظام يعتبر الربح أهم من الحياة. لا يمكننا أن نفصل بين من يهاجر بسبب الجفاف، ومن يُهجَّر بسبب حرب من أجل النفط.

الفصل الرابع: المقاومة الشعبية والهجرة – تقاطع النضالات

من المهم في هذا السياق أن نؤكد على أن مقاومة الهجرة القسرية لا تنفصل عن النضالات الشعبية ضد الإمبريالية والعنصرية. في العديد من مناطق العالم، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاقتصادية التي تُنتج الهجرة، وضد الأنظمة القمعية التي تُسهم في تدمير المجتمعات الأصلية. مثل هذه المقاومة تتمثل في الحركات الاجتماعية التي تدافع عن حقوق المهاجرين وتحارب العنصرية.
على سبيل المثال، في تونس، حيث تحاول الأنظمة الحاكمة التواطؤ مع السياسات الأوروبية في تهجير المهاجرين، شهدنا حركات شبابية وثقافية تنظم حملات تضامنية مع المهاجرين غير الشرعيين. كما أن الأحزاب اليسارية التونسية طالبت بتغيير السياسات الهجرية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتقليص أسباب الهجرة القسرية.
وفي ذات الوقت، استطاعت بعض الحركات الاجتماعية في أوروبا أن تكشف زيف الخطاب العنصري الذي يُستخدم ضد المهاجرين. في ألمانيا، على سبيل المثال، خرجت مظاهرات ضخمة ضد قوانين الهجرة المقيدة، حيث عبر المشاركون عن تضامنهم مع المهاجرين ورفضهم لسياسات الفاشية الجديدة التي يعززها الاتحاد الأوروبي.
إن النضال ضد سياسات الهجرة والعنصرية يُعتبر جزءًا من النضال العام ضد الهيمنة الإمبريالية والنظام الاقتصادي العالمي الذي يعيد إنتاج الاستغلال والتفاوت الطبقي. كما أن هذه الحركات لا تُركز فقط على قضايا المهاجرين، بل تسعى إلى إعادة تشكيل علاقات القوة بين الشمال والجنوب، وبين الطبقات الحاكمة والشعوب.

الفصل الخامس: الهجرة كأداة استغلال اقتصادي – دور الشركات العابرة للقارات

الهجرة القسرية ليست مجرد نتيجة للاختلالات السياسية أو الاجتماعية في بلدان الجنوب، بل هي أيضًا ثمرة للاستغلال الاقتصادي الذي تُنفذه الشركات العابرة للقارات. هذه الشركات تمثل أحد أكبر العوامل التي تدفع الشعوب إلى مغادرة أوطانها. الشركات متعددة الجنسيات تتحكم في مصادر الثروات الطبيعية في البلدان الفقيرة وتستفيد من العمل الرخيص والمشروط الذي يقدمه المهاجرون. ومن خلال استغلال العمالة الرخيصة في الجنوب، تخلق هذه الشركات بيئة اقتصادية غير مستقرة، مما يؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للسكان.
في كتابه الاستعمار الجديد: استغلال العمالة الرخيصة، يتحدث المفكر ماركوس غارفي عن العلاقة بين الشركات الإمبريالية وعملية الهجرة، ويقول: “إن العولمة لا تقتصر على تدفق السلع والأموال، بل تشمل أيضًا نقل الأشخاص الذين أصبحوا سلعة في يد الشركات الكبرى”. هذا يشير إلى أن الهجرة هي عملية مُوجهة من قبل القوى الرأسمالية العالمية التي تتلاعب بالعمالة لتخدم مصالحها.
إن الهجرة الناتجة عن الاستغلال الاقتصادي ليست محصورة في المجال الاقتصادي فقط، بل تؤثر أيضًا في الهياكل الاجتماعية والثقافية للمجتمعات. فالشركات العابرة للقارات، بالتواطؤ مع الأنظمة المحلية، تستمر في خلق بيئة غير قابلة للعيش بالنسبة للسكان الأصليين، فيدفعهم ذلك إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج، فقط ليجدوا أنفسهم في بيئة جديدة تُعيد إنتاج التفاوت الطبقي والعنصرية.

