روسيا تعتقد أنه لن يكون هناك تقدم سريع في حل النزاع الأوكراني.

روسيا تعتقد أنه لن يكون هناك تقدم سريع في حل النزاع الأوكراني.

موسكو-(أ ف ب) – استبعدت روسيا الثلاثاء تحقيق اختراق سريع باتّجاه تسوية النزاع “المعقّد للغاية” في أوكرانيا، غداة فشل ثاني جولة من المحادثات المباشرة مع كييف في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
من جهتها، نددت أوكرانيا بشروط السلام التي طرحتها روسيا الإثنين خلال مفاوضات جرت في اسطنبول، معتبرة أنها “إنذارات” غير واقعية لن تتيح وضع حد للحرب.
وفي حين يتفوق الجيش الروسي الأكبر حجما والأفضل تجهيزا في الميدان، تتهم كييف روسيا منذ أشهر بعرقلة مفاوضات السلام، مع رفض موسكو طلبها هدنة غير مشروطة يمكن أن تسمح لأوكرانيا بتعزيز قوتها بمساعدة حلفائها.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف خلال مؤتمره الصحافي اليومي “سيكون من الخطأ توقع حلول واختراقات فورية”.
وأضاف أن “مسألة التوصل إلى تسوية معقّدة للغاية وتشمل الكثير من المسائل الدقيقة” التي يتعيّن حلّها، وذكر أن موسكو تريد قبل كل شيء “القضاء على الأسباب الجذرية للنزاع” من أجل تحقيق السلام مع كييف.
وتربط موسكو وقف القتال بحل هذه “الأسباب الجذرية”، أي وضع الأراضي الأوكرانية التي أعلنت ضمها ورغبة كييف في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو ما تراه موسكو تهديدا وجوديا.
وكتب وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا على منصة إكس “بدل الردّ على اقتراحاتنا البناءة في اسطنبول، قدّم الجانب الروسي سلسلة من الإنذارات المعروفة مسبقا والتي لا تساهم في تقدم الوضع نحو سلام فعلي”.
ومنذ بدئه في شباط/فبراير 2022، تسبب الهجوم الروسي الواسع النطاق في أوكرانيا، وهو أكبر نزاع مسلح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، في سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين والعسكريين، إن لم يكن مئات الآلاف.
ولم تنجح الجهود الدبلوماسية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف شباط/فبراير لإنهاء النزاع في إسكات البنادق.
– مطالب لا يمكن التوفيق بينها –
التقى الروس والأوكرانيون في إسطنبول الاثنين في جولة ثانية من المفاوضات بوساطة تركيا، بعد اجتماع أول عقد في 16 أيار/مايو.
لكن موسكو رفضت مجددا عرض الهدنة “غير المشروطة” الذي قدمته كييف ودعمته واشنطن والأوروبيون.
واكتفى الروس والأوكرانيون بالاتفاق على تبادل جميع أسرى الحرب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما أو المصابين بجروح بالغة، بالإضافة إلى جثامين آلاف العسكريين القتلى.
من ناحية أخرى، لا تزال مطالب الطرفين الجوهرية تبدو غير قابلة للتوفيق.
وقدم الوفد الروسي مذكرة للأوكرانيين، تطالب بـ”انسحاب كامل” للجيش الأوكراني من المنطقتين المحتلتين جزئيا دونيتسك ولوغانسك (شرق) ومن زابوريجيا وخيرسون (جنوب) قبل تنفيذ وقف إطلاق النار شامل.
وتشمل البنود الأخرى “الاعتراف القانوني الدولي” بهذه المناطق وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، باعتبارها أراضي روسية، فضلا عن “حياد” أوكرانيا، في حين تسعى كييف إلى الانضمام إلى الناتو.
هذه الشروط غير مقبولة لأوكرانيا التي تريد انسحابا كاملا للقوات الروسية من أراضيها، فضلا عن ضمانات أمنية ملموسة مدعومة من الغرب، مثل حماية حلف شمال الأطلسي أو وجود قوات غربية على الأرض، وهو ما ترفضه موسكو تماما.
