سكين البوسعادي: تراث جزائري في احتفالات عيد الأضحى

سكين البوسعادي: تراث جزائري في احتفالات عيد الأضحى

الجزائر / حسان جبريل / الأناضول
مع اقتراب عيد الأضحى من كل عام، تتحول مدينة بوسعادة جنوب العاصمة الجزائر، إلى وجهة مفضلة للمواطنين الباحثين عن السكين التقليدي المعروف باسم “الخدمي البوسعادي”، الذي يعد رمزا للرجولة وموروثا حرفيا متجذرا في الذاكرة الجماعية للسكان.
هذا السكين المصنوع يدويا، والذي تفخر المدينة بلقبه منذ قرون، يعرف بحدته ومتانته ويستخدم بشكل واسع في ذبح الأضاحي، حتى بات “ضيفا دائما” في بيوت الجزائريين، متفوقا على المنتجات المستوردة.
ويحظى عيد الأضحى بمكانة خاصة لدى الجزائريين، إذ تقدم معظم العائلات على نسك النحر إحياء لهذه الشعيرة الإسلامية.
** حرفة الأجداد
يعود تاريخ صناعة “البوسعادي” إلى ما يقارب القرنين، ويرجح بعض المؤرخين دخوله إلى شمال إفريقيا مع موجات الهجرة الهلالية من منطقة نجد (القرن 11 للميلاد)، فيما يربطه آخرون بفترة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، حين كان الحدادون يصنعونه سرا لدعم المقاومين عقب احتلال الجزائر.
ورغم التقدم الصناعي، لا يزال عديد الحرفيين في مدينة بوسعادة، على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب شرقي الجزائر العاصمة، يمارسون هذه الحرفة التي ورثوها أبا عن جد.
يتميز “البوسعادي” بحدته العالية التي تجعله السكين المثالي للذبح والسلخ، كما يصنع نصله من الحديد المغناطيسي المقاوم للصدأ، أما المقبض فينجز من العاج أو خشب البلوط الصلب، ويوضع في غمد جلدي متين يضمن له عمرا طويلا، يصل حتى 50 سنة.
ويحرص الحرفيون على تزيين النصل بزخارف تقليدية أو بنقوش تحمل اسم صاحبه، في تقليد يعكس الطابع الشخصي والرمزي لهذا السكين.
لم يكن “البوسعادي” مجرد أداة لذبح الأضاحي، بل لعب دورا في تاريخ الجزائر المعاصر، إذ استخدمه مقاومو ثورة التحرير (1954-1962)، في مواجهة عملاء الاحتلال الفرنسي، ما جعل اسمه يثير الرهبة في صفوف الخونة، وفق ما يتناقله السكان.
** معايير صارمة
بين الحرفيين البارزين في سوق بوسعادة، قال تومة عمار، وهو صانع سكاكين مخضرم، إن سر الإقبال على “البوسعادي” يكمن في جودته الفائقة وديمومته الطويلة، موضحا أن “السكين يمكن أن يدوم أكثر من 50 سنة إذا حفظ بشكل جيد”.
وأشار عمار في حديث للأناضول إلى أن صناعة السكين تتم يدويا عبر طرق المعدن باستخدام أنواع مختلفة من الحديد، ما يمنحه صلابة مميزة، مضيفا أن “كل صانع يضع لمساته الخاصة من حيث الشكل والزخرفة، ما يجعل كل قطعة فريدة من نوعها”.
وأوضح أن “الموس البوسعادي له معايير دقيقة، يجب احترامها حتى يستحق هذا الاسم، من أبرزها أن يطرق الحديد يدويا، ثم يعالج بالزيت والماء لضمان صلابته”.
وتابع: “الشكل الأصلي يتكون من نصل حديدي، ومقبض يُصنع من قرون الحيوانات أو العظم أو الخشب الصلب، بينما يُغطى بغمد جلدي مبطَّن بخشب، لحماية الغلاف من التمزق”.
وأشار عمار إلى أن السكاكين المزوّرة باتت تنتشر في الأسواق، مؤكدا أن “من يريد اقتناء سكين بوسعادي أصلي فعليه التوجّه مباشرة إلى مدينة بوسعادة، لأن التقليد منتشر”.
وعن الإقبال الحالي، أفاد بأن الطلبات تبدأ منذ شهر رمضان وتستمر حتى عشية عيد الأضحى، موضحا: “نشهد ضغطًا كبيرًا في الخمسة عشر يومًا التي تسبق العيد، ونتلقى طلبات من خارج المدينة أيضًا، ونقوم بعمليات توصيل للمناطق البعيدة”.
** موروث ثقافي
الحرفي جغام بوزيد وصف السكين البوسعادي بأنه “موروث ثقافي يمثل منطقة بأسرها”، مؤكدا أن الحرفة ورثها عن أجداده ويسعى للحفاظ عليها حية بالطرق التقليدية نفسها التي استخدمها الأسلاف.
وذكر في حديث للأناضول: “نحن لا نصنع سكينا فقط، بل نُحيي تقاليد كاملة مرتبطة بالهوية المحلية، وكل تفصيلة في هذا السكين تعبّر عن أصالة بوسعادة”.
وأوضح أن الإقبال يكون كبيرًا خلال أيام العيد، مشيرا إلى أن “الجزائريين يحبّون اقتناء هذا النوع تحديدا، لما يتميز به من حدة ومتانة وتصميم فريد، حتى بات يحظى بشهرة وطنية ودولية”.
وختم قائلا: “لا يكاد يخلو بيت جزائري من سكين بوسعادي، إنه جزء من ثقافتنا”.