د. محمد عياش: تحول واشنطن نحو منطقة الشرق الأوسط

د. محمد عياش
منذ الإعلان عن قيام ‘‘الدولة الصهيونية’’ في قلب فلسطين العربية، واعتراف الدول الاستعمارية المهيمنة وقتذاك، وحمايتها ورعايتها.. وسوريا بالمهداف الصهيوني، سواء بالشعار الكبير، من الفرات إلى النيل، أو عبر الوعود التلمودية الزائفة التي ارتكزت عليها الحكومات المتعاقبة، حتى يومنا هذا، وبالتالي فإن على الكيان الصهيوني أهداف بغاية الأهمية لتثبيت أركان الدولة وتقديمها للعالم بأنها دولة ديمقراطية، تسعى للاندماج مع الدول المحيطة، ونبذ العنف، والاشتراك بالمشاريع التنموية المستدامة التي تجلب التطور والازدهار للمنطقة .
أكثر ما عانته هذه الدولة المسخة، عدم التقبل من الشعوب، إذ عليها فعل الجهد الجهيد للوصول إلى هذه الجماهير، وتغيير الذهنية الثابتة، من خلال الدعاية والإعلان، وربما في غالب الأحيان عبر المنتوجات التي تلقى رواجا ً واستهلاكاً بين الجماهير، مثل مشروب الببسي كولا وغيرها من المنتوجات التي تستعملها الجماهير عن وعي وغير وعي، فإسرائيل إلى هذه اللحظة لم تتمكن من التطبيع مع الدول التي وقعت معها اتفاقيات سلام، مصر، الأردن، المغرب، الإمارات، قطر، عمان، السودان.. والقائمة تطول، ولهاثها وراء التطبيع مع المملكة العربية السعودية التي تعدها الرافعة الكبرى والذي من خلالها يمكن لأغلب الدول العربية أن تتقدم بالتطبيع، والمشاركة بالسلام الإبراهيمي المزمع قيامه.
الآن وفي ظل المتغيرات والأحداث الساخنة، وتعدد الصراعات والنزاعات، تتمسك الدول الاستعمارية الكلاسيكية، بريطانية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بالأهمية الخاصة لسوريا وتموضعها في قلب العالم لما لها أثر على كل المجريات والأحداث في العالم، إذ تعد دمشق محور العالم، من هذا المنطلق وجدت واشنطن نفسها مضطرة للنزول عن الشجرة، والعمل مع القيادة السورية الجديدة باعتبارها قوية وقادرة على إدارة البلاد والعباد بالمحبة والالتفاف الجماهيري حولها، وهذا ما يقلق العواصم الاستعمارية الكلاسيكية، والتي رأت بالاعتراف بها، براغماتية ومصلحة عليا للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
للأسف تعد الحقبة الأسدية، الأب والابن، حقبة سوداء في ذاكرة الجماهير السورية، والتي امتدت لأكثر من أربعة وخمسين عاماً من الإذلال والقهر والعسف، وفقدان الحرية والكرامة، وأدت إلى ثقافة الفساد والإفساد، وكرّست ثقافة الهزيمة مقابل العدو الصهيوني بالمقولة التي يحفظها كل سوري، بعد كل ضربة أو صفعة توجهها دولة الكيان الغاصب؛ نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
الوظائف الخدماتية التي قدمتها الحقبة الأسدية للكيان الصهيوني كبيرة وكثيرة، ومن خلال هذه الحقبة القاتمة والجاثمة على صدور السوريين، عززت وساهمت في تقوية الدعاية الصهيونية، من خلال التعامل السري مع إسرائيل، أو كما يقال بالعامية، من تحت لتحت! وأذكر الملاسنة الكلامية بين الأسد الأب، والرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك على خلفية الحديث عن التوقيع المصري الإسرائيلي واستمرار مبارك على النهج، حيث يقول مبارك عن الأسد الأب، يعيّرنا بالسلام مع إسرائيل، ولدينا ملفات بالمصري ( دُسيهات ) تثبت لقاءاته وتنسيقه السرّي مع إسرائيل، والأغرب، وبعد هذه الملاسنة والمناكفة، تمت المصالحة، وإعادة العلاقات المصرية السورية، وعلى إثرها غنت ميادة الحناوي اغنيتها الشهيرة ؛ رجعوا الأحباب من بعد غياب !
الإدارة السورية الحالية، لا تعمل بالخفاء؛ ولا تتجاهل الشعب، إذ تعتبر من ضحايا الحقبة الأسدية المظلمة، وبالتالي فإن الظلم والقهر، والأعمال الإجرامية الأسدية بحق سوريا كدولة أو بحق السوريين كشعب أصيل متجذر في هذا المكان من آلاف السنين، هو بمثابة خارطة طريق لإعادة سوريا إلى دورها العربي والمحوري، وبالتالي فإن العمل جار على قدم وساق في هذا السياق، بالرغم من بعض العقبات التي شابت البداية الجديدة واللعب على الأقليات ووجوب حمايتها، مسمار جحا الاستعماري.
اللقاء التاريخي بين الرئيس أحمد الشرع، ودونالد ترامب، لقاء الاعتراف بالحضارة السورية العائدة من بوابة الشعب، لا من بوابة اللهاث وراء الدول التي ساهمت برعاية الأسدين وتمكينهم بنهب خيرات وثروات الشعب، هذا اللقاء هو بمثابة حجر الزاوية لإعادة سوريا العمق التاريخي للمسيرة العربية، التي عليها سترتكز قيام الاستراتيجية العربية الإسلامية، وإعادة الهيبة والمكانة والواجهة والوجاهة للأمة العربية والإسلامية، ولا أبالغ بالقول بأن واشنطن بحاجة إلى سوريا وليس العكس .
الاستدارة الأمريكية الواضحة نحو الشرق، استدارة الضرورة ومؤشر البوصلة الذي لا يخطئ، وسوريا حجر الزاوية فيه، فلا تقدم ولا ازدهار بالمنطقة من دونها، وهذا ما أفشل ورشة العمل الاقتصادية في العاصمة البحرينية المنامة 2019 ، ترامب ذهب لواشنطن فرحا مسرورا لا لجمع التريليونات الخليجية فحسب، بل لأنه استطاع إعادة العلاقات مع سوريا، التي من خلالها يمكن القول بأن سوريا المقلع الأضخم، الذي يتمتع بجيو- سياسي.
كاتب وباحث سياسي