الدكتور علي أحمد الديلمي: إدارة الحرب بأدوات حديثة لا تقل فتكًا

الدكتور علي أحمد الديلمي: إدارة الحرب بأدوات حديثة لا تقل فتكًا

 

الدكتور علي أحمد الديلمي

 

في عصر تتراجع فيه فعالية الإعلام التقليدي أمام تصاعد نفوذ الوسائط الرقمية برزت وسائل التواصل الاجتماعي والمساحات الصوتية كمنصات حيوية لتوجيه الرأي العام وصياغة السرديات السياسية، وتغذية الصراعات النفسية والفكرية في العديد من مناطق النزاع واليمن في مقدمتها.

منصة “X” (تويتر سابقًا) والمساحات الصوتية التابعة لها تشكّل اليوم ساحة صراع موازية لا تقل خطورة عن الجبهات العسكرية بفضل طابعها اللحظي،وانفتاحها على النقاشات التفاعلية أصبحت أداة مزدوجة للتواصل والانفتاح من جهة وللتأثير والتضليل من جهة أخرى.

في اليمن لم تعد الحرب تقتصر على السلاح والبارود بل أصبحت تُخاض بالكلمات والصور والمقاطع الصوتية لقد أدركت أطراف عديدة دولية إقليمية ومحلية أهمية السيطرة على الفضاء الرقمي باعتباره سلاحًا نفسيًا وإعلاميًا بالغ التأثير لا سيما مع الانتشار الواسع للتكنولوجيا بين الشباب.

تستخدم بعض الدول هذه المنصات كجزء من قوتها الناعمة أو حتى كأداة من أدوات الحرب الهجينة فالأجهزة الاستخباراتية قد تستغلها لبث رسائل موجهة ونشر الشكوك وتضخيم الأزمات بما يضعف تماسك المجتمعات ويخلق فجوة بين الشعوب وأنظمتها السياسية.

أدرك الإخوان المسلمون في اليمن مبكرًا أهمية السيطرة على الفضاء الرقمي خاصة بعد تراجع حضور الإعلام التقليدي فتوجهوا إلى بناء استراتيجية إعلامية تعتمد على تكثيف الوجود الرقمي عبر وسائل مثل تويتر كلوب هاوس والبودكاست خطابهم لم يكن عفويًا بل مدروسًا يدمج بين الدين والسياسة ويستهدف تشكيل وعي جماهيري جديد يدعم سرديتهم ويهاجم خصومهم

على الجانب الآخر الحوثيون لم يكونوا أقل وعيًا بأهمية الإعلام الرقمي منذ اندلاع الحرب عملوا على بناء شبكة إعلامية رقمية ضخمة تشمل قنوات فضائية مواقع إلكترونية وحسابات على منصات متعددة وظّفوا هذه المنصات للترويج لروايتهم وتضخيم انتصاراتهم وشن حرب نفسية على خصومهم معتمدين على خطابات دينية ومقاطع دعائية تثير العاطفة وتستدرج التعاطف الدولي.

أخطر ما في هذه المنصات أنها أصبحت أدوات للتجنيد والتعبئة الفكرية خاصة في أوساط الشباب يتم توظيف الخطاب العاطفي والسرديات الدينية لإقناع المستهدفين بأنهم جزء من معركة كبرى تستوجب انضمامهم وغالبًا ما تُدار هذه الحملات عبر وكلاء رقميين من صحفيين وناشطين ومؤثرين يعملون تحت غطاء الحياد لكنهم ينفذون أجندات موجهة بدقة.

من الملاحظ أن هذه الوسائل الحديثة وبعض المساحات الصوتية تُستخدم بشكل ممنهج لإثارة الفتن بين دول الجوار أو لتمجيد رموز معارضة أو لبث الإشاعات مستغلة غياب الرقابة وضعف الضوابط الأخلاقية ومع الطابع اللحظي والحيّ لهذه النقاشات يصعب التحقق من المعلومات قبل انتشارها ما يجعلها بيئة خصبة للتلاعب والتحريض.

هذا الواقع المعقّد يتطلب من القوى الوطنية خاصة تلك التي تسعى لإعادة بناء الدولة اليمنية، إعادة النظر في استراتيجياتها الإعلامية لم يعد مقبولًا ترك الفضاء الرقمي فارغًا أو مباحًا لخطابات التحريض والتضليل المطلوب هو خطاب وطني رقمي فعّال قادر على كشف الأكاذيب، والتأثير بلغة العصر وبناء ثقة الجمهور خصوصًا الأجيال الشابة.

ما نشهده اليوم هو تحول حقيقي في طبيعة المعارك فالكلمة قد تُسقِط نظامًا والمعلومة المضللة قد تثير فتنة والمقطع الصوتي قد يُعبّئ مئات أو يُخيف آلافًا وبالتالي لا يمكن لأي دولة أو قوة سياسية تجاهل هذه الساحة أو الاستهانة بخطرها.

إذا كانت المعركة في الماضي تُخاض على الأرض فإنها اليوم تُخاض في الفضاء الرقمي أيضًا حيث تتقاطع المصالح وتُصنع الروايات وتُدار الحروب الناعمة بعقل بارد وأدوات حديثة لا تقل فتكًا عن السلاح التقليدي.

 

سفير بوزارة الخارجية