التجربة الفلسطينية في الأردن: حقوق غير مكتملة أم شاملة؟

د. م. عبد الفتاح طوقان
لابد من توضيح وبيان قضية مهمة للغاية ودقيقة فيما يتعلق بالتجربة التاريخية للفلسطينيين في الأردن وعلاقتهم الدائمة بوطن أجدادهم، واستمرارية بقاؤهم في الأردن البلد المضيف حيث وصلوا الي الجيل الخامس علي الأرض الأردنية، ، حتى ان وصلوا الي الجيل العاشر بعد المئه فالأردن هي للاردنيين وهم ضيوفا ووطنهم فلسطين التاريخية وهو ما يجب ان يدرسوه و يزرعوه في أبنائهم و احفادهم.
وهو ما يعكس سردا طويل الأمد للنزوح، مع التأكيد على المظالم التي شكلت التجربة الفلسطينية منذ عام ١٩٤٨ عندما حدثت موجات متتالية من الهجرة والنزوح ومن ثم حاليا التهجير المنتظر بسبب إنشاء الدولة الإسرائيلية على أراضي كانت فلسطينية تاريخيا و تريد الصهيونية حل القضية الفلسطينية علي التراب الأردني مؤكده انه لا حل في قيام دولة او دولتين، و ان حل الدولتين ما هو الا سراب في صحراء السياسة المستغفلة.
ينظر الأردن تقليديا إلى الفلسطينيين كضيوف محترمين، على أمل أن يعودوا يوما ما إلى وطنهم كأفراد شرف ومنتصرين بمجرد استيفاء شروط التحرير. على مر السنين، دعم الأردن باستمرار القضية الفلسطينية ومنح العديد من الفلسطينيين الجنسية الأردنية، في تناقض صارخ مع البلدان الأخرى التي لم تقدم لهم سوى وثائق السفر. وقد اكد لي صديق تولى منصبا وزاريا و كان رئيس للجنة اللاجئين في المفاوضات اثناء معاهده وادي عربه ان موضوع الجنسية الأردنية الممنوحة للفلسطينين سيعاد النظر فيها عند حل القضية الفلسطينية و ستسحب منهم ليحملوا جنسية وطنهم المحرر “فلسطين”، و كان ذلك الرجل هو المرحوم مروان دودين.
ومع ذلك، على مدار أكثر من خمسة أجيال، بدأ بعض أفراد المجتمع الفلسطيني ينظرون إلى الأردن على أنه وطنهم، مما يشكل خطرا كبيرا على هويتهم وحقوقهم في وطنهم الأم الأصل والأساسي، فالأردن ليس وطنهم و لن يكون من منطلق ان فلسطين هي روحهم وحياتهم ومبتغاهم ووطنهم الحقيقي، و أي مطالبة بحقوق في الأردن ما هو الا خيانة لفلسطين ، و ذلك لا يحتاج الي تفسير و لا يعتبر فتنة و لا انتقاص من قدر الأردني من اصل فلسطيني.
يمكن أن يؤدي سوء الفهم هذا ، و التصريح بأنهم شعبا واحداً لا شعبين ، إلى عواقب ضارة لكل من الفلسطينيين والأردنيين على حد سواء. ومن الأهمية بمكان أن يظل الفلسطينيون صامدين في علاقتهم بتراثهم وأرضهم وحقهم الأساسي في العودة إلى وطنهم. يجب ألا يخلطوا بين الأردن المضيف ووطنهم المغتصب، لأن القيام بذلك يمكن أن يمهد الطريق عن غير قصد لفكرة الوطن البديل على حساب الأردن، مما يقوض بشكل فعال مطالباتهم بأراضيهم الشرعية و بالتالي تسقط فلسطين.
علاوة على ذلك، فإن الخطاب الذي يشير إلى هوية جامعة وفريدة لكل من الفلسطينيين والأردنيين يهدد بتآكل تميز القضية الفلسطينية ويساعد أولئك الذين يرغبون في التقليل من الوجود الفلسطيني على أرض أجدادهم. ولا يقصد بهذا المنظور التحريض على الانقسام أو الخلاف، بل يهدف إلى إعادة تأكيد وحماية حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف في استعادة تراثهم وأراضيهم.
من خلال تعزيز التمسك بالهوية الفلسطينية والحق في العودة، فإننا نساهم في فهم أوسع للتعقيدات المحيطة بهذه القضية. من الضروري الانخراط في مناقشات تكرم هذه التجارب التاريخية وتسعى إلى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني مع الاعتراف بالحقائق المعقدة للهويات والتاريخ الإقليمي، و اقصد فلسطين للفلسطينيين و الأردن للأردنيين.
