بين الركام وذكريات الماضي… سكان غزة يستقبلون العيد دون احتفالات

غزة (الاراضي الفلسطينية)- (أ ف ب) – يتهيأ الفتى عماد ديب الذي يتّمته الحرب في غزة، لقضاء عيد الأضحى، للمرة الأولى، بلا ذويه.
يستذكر ديب البالغ 11 عاما أنه في عيد الأضحى “كان والدي يشتري لنا أضحية (خروف)… لكن الآن أصبحنا انا واخوتي وحيدين لا أحد يحضر لنا الخبز”.
ويضيف الفتى النحيل والشاحب الوجه والذي ينتعل حذاء مرقّعا “كنت أحب العيد وأنتظره كل سنة حتى نفرح ونلبس لبسنا الجديد، الآن لا أريد أن يأتي عيد”.
ديب يزور يوميا موقع الخيمة التي تحوّلت إلى رماد في حي الشيخ رضوان ليستذكر والده ووالدته اللذين قتلا بضربة إسرائيلية.
عشية العيد، يقول ديب “ليت هناك من يوزع اللحم غدا” على شقيقاته الأربع وعليه.
قبل الحرب، كان الغزيّون يحيون عيد الأضحى بتجمّعات عائلية لتناول الأضاحي وتوزيعها.
وكانت الأسواق تمتلئ بالناس لشراء الحلويات والألعاب والألبسة من محال تبقي أبوابها مفتوحة حتى ساعات متأخرة لإتاحة شراء الهدايا.
على الرغم من البؤس والحصار الإسرائيلي، كان الغزيّون يحتفلون بالعيد في المساجد والشوارع والمنازل.
لكن بعد نحو 20 شهرا على اندلاع الحرب مع إسرائيل إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تغيّرت ملامح غزة.
فقد دُمّرت أحياء بكاملها، كما تسبب حصار مطبق بالكاد تم تخفيفه قبل 15 يوما، بنقص حاد في المواد الأساسية.
ويقول أحمد الزايغ وهو قصّاب في مدينة غزة “قبل الحرب كان سعر كيلو (اللحم) 50 شيكلا. اليوم سعر الكيلو نحو 500 شيكل، ولا قدرة لأحد على شرائه. سابقا، في فترة العيد كنت أحجز ما بين 200 إلى 300 خروف وعجل. هذا العام، لم أتلق أي حجوزات. الناس لا يمكنهم شراء الأضاحي”.
أما محمد عثمان (36عاما) الذي نزح مع عائلته إلى دير البلح وسط القطاع، فيقول إن “كيلو اللحم أصبح اليوم حلما، فكيف بالأحرى الخروف؟.. نتمنى لو نجد خبزا حتى نطعم أولادنا يوم العيد… سوف يفرحون بالطحين وكأنه لحم”.
كثر يعيدهم الحنين إلى حقبة كانوا فيها قادرين على توزيع جزء من الأضاحي على الأكثر فقرا في العيد.
– “عيد ملطّخ بالدماء” –
تختلط أصوات المسيرات الإسرائيلية التي تحلّق في الأجواء على نحو شبه مستمر مع التواشيح التي يستمع إليها البعض عبر هواتفهم في حين كانت تصدح في مساجد المدينة قبل الحرب.
في مخيم للنازحين في مواصي خان يونس يقول حمزة صبح البالغ 37عاما “سوف نحيي شعائر الله في هذا العيد ونصلي صلاة العيد غدا”.
ويضيف “اليوم نحن صائمون، أنا جالس منذ الصباح مع أولادي نكبّر ونهلّل… أريد أن أشعرهم بفرحة العيد ولو بشعائره الدينية على الأقل لكي لا يفقدوا الأمل”.
لكن غالبية من التقاهم صحافيو وكالة فرانس برس يقولون إن لا قدرة لديهم على الاحتفال بالعيد، إن لم يكن السبب في ذلك عدم توافر الوسائل، فإنه يكمن في التعب النفسي.
وفق سامي فلفل النازخ من بيت لاهيا “بالنسبة للعيد، إنه عيد ملطخ بالدماء، ما من طريقة أفضل لتوصيفه. عانينا 18 عاما”، وما عانيناه مدى أشهر الحرب “كان أصعب ما عشناه على الإطلاق”.
وسط الأنقاض، يدفن غزيّون جثث أحبائهم كل يوم. في الأثناء تراوح مكانها المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل للوصول إلى وقف لإطلاق النار، فيما يُنظر إلى آلية جديدة لتوزيع المساعدات الغذائية على أنها إخفاق بعد مقتل كثر قرب أماكن التوزيع.