وتدعو كييف واشنطن وحلفاءها الغربيين إلى فرض مزيد من العقوبات على موسكو لإجبارها على قبول هدنة شاملة، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفض حتى الآن اتخاذ مثل هذه الإجراءات، قائلا إنه لا يريد وضع عراقيل أمام أي اتفاق محتمل.
في الوضع الحالي، قال بيسكوف إن عقد لقاء بين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي ودونالد ترامب “أمر غير مرجح” في المستقبل “القريب”.
ووصل وفد من كبار المسؤولين الأوكرانيين إلى واشنطن الثلاثاء لمناقشة “الدعم الدفاعي” لبلادهم وقضايا اقتصادية من بينها تشديد العقوبات ضد موسكو، حسبما أعلنت كييف.
كما كشف زيلينسكي أن بلاده تلقت دعوة لحضور قمة الناتو في لاهاي بين 24 و26 حزيران/يونيو، وذلك بعد أن حذّر في وقت سابق من أن عدم حضور أوكرانيا سيكون بمثابة “انتصار” لروسيا. وأكد مسؤول في الناتو لفرانس برس توجيه الدعوة لكييف.
– عمليات قصف دامية –
على الأرض، تواصلت الضربات الدامية.
وقالت السلطات الأوكرانية إن قصفا روسيا أسفر عن مقتل مدنيين اثنين في قرية بمنطقة خاركيف (شمال شرق) الثلاثاء، فيما لقي أربعة آخرون على الأقل حتفهم في هجوم صاروخي على مدينة سومي (شمال شرق) خلّف أيضا 20 مصابا على الأقل.
وقال الرئيس الأوكراني في تصريح “هذا هجوم متعمد ضد المدنيين”، في إشارة إلى الغارة على سومي.
وتتعرض منطقة سومي الحدودية مع روسيا لضغوط متزايدة منذ أسابيع، حيث تقول موسكو إنها تريد إنشاء “منطقة عازلة” هناك لمنع التوغلات الأوكرانية.
وأعلن الجيش الروسي الثلاثاء السيطرة على بلدة جديدة في المنطقة. والأسبوع الماضي، حذّر زيلينسكي من أن موسكو تحشد أكثر من 50 ألف جندي قرب المنطقة استعدادا لهجوم محتمل.
في المقابل، يواصل الجيش الأوكراني تنفيذ عمليات هجومية. والثلاثاء، أعلنت أوكرانيا أنها فجّرت قنبلة تحت جسر القرم الذي يربط شبه الجزيرة بروسيا والذي أصبح هدفا منذ بدء الغزو في عام 2022.
وقال جهاز الأمن الأوكراني (إس بي يو) إنه “نفّذ عملية خاصة فريدة وضرب جسر القرم للمرة الثالثة – هذه المرة تحت الماء”، ونشر لقطات تظهر انفجارا من الماء وحطاما متطايرا، إلى جانب صورة لبعض الأضرار التي لحقت بجانب الجسر.
يأتي ذلك بعدما نفذت كييف الأحد هجوما منسقا بطائرات مسيّرة على مطارات عسكرية روسية في مناطق بعيدة مثل سيبيريا، ما أدى إلى إصابة 41 طائرة من بينها قاذفات استراتيجية.
وفي أعقاب هذا الهجوم غير المسبوق في نطاقه، لم تدل السلطات الروسية بأي تصريحات تقريبا.
وعندما سئل دميتري بيسكوف عن هذا الهجوم الثلاثاء، تجنب الرد على السؤال، داعيا ببساطة إلى انتظار “نتائج التحقيق” وأشار إلى البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية.
واتهمت روسيا الثلاثاء أوكرانيا بالوقوف خلف تفجيرات تسببت نهاية الأسبوع الفائت بانهيار جسرين وبحوادث قطارات، وأسفرت عن سبعة قتلى وأكثر من مئة جريح، بينهم أطفال.