التعمق في أي جوانب محددة من هذا الموضوع، بلا تردد بطرح مشاركة أفكار بعيده عن العديد من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول تاريخ الشعب الفلسطيني التي غالبا ما تنشأ في المناقشات حول هويته وتجاربه و الهوية الأردنية التي يحاول البعض طمسها و الغائها تحت عمليات التجنيس الذي يجب ان يكون مؤقتا و بشروط و حدود ولفترة متلازمة بحل القضية الفلسطينية. وفيما يلي بعض الأشياء البارزة:
أولا: تجانس الهوية: يفترض البعض من الناس أن جميع الفلسطينيين يشتركون في هوية وتجربة موحدة بغطاء اردني. في الواقع، السكان الفلسطينيون فلسطينيون و ليس اردنيون و لا يجب ان يصبحوا اردنيون فهم متنوعون، ويضمون هويات دينية وثقافية وإقليمية مختلفة، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين والدروز، بالإضافة إلى اللهجات والتقاليد المختلفة، و جزء من صمودهم و حماية فلسطين يجب ان تكون ضمن الحفاظ علي هويتهم الفلسطينية و ليس الجنسية و الهوية الاردنية.
ثانيا :المطالبات التاريخية: تشير بعض الروايات إلى أن أرض فلسطين كانت غير مأهولة بالسكان أو قليلة السكان قبل القرن العشرين. في الحقيقة، تتمتع فلسطين بتاريخ طويل من السكن المستمر من قبل مختلف الشعوب، بما في ذلك الفلسطينيين واليهود وغيرهم لآلاف السنين، مما يساهم في نسيجها الثقافي الغني.
ثالثا : دور الدول العربية: الاعتقاد الخاطئ الشائع هو أن الدول العربية تدعم الفلسطينيين باستمرار. في حين كان هناك تضامن بأشكال مختلفة أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لكن بالتامر عليه و رحيله عن المسرح السياسي اتبعت العديد من البلدان العربية أيضا أجنداتها السياسية الخاصة، التي أعطت الأولوية في بعض الأحيان للمصالح الوطنية من وجهة نظرها باعتماد إسرائيل هي الشقيقه وهي المعين و المنقذ و الحليف على حساب أولوية القضية الفلسطينية و حساسيتها.
رابعا : حق العودة: هناك اعتقاد بأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو مطلب لجميع الفلسطينيين بالعودة إلى منازل محددة مهجورة في عام ١٩٤٨ ومع ذلك، فإنه يشمل حقا أوسع نطاقا للاجئين وأحفادهم و احفاد احفادهم في العودة إلى وطنهم، وهو جانب أساسي من جوانب القانون الدولي، بينما يسعى بعض من الانتهازيين الي الادعاء بحقوق منقوصة والمناداه بحق التعويض بدلا من حق العودة.
خامسا : القيادة الفلسطينية: يؤكد البعض أن القيادة الفلسطينية فشلت باستمرار في الدفاع بفعالية عن شعبها، و انها ارتمت في أحضان إسرائيل و تنازلت في اوسلوا و ما بعدها عن الحقوق و الوطن السليب. واضيف هنا على الرغم من وجود حالات لسوء الإدارة السياسية، فمن الضروري الاعتراف بأن بعض من القادة الفلسطينيين يعملون في سياق جيوسياسي شديد التعقيد وصعب.
سادسا :النكبة لعام ١٩٤٨: غالبا ما تكون أحداث عام ١٩٤٨ مفرطة في التبسيط باعتبارها مجرد حرب أو صراع. وقد تضمنت هذه الفترة، المعروفة باسم النكبة (الكارثة)، تشريد الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم بشكل منهجي، مع آثار طويلة الأمد لا تزال تؤثر على هويتهم وحقوقهم اليوم. و اقصد هنا حقوقهم في وطنهم السليب و ليس في الأردن البلد المضيف.
سابعا : جهود السلام : هناك اعتقاد خاطئ بأن الفلسطينيين رفضوا باستمرار عروض السلام. في الواقع، شاركت مختلف الفصائل الفلسطينية في المفاوضات، ولكن هذه لم تكن مفاوضات بلا إملاءات و الاستلام و كانت الجهود غالبا ما تقوضها قضايا مثل التوسع الاستيطاني، وانعدام السيادة، والسياق الأوسع للاحتلال وبلا شك ظلال الخيانة والارتماء من قبل البعض في عبائه الصهيونية كانت ظاهره ملحوظة.
ثامنا : بساطة الصراع: ينظر الكثيرون إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه صراع ثنائي بين مجموعتين خصوصا بعد السابع من اكتوبر. ومع ذلك، يتأثر الوضع بالتعقيدات التاريخية والثقافية والدينية والسياسية التي لا يمكن اختزالها إلى روايات بسيطة.
من خلال معالجة هذه المفاهيم الخاطئة، يمكن تعزيز فهم أكثر دقة لتاريخ الشعب الفلسطيني ونضالاته المستمرة التي يجب ان تستمر و لا تتوقف، وان يتم التأكيد علي الهوية الفلسطينية والهوية الأردنية، هويتان مستقلتان عن بعضهما ، حيث لا يجوز الجمع ولايجوز التغول علي الهوية الأردنية تحت أي مسمى، و هذا يمهد الطريق لمناقشات أكثر استنارة وتعاطفا و يؤكد دون انحياز ان فلسطين هي فلسطين و الأردن هي الاردن.