نور ملحم: عند التقارب بين النفوذ الاقتصادي والعسكري… هل ستفقد الدول الضعيفة سيادتها؟

نور ملحم: عند التقارب بين النفوذ الاقتصادي والعسكري… هل ستفقد الدول الضعيفة سيادتها؟

 

 

نور ملحم
شهد العقد الأخير تحولات جيوسياسية كبيرة، حيث لم تعد السيطرة على الدول تُمارس فقط عبر التدخلات العسكرية التقليدية، بل أصبحت الأدوات الاقتصادية تلعب دورًا مركزيًا في فرض النفوذ. المثالان الأبرز لهذا المشهد المتغير هما باكستان وسوريا، حيث يُظهر كل منهما نموذجًا مختلفًا من التبعية السياسية، أحدهما عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والآخر عبر دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري.
لطالما تم الترويج للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني باعتباره شراكة استراتيجية بين البلدين، لكنه في الواقع أخذ منحى مختلفًا، حيث أصبحت الصناعات الصينية تنتقل إلى باكستان، ليس لتعزيز الإنتاج المحلي، بل لإنشاء جيوب اقتصادية خاضعة للسيطرة الصينية.
تُشير التقارير إلى أن الهيمنة الصناعية الصينية داخل باكستان بدأت تُقوّض السيادة الاقتصادية، حيث تُفضَّل الشركات الصينية في المناطق الاقتصادية الخاصة، بينما يكافح المصنعون المحليون لمنافسة الدعم الصيني الهائل. ومع ارتفاع القروض الصينية لباكستان إلى أكثر من 30 مليار دولار، أصبحت البلاد مُقيَّدة بشروط تُشبه اقتصادات الاستخراج الاستعمارية، حيث تتدفق الأرباح إلى بكين بينما تُعاني الشركات المحلية.
في سوريا، بدلاً من التدخل الاقتصادي، برزت سياسات إعادة تشكيل الجيش كمؤشر على النفوذ الخارجي. الموافقة الأمريكية على دمج المقاتلين الأجانب، ومن بينهم الإيغور، تُعد خطوة تثير تساؤلات عديدة: هل هو قرار استراتيجي لمواجهة تهديدات أمنية، أم أنه محاولة لفرض واقع جديد على الجيش السوري؟
من ناحية، يمكن النظر إلى هذه الخطوة كضرورة تكتيكية، حيث يسعى النظام السوري إلى توسيع قواته في ظل النقص البشري الحاد الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة. لكن من ناحية أخرى، فإن دمج مقاتلين لديهم ولاءات متباينة قد يُشكل خطرًا على استقرار المؤسسة العسكرية، حيث يمكن أن يتحول هذا الخليط إلى عنصر غير منضبط داخل الجيش الرسمي وأكبر دليل أن الأخطاء الفردية في سوريا افتعلت من قبل المقاتلين الأجانب تحت شعار الدين والحرية .
بين نموذج التبعية الاقتصادية في باكستان ونموذج إعادة تشكيل الجيش السوري، يبرز السؤال: هل تفقد الدول الهشة سيادتها أمام النفوذ الخارجي؟
في حالة باكستان، أصبحت الحكومة تُواجه معضلة وجود صناعة محلية ضعيفة تحت ضغط الاستثمار الصيني، مما يجعلها غير قادرة على فرض شروط عادلة في مشاريع الممر الاقتصادي. أما في سوريا، فإن دمج المقاتلين الأجانب قد يؤدي إلى تغيرات جذرية في تركيبة الجيش، مما يجعل القرار العسكري أكثر تعقيدًا مع تزايد تأثير القوى الخارجية.
لكن المشترك في الحالتين هو أن كلاهما يُواجه مستقبلًا غامضًا، حيث بات النفوذ الخارجي في هذين البلدين لا يُمارس عبر الاحتلال العسكري المباشر، بل عبر الاقتصاد والهيكلة العسكرية، وهي أدوات حديثة لإعادة تشكيل النفوذ في النظام العالمي الجديد.
هل ترى أن هذه التحولات تمثل خطرًا على سيادة الدول أم أنها جزء من تكيف ضروري مع متغيرات السياسة الدولية؟
كاتبة سورية