العالم يرتقب اجتماعا “تاريخيا” بين طهران وواشنطن في مسقط

عبد الجبار أبوراس / الأناضول
تتجه الأنظار، السبت، إلى الاجتماع “التاريخي” الذي تستضيفه العاصمة العمانية مسقط بين الولايات المتحدة وإيران، لحلحلة أزمة برنامج طهران النووي، والذي من المتوقع أن يلقي بظلاله على التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
ويأتي الاجتماع بينهما تشهد المنطقة والعالم توترات متصاعدة على وقع حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضد قطاع غزة، وارتداداتها على المنطقة، من الضفة الغربية ولبنان وسوريا إلى اليمن ومنطقة البحر الأحمر، فضلا عن انهيارات في الأسواق العالمية بسبب “حرب” ترامب التجارية على دول العالم وعلى رأسهم الصين وبلدان آسيوية.
وعشية الاجتماع، حذر البيت الأبيض من “خيارات أمريكية باهظة الثمن” في حال فشل التوصل إلى صفقة جديدة، مؤكدا أن الرئيس دونالد ترامب يرغب في حل المسألة النووية مع إيران من خلال محادثات مباشرة. فيما قال مصدر أمريكي مطلع إن ترامب مستعد لتقديم تنازلات.
في المقابل، تستبعد إيران إمكانية التوصل إلى اتفاق ما لم يتخل الجانب الأمريكي عن التهديد والترهيب، مؤكدة بالوقت ذاته أنها “تؤمن بالحوار والتفاعل المبني على الاحترام المتبادل” باعتبارهما “الاستراتيجيتين الأكثر أهمية لحل القضايا الإقليمية”.
والاثنين الماضي، أعلن ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب اجتماعهما بالبيت الأبيض، انطلاق “مفاوضات مباشرة” مع إيران السبت.
ولاحقا، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن سلطنة عمان ستستضيف “محادثات غبر مباشرة” بين طهران وواشنطن السبت.
وستكون هذه المحادثات الأعلى مستوى بهذا الشأن منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018 خلال ولايته الأولى.
وصباح اليوم، وصل عراقجي على رأس وفد سياسي إلى مسقط لإجراء محادثات غير مباشرة مع المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”.
** تحذير أمريكي
متحدثة البيت الأبيض كارولين ليفيت، صرحت مساء الجمعة أن الرئيس ترامب يرغب في حل المسألة النووية مع إيران من خلال محادثات مباشرة.
وحذرت، في مؤتمر صحفي، من وجود خيارات أمريكية ستكون “باهظة الثمن” لطهران في حال رفضها.
وقالت: “إما أن تقبلوا (إيران) مطالب الرئيس ترامب، أو سيكون لذلك ثمن باهظ”.
بدوره، قال ترامب على متن الطائرة الرئاسية في طريقه إلى فلوريدا مساء الجمعة: “أريد ألا يمتلكوا سلاحًا نوويًا. أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة، لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي”.
والأربعاء، هدد ترامب إيران قائلا: “إذا تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً، فسنستخدمه”.
وأضاف: “من الواضح أن إسرائيل ستشارك بقوة في ذلك. ستكون هي القائدة في هذا الأمر”، وفق ما نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعطى الرئيس ترامب الإيرانيين مهلة شهرين للتوصل إلى صفقة بشأن برنامجهم النووي.
وقال في رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، إن “لدى إيران مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق” نووي جديد، بحسب ما أفاد مصدر مطلع على محتوى الرسالة لشبكة “سي إن إن”.
وأواخر الشهر نفسه، هدد ترامب إيران بالقصف وفرض رسوم جمركية ثانوية عليها إذا لم تتوصل طهران إلى اتفاق مع واشنطن بشأن برنامجها النووي.
فيما توعد المرشد الإيراني علي خامنئي برد قوي على تهديدات الولايات المتحدة وإسرائيل بمهاجمة إيران.