الفصل السادس: السياسات الأوروبية للهجرة – تلاعب بالقيم الإنسانية

سياسات الهجرة الأوروبية هي نتيجة لمنظومة استعمارية جديدة تسعى لتأبيد هيمنة الشمال على الجنوب عبر أدوات مختلفة، أبرزها تقييد حركة الأفراد من بلدان الجنوب، تحت ذرائع أيديولوجية مثل “الأمن الوطني” و”حماية الهوية الأوروبية”. تتجلى هذه السياسات في التمييز الفاضح بين المهاجرين حسب الجنسية والعرق، حيث يتم استقبال اللاجئين البيض من أوكرانيا والشرق الأوروبي بشكل إيجابي بينما يُنظر إلى اللاجئين الأفارقة والآسيويين كتهديدات. في هذا السياق، يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: “الاستعمار ليس مجرد تاريخ، إنه يظل حيًا في العقلية الثقافية والاقتصادية، حيث يسهم الغرب في ترسيخ نظامين من القيم: واحد يخصه، وآخر يتم فرضه على العالم”.
من خلال تقنين قوانين الهجرة، يعزز الاتحاد الأوروبي مكانته كقوة استعمارية جديدة، حيث تفرض شروطًا جائرة على دول الجنوب لضمان تدفق المهاجرين إلى هناك، لكن دون منحهم حقوقًا اجتماعية أو اقتصادية حقيقية. في كتابه الاستعمار الجديد، يشير المفكر الفرنسي فرانسوا بورجا إلى أن “الاستعمار لا ينتهي عندما يغادر المستعمرون الأرض، بل يصبح جزءًا من جهاز الدولة العالمية”.
إن السياسات الأوروبية للهجرة ليست فقط تصرفات دولة تبحث عن مصلحة اقتصادية ضيقة، بل هي جزء من مشروع إمبريالي أوسع يتمثل في الهيمنة السياسية على بلدان الجنوب، من خلال فرض سياسات تضمن استمرارية النظام العالمي القائم.

الفصل السابع: تجارب المقاومة في الجنوب – بين التحدي والتحرر.

إن الهجرة ليست مجرد فعل اقتصادي أو اجتماعي، بل هي أيضًا جزء من مسار طويل من المقاومة في مواجهة الأنظمة الاستبدادية والتحديات التي تفرضها القوى الإمبريالية. على مر السنين، أثبتت حركات المقاومة في الجنوب قدرتها على مواجهة التحديات المترتبة على الهجرة، سواء من خلال التصدي للاستعمار الاقتصادي أو من خلال النضال من أجل حقوق المهاجرين.
كما أن تجارب مثل الثورات العربية، التي اندلعت في تونس ومصر وليبيا، قد ألهمت الملايين في الجنوب للوقوف في وجه الأنظمة القمعية. مع ذلك، لا يزال النضال من أجل حقوق المهاجرين يواجه تحديات كبيرة، خاصة مع دعم الأنظمة الاستبدادية في الجنوب للسياسات الأوروبية المناهضة للهجرة. في كتابه دور الثقافة في الثورة، يقول المفكر المصري عادل حسين: “الثقافة ليست مجرد تعبير عن الذات، بل هي قوة تغيير اجتماعي، ومن خلالها يمكن أن تنشأ ثورات لا تُعبر فقط عن تغيير في السلطة، بل عن تغيير عميق في البنية الاجتماعية والاقتصادية”.

الفصل الثامن: المهاجر كفاعل سياسي وثقافي – تجاوز الصورة النمطية

من المهم أن نفهم أن المهاجر ليس فقط ضحية لمجموعة من السياسات، بل هو فاعل سياسي وثقافي يمكنه التأثير في المجتمعات التي يهاجر إليها. بدلاً من النظر إليهم كتهديدات أو عبء، يجب أن نرى فيهم قوة دافعة نحو التغيير الاجتماعي. تتجسد هذه القوة في قدرتهم على إغناء الثقافات التي ينتمون إليها، وكذلك على إعادة تشكيل الهويات الاجتماعية في البلدان المستقبلة.
المهاجرون جلبوا معهم ثقافات جديدة، موسيقى، آداب، وأفكار، مما ساعد في إثراء المجتمعات الغربية. كما أن المهاجرين قد شاركوا بنشاط في السياسة، عبر دعم الحركات المناهضة للعنصرية أو عبر المشاركة في النشاطات الاجتماعية. المفكر الفرنسي جاك رانسير أكد في كتابه الحرية السياسية على أن: “الحرية لا تمنح، بل تُنتزع من خلال الفعل السياسي المستمر”.

الفصل التاسع: نقد المنظمات الدولية – تقاعس أم تواطؤ؟

المنظمات الدولية، على الرغم من أنها تقدم مساعدات إنسانية، فإنها غالبًا ما تساهم في تثبيت النظام العالمي القائم، حيث تقوم بدور تبريري لبعض السياسات القمعية التي تنتهجها الدول الكبرى. في هذه المنظمات، يتم تجميع التمويل الدولي تحت ذريعة “حماية حقوق الإنسان”، بينما يتم تجاهل الممارسات التمييزية التي تقوم بها الحكومات الغربية.
يقول المفكر المصري سمير أمين: “المنظمات الدولية، وخاصة الاقتصادية منها، ليست سوى أدوات خفية لتمويل مصالح القوى الكبرى على حساب الشعوب المستضعفة”. هذه المقولة تبرز دور هذه المنظمات في تقويض القدرة على إحداث تغيير حقيقي.

