علي وطفي: ضربة موجعة أولى بتوقيع بريطاني لذراع الناتو في نقطة الضعف الروسية

علي وطفي
اليوم الأول من حزيران ليلاً عندما بدأت الاخبار تظهر تباعا من وقوع جسر فوق خط سكة حديد عند مرور قطار يقل مسافرين في منطقة بريانسك خرج قطار عن مساره مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص بينهم أم لطفلين نجا الطفلان وإصابة 104 آخرين مع اقتراب الصباح ثم توالت المعلومات ايضاً عن تفجير جسر في منطقة كورسك وهذه المرة لم تقع إصابات إلى الخبر المفاجأة عبر موجة من الضربات على روسيا خلال النهار عن هجوم طائرات بدون طيار مطارات عسكرية في مقاطعتي إيركوتسك و مورمانسك في العمق و الشمال الروسيين حيث يتمركز عدد من القاذفات الاستراتيجية، المفاجأة ان الدرونات لم تنطلق من أوكرانيا ، بل هي طائرات “مافيك” تُطلق من عربات سيارة وشاحنات في اوفي توقيت واحد نُفذت ضربات مماثلة في مناطق /أمور وإيفانوفو وريازان/ لكنها فشلت في الوصول الى اهدافها وفقً التصريحات الرسمية وبلغت خسائر الطائرات في هذه العملية الدقيقة ( التي قدرها الاعلام الحربي الاوكرايني 40 طائرة أي ربع إجمالي الطيران الاستراتيجي للاتحاد الروسي) بينما مقاطع الفيديو تبين ان من خمس إلى ثمان طائرات تم إصابتها ، و اليوم وفقًا لمصادر الاستخبارات الأمريكية من بين الطائرات الروسية الثماني التي تضررت في الأول من يونيو، لطائرة واحدة فقط من طراز TU-95 MS لا إصلاحها أما البقية يمكن ذلك.
هجوم مُخطط ومُعد ومُنفّذ بدقة ومتعدد الجوانب أظهر للراي العام الروسي والعالمي نقاط ضعف النظام الامني والإستخباراتي في حماية المواقع العسكرية الاستراتيجية في عمق الاراضي الروسية، الهجمات بالتوقيت حصلت في الأول من حزيران اي قبيل جولة المفاوضات الثانية المقرر عقدها في اسطنبول اي اليوم التالي للهجوم ، ربما القصد إحراج الكرملين بعدم الحضور و غلق ملف المفاوضات كما ترغب المانيا و فرنسا و الاهم بريطانيا.
ثم مساء الأول حزيران كانت المفاجأة التي اتت من وزير خارجية امريكا (ترامب) ماركو روبيو بتقديم تعازيه في محادثة مع نظريه سيرغي لافروف ، ربما جاء هذا الاتصال خطوة من واشنطن تأكيدا لعدم تورطها و العكس يصح في ما حصل ، رغم المعلومات التي نشرتها “صحيفة أكسيوس” بعد وقت قصير من الهجوم على المطارات و التي اكدت ان كييف أخبرت الأمريكيين بالعملية مسبقًا، لكن دحضها الأمريكيون أنفسهم بسرعة و قطعيا ، هذا في السباسة…!!
اما هجمات الطائرات المسيرة على المطارات العسكرية أُطلقت الطائرات الرباعية المروحيات من منصات خاصة مُثبتة في مؤخرة شاحنات و طريقة وصول الطائرات إلى روسيا مثيرة للاهتمام أيضًا، حيث جميع مكوناتها استُوردت بشكل قانوني ثم تم تجميعها في مكان ما في مقاطعة ” تشيليابينسك’ و انه تم الاتصال بمشغلي الطائرات المسيرة عبر شبكة الجوال إيذانا ببدء العملية ، لكن البيانات الصحفية الصادرة من كييف لاحقًا ذكرت أن الطائرات المسيرة كانت تُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي و أن منفذي الهجوم غادروا روسيا منذ فترة طويلة و تم التحضير للعملية مدة عام و نصف أشرف عليها زيلينسكي شخصيًا و كانت النتيجة مقاطع فيديو عديدة لقذائف تستهدف طائرات مغطاة بالإطارات ، كما أثار مقطع فيديو في منطقة إيركوتسك، يظهر فيه رجال يطلقون النار على طائرات بدون طيار تطير من شاحنة ضجة في البداية و تم توزيع الفيديو على قنوات معادية لروسيا تسخر من هكذا ردة فعل السكان المحليين و لكن في وقت لاحق، عندما أصبح من الواضح أن الضرر كان أقل بكثير من المتوقع بفضل هذه الجهود البسيطة و لكن الفعالة.