وقال خلال خطبة صلاة عيد الفطر بطهران في 31 مارس الماضي، إن “واشنطن والكيان الصهيوني يهددان بمهاجمة إيران لكنهما سيتلقيان ردا قويا”.
** إيران ترفض التهديد
أكدت إيران في أكثر من مناسبه رفضها سياسة التهديد التي ينتهجها الجانب الأمريكي، وعليه رفضت إجراء محادثات مباشرة معه بسبب الرسائل التهديدية لترامب.
وأمس، قال مجيد تخت روانجي مساعد وزير الخارجية الإيراني، إن هناك إمكانية جيدة للتوصل إلى اتفاق إذا لم يطرح الجانب الأمريكي مطالب وقضايا غير ذات صلة، وإذا تخلى عن التهديد والترهيب.
وأكد في تصريحات نقلتها وكالة أنباء “إرنا” أن بلاده “تؤمن بالحوار والتفاعل المبني على الاحترام المتبادل، وترفض أي شكل من أشكال الترهيب أو الإكراه”، لافتا إلى “سياسة إيران المبدئية في إقامة أفضل العلاقات مع جيرانها”.
وأكد أن الحوار والتفاعل هما الاستراتيجيتان الأكثر أهمية لحل القضايا الإقليمية.
وعلى عتبة المفاوضات، كتب وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي: “إذا بدأت أمريكا حربا مع إيران، فلن تتمكن من قيادتها أو إنهائها فحسب، بل إنها ستواجه عواقب مروعة ومثيرة للتوتر ومزعزعة للاستقرار في المنطقة والعالم أجمع، وتمتد إلى أوكرانيا وتايوان”.
واضاف صالحي، وهو الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية ورئيس مؤسسة الدراسات الإيرانية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “يجب على أمريكا أن تعلم أن التفاوض دائما أفضل من الحرب، وخاصة اليوم”، وفق ما نقلت “إرنا”.
** إصرار إيراني على تفاوض غير مباشر
وسبق لوزير الخارجية الإيراني إعلان أن المحادثات ستعقد في سلطنة عمان، السبت، موضحا أن هذه المفاوضات ستتم بشكل غير مباشر، ولن يتم القبول بأي طريقة أخرى للتفاوض.
ووفق عراقجي، فإن “الكرة أصبحت الآن في ملعب أمريكا، وإذا جاؤوا إلى عُمان بإرادة حقيقية فسيتم تحقيق نتائج”.
وأشار إلى أنه سيمثل بلاده في هذه المفاوضات بينما سيمثل الولايات المتحدة ستيف ويتكوف.
ويعود إصرار طهران على عقد مفاوضات غير مباشرة، إلى الشهر الماضي، حينما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده رفضت عقد مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة ردا على رسالة من ترامب بشأن البرنامج النووي.
ورغم حديث واشنطن عن محادثات مباشرة، نقل موقع إكسيوس الأمريكي عن مصدر مطلع، مساء أمس، أن الجولة الأولى من المحادثات ستبدأ بشكل غير مباشر، مشيرا إلى أنه إذا كانت الجلسة الافتتاحية إيجابية فيرجح أن تتحول إلى محادثات مباشرة.
كما نقل أكسيوس عن مسؤول أمريكي لم يسمه، أن ترامب مستعد لتقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، لكن السؤال الرئيسي هو: “هل لدى الإيرانيين إرادة سياسية لإجراء نقاش جاد حتى لا نلجأ إلى بديل آخر؟”، على حد قوله.
جدير بالذكر أن العلاقة بين طهران وترامب تتسم بالتوتر وعدم الثقة، بعد انسحاب الأخير من جانب واحد في ولايته الأولى (2017 ـ 2021) من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الموقع عام 2015، وعودته لممارسة سياسة “الضغط الأقصى” عليها في محاولة لعزلها دبلوماسيا واقتصاديا.