ترامب يعيد تسليط الضوء على معاناة اليمنيين

الدكتور علي أحمد الديلمي
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً تنفيذياً يقضي بمنع دخول مواطني عدد من الدول إلى الولايات المتحدة ومن بينها اليمن وقد أعاد هذا القرار الذي جرى توسيعه عام 2025 الذاكرة إلى قرار سابق صدر في عام 2017 واستهدف دولاً ذات غالبية مسلمة وشمل آنذاك اليمن أيضاً وقد بررت الإدارة الأمريكية هذا الحظر بذريعة حماية الأمن القومي وتخوفها من ضعف إجراءات التحقق في تلك البلدان غير أن هذا التبرير لم يكن مقنعاً للكثير من المراقبين والحقوقيين الذين رأوا فيه تمييزاً ممنهجاً ضد شعوب بعينها لا سيما شعوب تعاني أصلاً من الحروب والنزوح كما هو حال اليمنيين
اليمنيون الذين يعيشون حالة حرب مستمرة منذ سنوات كانوا من بين أكثر المتضررين من هذا القرار حيث أن أعداداً كبيرة من العائلات قد تشتتت بسبب الحظر فهناك من بقي في اليمن عاجزاً عن اللحاق بأفراد أسرته في الولايات المتحدة وهناك من علق في بلد ثالث بعد أن فقد تأشيرة الدخول أو لم يتمكن من استخراجها وقد انعكست هذه القرارات بشكل قاسٍ على آلاف الطلاب اليمنيين الذين كانوا يدرسون أو يخططون للدراسة في الولايات المتحدة كما تضرر منها مرضى كانوا ينتظرون العلاج في مستشفيات أمريكية ولم يتمكنوا من السفر
ما يضاعف من مأساة اليمنيين أن هذا الحظر يأتي بعد فترة قصيرة من الضربات العسكرية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة على اليمن فقد شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر أو عبر الدعم اللوجستي والاستخباراتي في عمليات استهدفت بنى تحتية حيوية داخل البلاد بما فيها جسور وموانئ وشبكات اتصالات الأمر الذي ساهم في مفاقمة الأزمة الإنسانية واليوم وبعد أن كانت واشنطن شريكاً في إضعاف البنية التحتية اليمنية ها هي تمنع ضحايا ذلك التدمير من دخول أراضيها أو طلب الحماية على أراضيها
هذه الازدواجية في التعامل الأمريكي تثير تساؤلات أخلاقية وسياسية عميقة فكيف لدولة تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن تسهم في تمزيق نسيج بلد بأكمله ثم تغلق أبوابها في وجه سكانه لقد كانت السياسة الأمريكية في اليمن ولا تزال قائمة على منطق المصلحة الأمنية والعسكرية بغض النظر عن الكلفة الإنسانية التي يدفعها المدنيون وخاصة الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال واللاجئين
كثير من اليمنيين الذين كانوا يأملون في الهجرة أو اللجوء إلى الولايات المتحدة باعتبارها ملاذاً آمناً اصطدموا بجدار هذا الحظر الذي جاء ليغلق نافذة الأمل الوحيدة أمامهم خصوصاً مع تدهور الأوضاع المعيشية داخل اليمن وإغلاق العديد من الدول الأخرى أبوابها أمام اللاجئين ويشعر هؤلاء بأنهم ضحايا لتناقض صارخ بين خطاب أمريكي يتحدث عن الحرية والكرامة وواقع سياسي يعاملهم على أنهم تهديد محتمل
وفي ظل استمرار الحرب وتعثر جهود السلام يبدو أن قرار الحظر الأمريكي لم يكن إجراءً أمنياً فحسب بل أداة ضغط سياسي على شعب كامل تقطعت به السبل كما يعكس هذا القرار فهماً ضيقاً للأمن القومي الأمريكي إذ يغفل أن الاستقرار الحقيقي لا يُبنى عبر الحواجز بل عبر الشراكة والتفاهم والاعتراف بالمآسي التي ساهمت القوى الكبرى ذاتها في صناعتها
سفير في وزارة الخارجية