محمد المخلافي: اسم بلا تأثير وقصة بلا نهاية

محمد المخلافي: اسم بلا تأثير وقصة بلا نهاية

محمد المخلافي
في زمنٍ يطحن الحربُ أحلامَ الشباب، يبرز “وليد الوليد” شابًا يمني يحمل بين جوانحه ألمًا لا يُقاس، وقلبًا لا يعرف سوى لغة الصمود. يعيش في عالمٍ يختلط فيه اليقين بالشك، حيث تذوب الفرص كالثلج تحت شمس المحسوبية والفساد. هنا، يبوح وليد بكلماته، حاملاً قلمه ليرسم صورة جيلٍ ضائع بين ركام الهُوية والوجود.
اسمي.. شظية لا تُكتمل
أسقطُ حروف اسمي كما يسقط الثلجُ من غيمةٍ نسيها الشتاء..
لا شيء في هذه الحروف يدلُّ عليَّ، ولا في هذا الوجه ما يُشبه معنى “الاسم.
كان اسمي ثقيلًا كالحجر، فتركتُه عند أول منعطف هربت منه إلى نفسي.
لا حاجة لي به..
فالحياة نفسها تهرب مني، وتغلق أبوابها قبل أن تعرفني.
لا أملك شهادة ميلاد.. وُلدتُ في قريةٍ لم يخطها قلم الجغرافيا.
هنا، تُقدَّس الأنساب أكثر من البشر، و”ابن فلان” عنوانٌ يكفي لسدِّ الجوع!
علاقاتي هشةٌ كخيط العنكبوت، لا تحتاج إلى اسم.. يكفي أن يناديني أصدقائي: “وليد الوَلاَد”!
حتى “أل التعريف” لم تُجدِ نفعًا..
في مقابلةٍ للعمل، فتح المدير سيرتي الذاتية، قرأ “وليد الوليد”، ثم أكمَلَ من عنده: “ابن المغيرة”!
من بين آلاف “أل”، خاصتي وحدها زائدة، لا تُقبل في وظيفة، ولا تُجيزني عند نقطة تفتيش!
اسمي كشهادة مزورة.. لا تصلح إلا لإدارة حساب “فيسبوك”!
لستُ ابنَ أحدٍ
أنا لا أنتمي إلى شجرة عائلة، بل كغصنٍ يابسٍ يُلقى في النار.
لا أبٌ يُفتخر به، ولا لقبٌ يُحكى عنه.. مجرد اسم على لافتةٍ بالية، تذروها الريح.
كلما ناداني أحد، تذكَّرتُ أنني لم أختر هذا الاسم..
جئتُ به كحقيبة مهترئة، حملتُها من رحلةٍ طويلة بلا وجهة.
اسمي لا يدفعني للأمام، ولا يُؤخّرني..
لا يمنحني دورًا في مسرحية الحياة، ولا حتى مقعدًا في الباص!
مرَّ شرطي بجواري فلم يعترف بي..
ومرَّ قاتلٌ أيضًا، فلم يطعنني!
كأنني لستُ مسجَّلًا حتى في سجل الضحايا!
في طابور النسيان
أخفض رأسي في طوابير المعاملات، حيث تُختزل حياتي في أرقامٍ وأختام.
لا أحد يسأل: “هل أنت أنت؟”.. المهم أن الاسم موجود في الأوراق!
كل الأسماء لها أوطان، إلا اسمي..
وكل الأوطان لها مقابر تُذكَر، إلا أنا.. أؤجل لقبي حتى يوم الدفن!
في هواتف الناس، اسمي مجرد رقم..
في المدرسة، كانوا يطلبون اسم ولي الأمر..
وفي الجامعة، نسوه بعد التخرج!
حتى الهوية فقدتُها في شارعٍ مزدحم..
ربما.. الأفضل أن أكون لا أحد!
أحيانًا، أتمنى أن أعود إلى العدم..
أن أكون ظلًّا بلا اسم، أو نَفَسًا عابرًا لا يحتاج إلى تعريف.
لا هوية.. لا قبر..
ولا حتى حجرٌ يُكتب عليه:
“هنا رقدَ مَنْ حاول أن يكون”.
إسم بلا نهاية
هكذا يبقى “وليد الوليد”.. اسماً بلا ظل، وحكايةً بلا خاتمة. في عالمٍ لا يرى في الأسماء إلا أصداءً باهتةً للألقاب والأنساب، يظلُّ صوتُه حبيسَ سؤالٍ واحد: متى يصبح الاسمُ هويةً، لا مجرد شاهدٍ على الغياب؟
لكن حتى الغياب له أسماء.. وربما، يومًا ما، سيكتشف أن الحروف التي سقطت من اسمه كانت بذورًا لشيءٍ لم يُخلَق بعد.