يوسف عبد الله محمود: عندما تسود الرأسمالية العالمية على العمل الذهني والبدني

يوسف عبد الله محمود
الحالة المتردية التي يعيشها معظم البشر في هذا العالم سببها هيمنة النظام الرأسمالي المتوحش على العمل اليدوي والفكري للإنسان. هذه الهيمنة يتم تبريرها على نحو مزيف، كأن يقال انها لسعادة البشر.
في وصفه لهذه الحالة الشاذة يقول كامل ماركس “الطبقة الرأسمالية لا تكتفي بالاستيلاء على العمل اليدوي للعامل بل تستولي أيضا على العمل الذهني للمهندس والمصمم الصناعي الذي صمم المنتج”.
هذا التحكم هو الذي يؤدي الى قهر واستعباد الانسان العادي.
وقد أصاب الكاتب البريطاني كولدويل الحقيقة حين قال: “الثقافة البرجوازية السائدة في العالم لا تلبي المتطلبات الحياتية للبشر، بل هي مكرسة لخدمة طبقة معينة لا تجد من يحاسبها على تغولها”. ويضيف قائلاً: “ان الحرية مخبوءة في ثنايا علاقات الانسان بالإنسان”. (كريستوفر كولدويل “الحب دراسة في قيم مبتذلة”، ص 14، ترجمة فاضل السباعي/دار الفارابي، بيروت)
ما ذكره كولدويل وقبله ماركس يشير الى ان “الربح” الناتج عن بيع السلع التي كان من الممكن ان تسعد العمال تذهب الى الطبقات الرأسمالية”. هي بحق رأسمالية ريعية لمن يمتلك وسائل الإنتاج.
غاب الانسان العادي المهمش عن اهتمامات القوة المتجبرة في العالم غابت انسانيته وأمس تحت نظام امبريالي ضرب عرض الحائط بالقيم الإنسانية. نظام يقوم على شريعة الغابة. لا يعترف بالقوانين الدولية.
ما أسوأ ان تساق الشعوب من خياشيمها. ما أسوأ ان يستهان بخيارات الشعوب!
لماذا لا يتم الاعتراف بالعامل المنتج للسلعة بصفته كيانًا اقتصاديًا لماذا تمتص عرقه الطبقة البرجوازية؟ لماذا لا يكون الاقتصاد العالمي ذا بُعد انساني يعالج هموم الفقراء ويوجد فرصًا لملايين البشر العاطلين عن العمل؟ تساؤلات يتجاهلها النظام الرأسمالي.
ان حضارتنا العالمية المعاصرة لا تهتم بانسانية الانسان. لا تهتم بالبعد الإنساني للعلاقات الإنسانية بين البشر. لا يعنيها ان تكون منتجاتها مرايا نرى فيها انعكاس طبيعتنا الإنسانية. “الاستغلال” هو شعار هذه الحضارة. الحضارة المعاصرة لا تلتفت الى اشباع حاجات العامل المنتج. هي تكتفي بدفع اجر له لا يناسب قيمة ما انتجه.
الاغتراب –وكما يشير ماركس في كتاباته- “يختزل العامل الى مجرد أداة”.
ان تقسم العمل وفق مشيئة النظام الرأسمالي الامبريالي يزيد من استغلال العامل، فهو محروم من الحق في ممارسة الرقابة على قيمة وآثار عمله.
اغتراب العامل يجعله عاجزًا عن تحقيق كل جوانب طبيعته البشرية. هو بات جزءًا من آلته في نظام انتاج ظالم.
لا سبيل الى تغير هذا الوضع الشاذ –وكما يقول ماركس- “الا بثورة تعيد علاقات الإنتاج الى المسار الإنساني”.
كاتب من الاردن
[email protected]