محمد عبد حسن: “ديالاس وقدم التوت” للكاتب مقداد مسعود

محمد عبد حسن: “ديالاس وقدم التوت” للكاتب مقداد مسعود

محمد عبد حسن

(1):
ضمن منشورات نادي الفلسلفة للدراسات والترجمة والنشر صدر للشاعر والناقد مقداد مسعود كتاب بعنوان: (ديالاس وشجرة التوت.. شاكر نوري)(1). وعبر (136) صفحة من القطع المتوسط، هي عدد صفحات الكتاب، يقدّم لنا الأستاذ مسعود سياحته، أو قراءاته المنتجة.. كما يُسميها، في (10) أعمال روائية للروائي العراقي المغترب شاكر نوري. وهو حين يخبرنا في (ما يشبه المقدمة) ص9 أنّ مقالته الأولى كانت عن رواية (نافذة العنكبوت)(2)، وهي الرواية السادسة للكاتب في تسلسل صدور روايته، وليس عن أيّ عمل روائي آخر صدر للروائي قبل هذا التاريخ؛ إنّما يضع قارئه أمام جهد نقدي معنيّ بثيمة هذه الأعمال بالدرجة الأساس. ربما تكون هذه حالة خاصة بالقراءات المنتجة للأستاذ مقداد عن الروائي شاكر نوري؛ فهو يراه “كأنه يكتب رواية واحدة، وفي كل رواية يغيّر زاوية المنظور؛ فيزداد الفضاء اتساعًا وشمولًا وأسىً عراقيًّا” ص11. ومن المهم هنا الإشارة إلى أنّ المتتبع لكتابات الأستاذ مقداد مسعود عن الرواية عمومًا يعلم مدى عنايته بالسرد: تعدده وتنوعه وفنونه وانتقالاته داخل المتن السردي، بل وربما الوحدة السردية.. مكتفيًا، في كتابه هذا، بتثبيت ذلك إجمالًا في (وجيزالنزهة)، ص129 وما بعدها، متحدثًا عن المغلق والمفتوح والإنشطار السردي في الفضاء الروائي لدى شاكر نوري في الروايات محل القراءة.
(2):
وسط جدل طالما أثير حول أحقيّة تناول النصوص الإبداعية.. وفيما إذا كان الحق منحصرًا بحاملي الشهادات الأكاديمية باعتبارهم أكثر دراية، حسب زعمهم، بالمدارس والاتجاهات النقدية.. أم أنّ ذلك متاح أيضًا للمشتغلين بالحقل الثقافي ممّن يستطيعون معالجة النصوص الإبداعية بما تراكم لديهم من أدوات معرفية وذهن وقّاد يستطيع النفاذ إلى خبايا النصوص. وحسبنا من هذه الفئة الأخيرة أسماء لمعتْ في سماء النقد كالراحل عبد الجبار عباس وياسين النصيّر وفاضل ثامر وآخرين، بل وحتى الدكتور حاتم الصكر قبل حصوله على لقبه الأكاديمي.
هذه الطروحات التي طالما نزتْ إلى الساحة النقدية العراقية ليست بعيدة عن اهتمام الأستاذ مقداد مسعود الذي تناول، بقراءاته المنتجة، الكثير من الأعمال الإبداعية عراقيًّا وعربيًّا. وهو، في كتابه هذا، يطرح رؤيته في هذا الشأن مفترضًا وجود السؤال في ذهن المتلقي: “قراءتي للروايات لا تتعكّز على منهج نقدي.أحيانًا تقترض من كتابات نقدية عند الضرورة القصوى” ص9. وهو، في طرحه هذا، يميّز بين قارئين: “قارئ يقرأ الرواية أو يتأمل لوحة هو كمن ينظر إلى الشيء، وهناك قارئ ينظر في الرواية واللوحة. الفرق بينهما هو الفرق بين (إلى الأشياء) و(في الأشياء). هو قارئ ينظر (إلى الأشياء) يلتقط ظاهر الشيء ويكتفي.. بقراءة مترهلة للرواية.. نظرة متفرجة على اللوحة. لا تستوقفه الشخوص ولا الأحداث إلا بشكل عابر. أما ذلك القارئ (في الأشياء) فهو يختار وقتا ملائما للقراءة ليغوص في طبقات الرواية ويصغي لحوارات الشخوص ويتماهى مع الحدث الروائي” ص9-10. فهو يرى أنّ “كافة النظريات رمادية اللون فهي تضطهد الإبداع وتسقّط عليه مناهجها. بالطريقة هذه تكون لدينا كثيرًا من الأقفاص المنهجية ويكون الناقد صيادًا مهمته غواية طيور النصوص وزجها في هذه الأقفاص” ص10.
