راجي سلطان الزهيري: في سوق التحالفات.. القاهرة تقترب من طهران وتبتعد عن دول الخليج!

راجي سلطان الزهيري: في سوق التحالفات.. القاهرة تقترب من طهران وتبتعد عن دول الخليج!

 

 

راجي سلطان الزهيري

تحول سياسي ملحوظ تشهدهُ العلاقات المصرية الإيرانية في الفترة الأخيرة بعد عقود من القطيعة والتوتر الدبلوماسي الذي طبع العلاقة بين البلدين منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وقد توّج هذا التحول بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي في سابقة لم تحدث بهذا المستوى منذ سنوات. لم يكن المشهد عادياً ولا بروتوكولياً بل جاء ليعكس تغيراً سياسياً حقيقياً في خريطة التوازنات الإقليمية وتحركاً واعياً من القاهرة نحو خيارات جديدة فرضتها ضرورات اللحظة وواقع العلاقات المتغيرة مع دول الخليج.

 

 

ما وراء التقارب: خلل في المعادلة

 

السبب الأبرز كما يرى مراقبون ومحللون لتوجه القاهرة نحو طهران لا يكمن فقط في رغبة مصر بإعادة ترتيب أوراقها الدبلوماسية بل في الشعور المتنامي لدى القيادة المصرية بأن العلاقات مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات لم تعد كما كانت.

فالدعم الاقتصادي والسياسي الذي كانت تعتمد عليه مصر بدأ يشهد تراجعاً ملحوظاً سواء بفعل أولويات جديدة لدى دول الخليج أو بفعل خلافات مكتومة حول بعض الملفات الإقليمية مثل ليبيا واليمن والعلاقة مع تركيا وحتى مستقبل التطبيع مع إسرائيل.

وقد بدا هذا التراجع في أوضح صوره مع الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الخليج هذا العام التي شهدت تجاهلاً واضحاً لمصر حيث لم تُدعَ القاهرة إلى أي إطار تشاوري مهم خلال الزيارة رغم مكانتها المحورية في العالم العربي. هذا التجاهل وإنْ لم يُعلَن رسمياً عن انزعاج مصري منه إلا أنه بعث برسائل غير مريحة لصانع القرار في القاهرة تؤكد أن التحالف مع الخليج لم يعد مضمون النتائج.

 

 

مثلث استراتيجي: القاهرة – أنقرة – طهران

 

إزاء هذا الواقع بدأت القاهرة تتجه نحو بناء محاور جديدة أو على الأقل استعادة قنوات اتصال قديمة مع قوى إقليمية مثل إيران وتركيا. وبينما كانت العلاقة مع طهران تخضع طوال عقود لمنطق “الحذر الأمني” والاعتبارات العقائدية فقد بدأت مصر بإعادة تقييم هذا الملف بعيون براغماتية تتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية نحو تحقيق توازن إقليمي جديد.

التقارب مع إيران يأتي موازياً لخطوات مدروسة في تحسين العلاقات مع تركيا وهو ما يفتح الباب أمام تصور سياسي لتحالف ثلاثي (مصر-تركيا-إيران)، ليس بالضرورة أن يكون محوراً رسمياً لكنه أقرب إلى “تفاهم استراتيجي” عابر للتناقضات هدفه خلق توازن أمام تغوّل القوى الكبرى في الإقليم وملء الفراغ الذي خلّفه غياب التوافق العربي.

 

 

القاهرة توازن بين الجميع

 

من المهم الإشارة إلى أن القاهرة لا تسعى إلى القطيعة مع دول الخليج بل إلى توازن في علاقاتها وتحقيق استقلالية نسبية في القرار السياسي بعد سنوات من الارتهان للمساعدات والدعم السياسي المشروط.

ومع تراجع الدور الأميركي في المنطقة وتحوّل السياسة الخليجية نحو تحالفات مرنة وعابرة وجدت مصر نفسها أمام خيار توسيع تحالفاتها الإقليمية لا سيما مع وجود ملفات ساخنة تحتاج إلى تنسيق متعدد الأطراف مثل أمن البحر الأحمر وسوريا والملف السوداني والقضية الفلسطينية.

 

هل تملك مصر أوراق القوة

 

رغم الأزمات الاقتصادية الداخلية التي تعاني منها مصر إلا أنها لا تزال تحتفظ بأوراق استراتيجية مهمة تجعل منها لاعباً لا يمكن تجاهله. الجغرافيا والوزن السكاني والموقع في قضايا الأمن القومي العربي تجعل من القاهرة رقماً صعباً في أي معادلة إقليمية.

والتقارب مع إيران وتركيا قد يمنحها مساحة أوسع للحركة بعيداً عن ضغوط الخليج أو الغرب كما قد يفتح أمامها آفاقاً جديدة للاستثمارات والطاقة والنقل.

 

 

خلاصة المشهد: تحولات سياسيّة

 

ما يجري ليس مجرد تقارب ظرفي أو لقاء بروتوكولي بل هو انعكاس لتحول تدريجي في السياسة الخارجية المصرية من موقع التابع إلى موقع الشريك الذي يختار تحالفاته ويُعيد صياغة أولوياته.

وفي ظل عالم عربي يتغير بسرعة وتتحرك فيه القوى الإقليمية الكبرى بطريقة منفصلة عن بعضها فإن القاهرة وجدت نفسها أمام لحظة لا بد فيها من إعادة التموضع والبحث عن شركاء جدد حتى لو كانوا خصوماً سابقين.

التحالف المصري مع إيران وتركيا إذا ما استمر وتطور قد يعيد رسم خريطة التأثير في الشرق الأوسط ويفتح المجال أمام دور مصري أكثر استقلالاً وتأثيراً في الملفات الإقليمية بعد سنوات من الغياب أو التبعية.