إن هدف العملية هو في اللعبة الدبلوماسية و العسكر ، ربما لإبعاد الولايات المتحدة عن معادلة الأزمة الأوكرانية ، و يرى المحللون العسكريون هذه العملية بإدارة بريطانية مدعومة من فرنسا والمانيا حيث مواقفهم الواضحة في استمرار دعم الحرب على روسيا بموازاة تعدد الاجنحة و مواقع النفوذ داخل الولايات المتحدة التي ليست كيانًا سياسيا متجانسا و ليس الرئيس دونالد ترامب الامر الناهي فيه ، بل هو يتخرك ما بين مجموعات ضاغطة مؤثرة على قادة البلاد و تتكون من مستشارين و وزراء و رؤساء شركات مالية واقتصادية : منها “مجموعة روبيو” وزير الخارجية التي تعمل على استمرار سياسة جو بايدن المتمثلة في تباطؤ تسليم الأسلحة لكييف و الضغط الحذر و الحفاظ على الوضع الراهن و مجموعة ثانية معروفة ب “مجموعة تشيني”، مع أن نائب الرئيس في عهد جورج دبليو بوش لا يحمل سوى توجهات حزبية لا تتماشى مع اللحظة التاريخية الحالية مجموعة تعمل على التصعيد الى درجة ما صرح به عقيد بريطاني خلال اجتماع استشاري في أوديسا لتسليم كييف أسلحة نووية تكتيكية اما المجموعة الثالثة و هي “مجموعة فانس” نائب الرئيس الحالي و تعمل على السلام بين البلدين للتفرغ و تركيز الموارد في مجالات مهمة و محددة استعدادا للمعركة مع الصين و كل مجموعة لها أصدقاء في المجمع الصناعي العسكري أو قطاع البناء و الطاقة و شركات تصنيع الطائرات و هو ما يجعل السياسة الأمريكية متعددة الأوجه و المسارات.
جاء ضبط النفس الروسي من قبل الرئيس بوتين على كل ما جرى و بدون ردود فعل سريعة، فلا انتقام مباشر بإشعال المدن الاوكرانية بصواريخ كاليبر او أوربشكين ، حيث الدبلوماسية الروسية في الأشهر الأربعة الماضية كانت تندرج ضمن السياق الأوسع لصورة موسكو كدولة بالغة الاهمية التي تتمسّك بمواقفها و الوفاء بوعودها و ليس سبب هذا السلوك ضعفا او محاولةً لاستمالة او الخوف من رجل واشنطن المُتقلب (ترامب) و لا يستهدف عمل الدبلوماسية الروسية الرد على المحرضين في واشنطن أو موجات الهوس التي اصابت و تُصيب الساسة الأوروبيين.
ما حدث دليلاً على أن كل تصريح من التصريحات الأساسية من الرئيس فلاديمير بوتين تحديدًا و دبلوماسية موسكو ينعكس على الواقع ، فالأوكرانيون الذين هاجموا الطيران الاستراتيجي الروسي غير قادرين و لا يريدون التفاوض و بالتالي لم يتركوا لروسيا خيارًا سوى انتزاع المزيد و المزيد من الأراضي الاوكرانية ، من جهة اخرى العملية تُظهر إما فقدان واشنطن السيطرة الكاملة على كييف، أو ان ماجرى عمل منسق للضغط على الكرملين قليل جولة المفاوضات الثانية للتنازل ، و يمكن الإستنتاج انه من العبث التفاوض مع النظام في كييف او الضغط على موسكو او منع وقف إطلاق النار تمهيدا لنهاية الصراع ، و لكن بتشبيه الهجوم على المطارات على انه “بيرل هاربور روسي” من قبل الصحافة العالمية المعادية لروسيا الناطقة باللغة الروسية و غيرها التي ايضا وصفت الهجوم الواسع الذي شنته بالشكل المخابرات الأوكرانية على روسيا ذو طابع استراتيجي، فهو يستهدف الثالوث النووي الروسي الذي يضمن وجود الدولة الروسية و اعتبرت هذا الهجوم، في التخطيط و إتقان تنفيذه، يفوق انفجار خط أنابيب غاز ” نورد ستريم2 “، الذي حرم روسيا و أوروبا من سوق ضخم و أجبرها على تحويل صادراتها من الغاز من الغرب إلى الشرق.
مما لا شك فيه هذا العمل ليس من مصلحة أوكرانيا التي سوف تتلقى الرد ، بل تم من أجل مصلحة حلف الناتو الذي لن يرسل قاذفات قنابل نووية مباشرة او إلى كييف أو خاركوف لضرب المنشآت و القواعد الاستراتيجية في روسيا ، لذلك يعتقد ان من دبر هذا العمل هم عسكريون بريطانيون بموافقة و دعم تقني أمريكي و أوروبي و قد يكون ترامب على علم به.
تم التخطيط للعملية سرًا و التدرب عليها لأشهر عدة في مناطق أوكرانية مغلقة بإشراف خبراء من الناتو و شاركت في تنفيذها أجهزته الاستخباراتية الفضائية بما فيها الأمريكية ، من ناحية ٱخرى هو هجوم إعلامي بستهدف تفويض تماسك المجتمع الروسي و الدولة و فقدان الثقة بسلامة الردع النووي الروسي ، فهذه العملية الدقيقة تشبه براي محللين امنيبن روس العملية التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية ضد حزب الله حيث قضت على قادته بأجهزة لاسلكي مفخخة من مراكز أجهزة الاستخبارات العالمية و يديرها ضباط من الطراز الرفيع و اعتقد الرد سيتناسب طردا و لن يتاخر كثيراً ، عملياً اوكراينا تتلقى العصي و أورربا تحصيها.
كاتب سوري