(3):
يتموضع الإهداء، وهو هنا غير إهداء نسخ الكتاب من قبل الكاتب، بصفته عتبة نصية، بين عتبتي العنوان والتقديم، إن وجد، وقد أسمى المؤلف التقديم هنا: “ما لايشبه المقدمة” ص9. والإهداء عتبة نصيّة لا تخلو من قصدية في حال مفارقته لعباراته التقليدية كتقديم الشكر والتقدير لأسماء بعينها أو مؤسسات وجهات ساعدت المؤلف على إنجاز العمل وظهوره. وفي هذه الحالة يكون الإهداء هو المفصل الأكثر صعوبة الذي يقف عنده المؤلف؛ حين يريد إيجاز كل العلائق التي تربط العنوان بالمتن.. أو المؤلف بمادته، أو بالآخر الموجه إليه الكتاب.. خصوصا وأنّه يريد إيجاز كلّ ذلك بعبارات محدودة.
في كتابه هذا.. يدوّن الأستاذ مقداد مسعود إهداءه كما يلي:
“هو يعرفُ منزلتهُ وثوابهُ
لكنني زدتهُ رهقًا وما أزال
إلى مقداد مسعود
كتابي هذا..” ص7
فمن بين أنواع الإهداء التي يذكرها الدكتور مصطفى أحمد قنبر(3).. يختار الأستاذ مقداد مسعود (الإهداء الذاتي).. “وهو أن يهدي الكاتب لذاته الكاتبة، ويتميز بأنه من أصدق الإهداءات، كونه أهداء حميميا وخاصا ونادر الوجود. ومن أظهر ذلك ما قام به (جويس) في أول أعماله…….، إذ صدّره بقوله (إلى خالص روحي أهدي أول أعمال حياتي)”(4).
يحدد جيرار جينيت وظفيتين للإهداء: هما الوظيفة الدلالية والوظيفة التداولية. “فالوظيفة الدلالية، هي الباحثة في دلالة هذا الإهداء وما يحمله من معنى للمهدى إليه، والعلاقات التي سينسجها من خلاله. أما الوظيفة التداولية، وهي وظيفة مهمة لأنها تنشط الحركية التواصلية بين الكاتب وجمهوره الخاص والعام، محققة قيمتها الإجتماعية وقصديتها النفعية في تفاعل كل من المهدى والمهدى إليه”(5).
وإذا كان الأمر كذلك.. فأي رسالة يريد  الأستاذ مقداد مسعود إرسالها عبر إهدائه هذا؟ وإلى مَنْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

: مقداد مسعود: ديالاس وشجرة التوت.. شاكر نوري/ ط1- آذار – رمضان 2025-1446 / منشورات نادي الفلسفة للدراسات والترجمة والنشر/ العراق- البصرة.

: صدرت الطبعة الأولى لهذه الرواية سنة 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

: الدكتور مصطفى أحمد قنبر: الإهداء- دراسة في خطاب العتبات النصية/ ط1- 2020/ المركز الدميقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية/ برلين – ألمانيا/ ص32-33.

: المصدر السابق ص33.

: عبد الحق بلعابد: عتبات (ج.جينيت من النص إلى المناص)/ تقديم: د.سعيد يقطين/ ط1-1429هـ-2008م / منشورات الإختلاف – الدار العربية للعلوم ناشرون – ص99.

كاتب من العراق