فاتحة الفتنان: قراءة في رواية ( أبراج من ورق) لسعيد رضواني

فاتحة الفتنان: قراءة في رواية ( أبراج من ورق) لسعيد رضواني

 

 

فاتحة الفتنان

مذهلة هي رواية “ابراج من ورق” ،،،وانت تغوص في عمقها تتجول بين السطور ،تحلل االمعنى من كلمات تقف على أحداث ومراحل صنعت أبراجا من اسمنت في الذاكرة.

وأنت تجوب بين الماضي والحاضر، بين الواقع واللاواقع يتفتت عندك ذاك المعنى المتراكم في صدر البراءة من قاتل ابيه المجهول وضع طلاسم محبوكة على فوهة العقل، ليظل الابن يطارد خيط الدخان المتأجح من تحت الرماد.

غائرة تلك الجراح المفتوحة بطعنة الغدر التي بقرت بطن الوالد مسببة حيرة للابن ممزوجة بالحنين إلى الأم الراحلة وما خلفه هذا الرحيل من ثوق يترنح في صدره ويسري بين شغاف القلب والنبض، ومختلطة بروح الزم قبل رحيله الصمت حتى لا يتأذى من خاف على أذيته، فيصبح الابن مقتولا بخنجر الخوف المرعب والضعف محاصرا بين دائرة الموت التي نصبها لنفسه من حزن وحنين،طارده مند طفولته، حرمه لذة ونعم الحياة بأريحية وامان.

الروائي سعيد رضواني في روايته “ابراج من ورق”

جعلنا نهيم معه في متاهات القلعة المرسومة على خريطة السانية، نتابع تفاصيل الطفل في داخله الذي تتملكه هواجس الكتابة والسرد، وكيف تمكن من فك شفرة طلاسم الحروف الغامضة المحفورة على جنبات السانية.

نقرأ معه رواية والده الذي ترك الكرة تحت قدميه ورحل، مخلفات وراءه غرز الغموض والحيرة والقلق والخوف المرعب في داخله وفي ذاكرته، عندما علم أن اباه لم يمت منتحرا بل بفعل فاعل تزعزعت راحته وامانه وقر عزمه وهو في الأربعين سنة أن ينتقم لمقتل والده فتأبط رواية والده وتسلح بصورة والدته التي لا تفارق خياله ، من خلال ملامحها التي حكى له والده عنها، وكلما اكله الشوق وانتفضت دوالخه بالحنين ياخده التخيل الى طيفها، فتتنهد روحه ويسري الدفء في جسده وليكمل ما تبقى من مسافة إلى هدفه.

الكاتب سعيد رضواني وضع بين ايدينا هذا الرواية وفق هندسة متناظرة الفصول بما فيها من تماثل وتباين وتقابل، وهو ياخدنا معه الى مكان الاحداث (ضيعة جده بهتشكوكة)

مكان مصرع والده وقبر أمه الافتراضي، هناك تعلق قلب وذاكرة الكاتب الطفل حاملا وزر الانتقام لقاتل والده الذي يحمل نذوب فقده الموشومة في عمق النفس، وإعادة الاعتبار لرواية والده التي طمس معالمها القاتل مشدودا بقوة إلى العالم التخيلي والواقعي.

هذه النوبة من الحزن تحولت لديه الى شرود لمع في ذهنه باشراقة إبداعية، هذه السلسلة المتوارثة من الجد الى الابن حيت زاد هوسها عند الحفيد،

يسرد الكاتب سعيد رضواني تفاصيل حياتها في روايته هاذفا إلى جعلها سرمدية لا تمحى من على وجه الارض، وجاعلا من الرباط الأسروي عبر الرباط السردي أقوى من أن يمحي من على صفحات كتاب، وبمهارة جعل أحداثها تتجلى في واقع الذاكرة الملفوفة بالتخيل لتخلد في الواقع على هيئة ابراج من ورق

وإذا اردنا الإبحار في هذه الرواية يلزمنا صفحات وصفحات لان فيها من التشويق ما يجعل القارئ يتعمق كثيرا وينجذب أكثر إلى فك طلاسم المتاهة في قلعة الحروف.

ولنصل إلى نهاية التفاصيل التي أتعبت الابن وزجت به في بؤرة الخوف والقلق المرعب الذي طارده منذ طفولته، وجعله محروما من الدفء والأمان ومنطويا على هواجسه ووساوسه وفاقدا الثقة في كل من هم حوله، ومقيدا داخل مصير حياته.

وفي الأخير تحرر من حمله الثقيل عندما استدرج السفاح إلى مصيره وزج به وراء القضبان واضعا نهاية لمصير هذا القاتل ونهاية لأحداث روايته “ابراج من ورق”.الفائزة بجائزة اسماء صديق المطوع الإماراتية عن جذارة واستحقاق.

رواية “أبراج من ورق” الفائزة بجلئزة صديق المطوع الإماراتية رواية مشوقة تتضمن قلعة الجد ورواية الابن ورواية الحفيد وسيناريو فيلم سينمائي لقاتل والده.

كل الامتنان للكاتب الروائي والقاص سعيد رضواني الذي امتعنا بسرده المذهل وجعلنا نعيش أحداثا مشوقة بكل تفاصيلها.

مسيرة موفقة لسرد آخر برواية أعمق يعلو صداها الأنجم.

… فاتحةالفتنان