الفصل العاشر: الفهم الماركسي للهجرة والعنصرية – أزمة النظام الرأسمالي

من خلال منظور ماركسي، يمكننا تحليل الهجرة والعنصرية باعتبارها جزءًا من أزمة بنيوية في النظام الرأسمالي. الهجرة هي إحدى آليات هذا النظام للتخفيف من أزماته الاقتصادية: في وقت يعاني فيه الاقتصاد الرأسمالي من ركود أو ازدهار متقطع، يتم تفعيل الهجرة كحل لمشكلة فائض الإنتاج، حيث يُنتج نظام السوق العالمي منافسة بين العمالة الرخيصة. هذه المنافسة تؤدي إلى تفكيك الأوضاع الاجتماعية في البلدان الأصلية، بينما تُستغل قوى العمل في بلدان الشمال لتحقيق الأرباح.
أما العنصرية، فهي إحدى الأدوات الأيديولوجية التي تُستخدم لتقسيم الطبقات العاملة، بحيث تبقى العمالة في بلدان الشمال مُقسمة إلى مجموعات وفقًا للعرق والجنسية، مما يجعل من الصعب على الطبقات المهمشة تشكيل جبهة موحدة ضد النظام الرأسمالي. كما أن العنصرية تساهم في تفتيت المقاومة وتضع الحواجز بين المهاجرين والسكان المحليين، مما يعزز من قوة الرأسماليين في التحكم في العمال.
إن هذه الظواهر ليست محض صدفة، بل هي جزء من بنية النظام الرأسمالي الذي يسعى إلى استغلال الموارد البشرية والبيئية. لا يمكن فهم الهجرة والعنصرية خارج هذه الدائرة من الاستغلال الطبقي والسيطرة الإمبريالية. كما أن الحلول لهذه الظواهر تتطلب تغييرًا جذريًا في النظام الاقتصادي والسياسي، وهو ما يسعى إليه اليسار الثوري.

الفصل الحادي عشر: من أجل بديل جذري للهجرة والكرامة – التحرر من قيود الإمبريالية والعنصرية.

إن الحل الجذري لمشاكل الهجرة والعنصرية يبدأ بتفكيك النظام العالمي الرأسمالي الذي يقوم على استغلال الجنوب لمصلحة الشمال. يجب أن نعمل على تغيير بنية العلاقات الدولية، وخلق أنظمة اقتصادية وسياسية تضمن العدالة الاجتماعية والحرية لكل الأفراد، بغض النظر عن مكان ولادتهم أو لون بشرتهم.
كما قال المفكر الفرنسي إريك زيمور: “يجب أن نعيد تعريف العالم على أساس العدالة الإنسانية، بحيث لا يتم قياس البشر بناءً على مكانهم أو هويتهم، بل بناءً على ما يمثلونه من كرامة وإنسانية”.
إن هذا التصور يستدعي بناء شبكة تضامن أممي بين المهاجرين والشعوب المضطهدة من أجل مواجهة السياسات القمعية وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية على المستوى العالمي.

في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن الهجرة والعنصرية ليستا ظاهرتين منفصلتين أو عرضيتين، بل هما نتيجة مباشرة لنظام إمبريالي ورأسمالي يستهلك البشر والأرض.
يجب قلب المعادلة: المهاجرون ليسوا مشكلة، بل نتيجة. والاتحاد الأوروبي ليس ضحية للهجرة، بل أحد أسبابها. والنضال الحقيقي لا يكون ضد المهاجر، بل ضد الأنظمة التي أنتجت البؤس والاستغلال.
ما نحتاجه اليوم ليس حوارًا عن “السيطرة على الحدود”، بل نقاشًا حول عدالة عالمية جديدة، تضع الإنسان قبل الأمن، والكرامة قبل السيادة الزائفة، وتبني تحالفًا بين المضطهدين في الشمال والجنوب ضد آلة القمع والعنصرية التي تسحقهم جميعًا.
إن الحلول لهذه القضايا لا تكون عبر الاستجابة لخطابات التمييز أو إغلاق الحدود، بل من خلال تغيير جذري للنظام الاقتصادي العالمي الذي يعيد إنتاج الفقر والعنصرية.
المقاومة لا تكمن في رد الفعل بل في الفعل الثوري. من خلال التضامن بين المهاجرين والشعوب الأصلية، والمقاومة المنظمة ضد سياسات الإمبريالية، يمكننا تحقيق عالم أكثر عدالة. إن المهاجرين ليسوا عبئًا، بل هم جزء من النضال ضد النظام الذي يستغلهم.
إلى جانب ذلك، يجب أن تتوسع الحركات الثورية لتشمل قضايا الهجرة، العنصرية، والتفاوت الاجتماعي، وليس فقط في بلدان الجنوب، بل أيضًا في البلدان الإمبريالية. على اليسار الثوري أن يقدم رؤية متكاملة للإجابة على هذه التحديات، من خلال بناء تحالفات عالمية ضد الإمبريالية والعنصرية، لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر لجميع الشعوب.

المراجع

-إدوارد سعيد : الاستشراق.
-فرانسوا بورجا : الاستعمار الجديد.
-غارفي، ماركوس غارفي : الاستعمار الجديد: استغلال العمالة الرخيصة.
 -شيديان جيمس: الاستعمار البيئي.
-كارل ماركس : رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي.

/ تونس