راجي سلطان الزهيري: العراق: لماذا يتم انتخاب الفساد كمرشح دائم؟

راجي سلطان الزهيري: العراق: لماذا يتم انتخاب الفساد كمرشح دائم؟

 

راجي سلطان الزهيري

بدأ العد التنازلي للانتخابات العراقية وبدأت معه حفلات التزلف وشراء الذمم. الأسواق السياسية انتعشت فجأة لا ببرامج انتخابية نزيهة ولا بمشاريع وطنية جادة بل بعبايات نسائية وملابس تُوزع على الفقيرات باسم “خدمة الناخب” وبمبردات وهواتف وبطانيات وأموال نقدية توزّع جهارًا نهاراً.
نعم خمسون ألف دينار للصوت وأعداد الذين باعوا ضمائرهم تتزايد والأخطر أن فيهم من يحمل شهادات عليا أو من يمسك المايكروفون في الفضائيات متحدثًا عن الوطنية والنزاهة. ولكن كيف نصدق وطنية من يبيع صوته أو من يشتريه؟ كيف نثق بوعي من يبرر الفساد بعبارة “ما راح يتغير شي”؟
والأنكى أن بعض النواب الذين لم تطأ أقدامهم محافظاتهم منذ يوم فوزهم عادوا فجأة يطرقون أبواب البيوت يزورون المستشفيات يوزّعون الوعود كما توزع المنشورات في الشوارع. لماذا الآن؟ لماذا لا تحضرون إلا قبل الانتخابات؟ هل كراسيكم لا تهتز إلا حين تهددها أصوات الفقراء؟

سؤال بسيط بجوابٍ مرير.

السيستاني قالها بوضوح وكررها مرارًا: “المجرب لا يُجرب”. لكنها جملة لم تجد من يصغي. ظلت صرخة في وادٍ بينما بقيت نفس الوجوه الكالحة نفس الأحزاب التي أفسدت الحياة السياسية تتصدر المشهد وتتحكم بالمصير. أحزاب عاشت وتضخمت على جراح هذا الشعب غذّت الطائفية وساهمت في تمزيق النسيج الوطني ثم عادت الآن لتطالب بأصوات من ساهمت في تشريدهم.
لقد شاهدنا كيف عاد بعض ممن كانوا في الأمس أعداءً للعملية السياسية كيف غُسلت صفحاتهم السوداء بتفاهمات سياسية مظلمة. علي حاتم وخميس الخنجر والعيساوي… أسماء كانت متهمة بالإرهاب واليوم تُستقبل في بغداد استقبال الأبطال وتُبرّأ من كل تهمة!
أما الأحزاب الحاكمة فحدث ولا حرج. كل حزب يسيطر على وزارة وكل وزارة تتحول إلى شركة تمويل حزبي وكل مشروع إعمار هو صفقة تُجزأ على نسب بين المقاولين والمسؤولين. لا استثناء في ذلك. الجميع مشترك والجميع يبتلع من المال العام بنهمٍ لا يعرف الشبع.

طيب، لماذا أُنتخب؟

هل أُنتخب لأُعيد نفس المسرحية؟ هل أُنتخب لأمنح شرعية لسارق؟ هل أُنتخب لأعطي فرصة جديدة لفاشل؟ هل أُنتخب لأبيع صوتي بخمسين ألف دينار ثم أندم خمس سنوات؟
الانتخابات ليست نزهة ولا موسمًا للغنائم بل هي عقد شرف بين المواطن والدولة. الصوت أمانة ومن يفرّط بها لا يلومنّ إلا نفسه حين تغرق البلاد في مزيد من الظلام.
أنا أُنتخب… عندما أجد من يستحق صوتي. أنا أُنتخب… عندما أرى مشروعًا وطنيًا حقيقياً. أنا أُنتخب… عندما أؤمن أن صوتي سيُحدث فرقًا.
أما الآن وسط هذا الخراب الأخلاقي والسياسي فالسؤال لم يعد “لماذا أُنتخب؟” بل “هل بقيّ ما يُنتخب لأجله؟”

كاتب عراقي