الدكتور بهيج سكاكيني: الجوانب غير المعلنة إعلامياً حول حرب الإبادة في غزة

الدكتور بهيج سكاكيني
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 30 أيار نقلا عن دراسة أجرتها شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية بأن البصمة الكربونية (انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول الرئيسي عن التغيير المناخي) ستتجاوز الانبعاثات الناجمة عن حوالي 100 دولة سنويا. وهذه الأرقام الصادمة تشير الى حجم التكلفة البيئية والبيولوجية الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية في غزة والتي عادة تغيب عن وسائل الاعلام العالمية. هذا في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم لخفض هذه الانبعاثات الضارة بالمناخ والبيئة الى ما يقرب من الصفر في غضون بضعة سنوات من الان بحسب اتفاقية باريس للمناخ.
ويجب التأكيد هنا على ان الولايات المتحدة والدول الغربية التي زودت وما زالت تزود الكيان الصهيوني بالموارد العسكرية التي تستخدم في حرب الإبادة على غزة تتحمل العبء الأكبر في هذه المجزرة البيئية لأنها تعتبر ان هذه هي حربها. ويكفي ان نشير هنا الى أن 30% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منذ بدء الحرب جاءت من إرسال الولايات المتحدة 50000 طن من الأسلحة الى الكيان الصهيوني. ما نريد ان نشير اليه هنا هو ان حجم المتفجرات التي ألقيت على غزة منذ بدء الحرب تفوق على أقل تقدير 3 أضعاف القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وناكا زاكي في اليابان عام 1945 والتي أدت الى استسلام اليابان آنذاك. هذا يعني ان حصة الفرد من سكان القطاع في غزة من هذه المتفجرات يبلغ 50 كيلوغرام.
ولا يقتصر الامر على هذه الانبعاثات الكربونية فقد أفادت مصادر الأمم المتحدة العام الماضي إن حرب إسرائيل خلقت أزمة بيئية مدمرة في غزة، إذ دمرت أنظمة الصرف الصحي، وخلفت أطنانًا من حطام العبوات الناسفة، وتسببت في تلوث هائل. ووجدت أن أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة في غزة معطلة تقريبًا، مع إغلاق محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في القطاع. ومن المفيد ان نذكر هنا ان عام 2020 كان 92% من المياه في غزة غير صالحة للشرب وذلك نتيجة للتدمير المستمر لمحطات معالجة المياه او لمنع وصول الوقود للقطاع لتشغيل هذه المحطات. ولا عجب أن هنالك ما يقرب من 120000 من سكان القطاع يعانون من امراض في الكبد.
قالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في يونيو عام 2024 “… يعيش الناس بالفعل تحت وطأة عواقب الأضرار التي لحقت بأنظمة إدارة البيئة والتلوث الناجم عن النزاع. فقد انهارت خدمات المياه والصرف الصحي، ولا تزال البنية التحتية الحيوية تتعرض للتدمير. وتأثرت المناطق الساحلية والتربة والنظم البيئية بشدة. كل هذا يُلحق ضررًا بالغًا بصحة الناس وأمنهم الغذائي وقدرة غزة على الصمود”.
ويواجه القطاع الزراعي في غزة أزمةً حادة، إذ لا يزال أقل من خمسة بالمائة من أراضيه الزراعية صالحة للزراعة، وفقًا لتقييم أصدرته الأمم المتحدة في 26 من الشهر الماضي (مايو 2025). وقد أدت القيود والتدمير إلى انخفاض حاد في إنتاج الغذاء، مما فاقم خطر المجاعة في المنطقة وخاصة مع إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات للقطاع من قبل الاحتلال لأكثر من 60 يوما الان.
وفقاً لبيث بيكدول، نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن هذا الدمار لا يمثل مجرد خسارة في البنية التحتية، بل انهياراً كاملاً لنظام الأغذية الزراعية في غزة. مما يعرض الامن الغذائي حتى إذا ما توقفت الحرب على غزة الى وضع كارثي غير مسبوق.
كل هذا ولم نذكر بعد الاشعاعات النووية التي تصدر عن اليورانيوم المنضب الذي يستخدم في تصنيع المعدات العسكرية من ذخائر وصواريخ وقذائف لجعلها أكثر فتكا وتدميرا. ولنا في الحرب على العراق انموذج لما تسببه استخدام مثل هذه الأسلحة حيث أشار عالم فيزياء نووي إيطالي ان البصرة تعتبر حديقة مشعة وهذا هو سبب ارتفاع نسبة المصابين بالسرطان في تلك المنطقة. هذا الى جانب استخدام القنابل الفسفورية بكثافة في مرحلة من المراحل في الحرب على غزة مما أدى الى تدمير الكثير من المزارع وتلوث التربة التي لن تتعافى من هذه المواد الملوثة.
كل هذه الجوانب من الحرب على البيئة التي تسبب تلوث للجو والتربة ومصادر المياه الجوفية والسطحية يا للأسف لا تجد طريقها للنشر في الصحافة والاعلام العالمي او الإقليمي وهذا جزء من استراتيجية جعل القطاع غير صالح للحياة وهو هدف أساسي من هذه الحرب المجرمة لتحقيق التهجير والتطهير العرقي للسكان حتى يستطيع صاحب الصفقات تحويل القطاع الى ريفيرا لأصحاب المليارات.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني