أحمد الشرع: من ساحة “المقاومة” إلى رئاسة الجمهورية

دمشق ـ (أ ف ب) – في غضون ستة أشهر، أجرى أحمد الشرع تحوّلا لافتا وسريعا. فالقائد الجهادي الذي دخل دمشق على رأس فصائل إسلامية معارضة، بات اليوم رجل دولة يستقبله كبار الزعماء في العالم.
وصل الشرع بكنيته السابقة “ابو محمد الجولاني” إلى السلطة في الثامن من كانون الأول/ديسمبر على رأس تحالف من فصائل مسلحة قادته هيئة تحرير الشام، قبل أن يعيّن رئيسا انتقاليا لسوريا في كانون الثاني/يناير لمرحلة تمتدّ خمس سنوات.
ويرى المحلل في مجموعة الأزمات الدولية المختص بالمجموعات الجهادية جيروم دريفون أن “الشرع نجح في تحوّله”.
ويضيف أن “القبول به على المستوى الإقليمي (…)وزيارته لباريس وزيارة وزير خارجيته إلى نيويورك (…)، كلّ ذلك يظهر اعترافا حقيقيا بالسلطات الجديدة”.
ومنذ وصوله إلى السلطة، التقى الشرع بالعديد من المسؤولين العرب والأجانب، وأجرى الكثير من اللقاءات الصحافية التي أكّد فيها أن هدفه هو إعادة بناء سوريا.
ولعلّ اللقاء الأبرز كان اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعودية في 14 أيار/مايو، بعد أيام من زيارته الى باريس حيث استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ووصفه ترامب بأنه “شاب وجذاب وقوي”.
ولا يزال الشرع خاضعا لعقوبات فرضتها الأمم المتحدة بسبب ماضيه الجهادي، ويتعيّن عليه الحصول على استثناء خاص لكلّ مرة يسافر فيها إلى الخارج.
ويرى دريفون أن الدول العربية والغربية اتخذت خيارا “واقعيا” بدعمها له.
ويتابع “ما زالت هناك مشكلات أمنية وتوترات داخل البلاد، لكن أعتقد أن معظم الدول الأجنبية تدرك أنه لا يوجد بديل في الوقت الحالي”.
في مؤتمر “النصر” في كانون الثاني/يناير، قال الشرع إن “مهمة المنتصرين ثقيلة ومسؤولية عظيمة”.
– “تحت شجرة زيتون” –
ويقيم الشرع في القصر الرئاسي في دمشق حيث يلتقي الزوار من قادة دول ودبلوماسيين أجانب. وفتح أبواب القصر للأيتام السوريين الذين استقبلهم مع زوجته لطيفة الدروبي خلال عيد الفطر.
وقال الشرع الأسبوع الماضي خلال جلسة لمجلس الوزراء الذي يترأسه “نحن وصلنا إلى السلطة من خلال الثورة، ولسنا معتادين على الجلوس في قصور فارهة”.
وعن إدلب التي كانت معقلا لفصائل معارضة وإسلامية كان يقودها الشرع قبل الهجوم الذي أوصله إلى دمشق، قال الشرع “مرت عليّ ظروف في إدلب.. ربما حتى آخر سنتين أصبح لديّ مكتب”، مضيفا “قبل ذلك، كنا نجتمع في السيارة وفي الشارع وتحت شجرة الزيتون وعند أبو فلان نطلب منه أن يفتح لنا مكانه”.
في دمشق، يقود الشرع سيارته الخاصة، وقد تناول طعام العشاء في إحدى المرات في مطعم شعبي. كذلك، انتشر له فيديو وهو يمارس رياضة كرة السلة مع وزير خارجيته المقرّب منه أسعد الشيباني.
ويقول مصدر سوري التقى الشرع مرات عدة في دمشق إنه “شخص يجيد فن الاصغاء إلى حد كبير وصدره رحب إزاء الملاحظات”.
– “راديكالي براغماتي” –
بعيد وصوله إلى السلطة، أعلن الشرع حلّ جميع الفصائل المسلحة بما فيها هيئة تحرير الشام التي كان يقودها والمنبثقة من تنظيم القاعدة قبل أن تقطع صلاتها به في العام 2016.
ويقول المتخصص في المجموعات الإسلامية في سوريا توما بييريه لوكالة فرانس برس عن أحمد الشرع “إنه راديكالي براغماتي”.
ويوضح الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا أنه “في العام 2014، كان في ذروة تطرفه من أجل أن يفرض نفسه في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (الذي كان في ذروة سيطرته وقوته في سوريا آنذاك)، قبل أن يعمد لاحقا إلى التخفيف من حدّة تصريحاته”.
بعد تحقيق هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى الانتصارات على القوات التي كانت موالية لبشار الأسد، بدأ بتقديم نفسه باسمه الحقيقي أحمد الشرع، بدل كنيته أبو محمد الجولاني.
ولد الشرع في العام 1982 في السعودية حيث كان يعمل والده، وبقي فيها خلال السنوات السبع الأولى من حياته. عادت العائلة الميسورة إلى سوريا بعد ذلك، فنشأ في حي المزة بدمشق، وبدأ دراسة الطب.
في العام 2021، قال في مقابلة مع محطة “بي بي اس” الأميركية العامة إن اسمه الحركي مستوحى من أصول عائلته المتحدّرة من هضبة الجولان من حيث نزح جدّه بعد احتلال إسرائيل لجزء كبير منها عام 1967.
بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، بدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق.
في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، توجه للقتال في العراق حيث انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، قبل أن يُسجن لمدة خمس سنوات.
بعد بدء الحراك الاحتجاجي ضد الأسد في العام 2011، عاد إلى وطنه ليؤسس جبهة النصرة التي أصبحت في ما بعد هيئة تحرير الشام.
ويرى أنصار الشرع أنه “واقعي”، ويقول خصومه إنه “انتهازي”. وقد صرّح في العام 2015 أنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، على غرار تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.
وأوضح عندما انفصل عن تنظيم القاعدة، أنه أقدم على الخطوة “لإزالة ذرائع المجتمع الدولي” لمهاجمة تنظيمه.