4 استراتيجيات محتملة لتعامل ترامب مع إيران

صالح القزويني
السياسة التي يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران هي التي تحدد طبيعة العلاقات بين البلدين في المستقبل، وما عدا ترامب والحلقة القريبة جدا منه لا أحد يعرف ماهي السياسة التي سينتهجها تجاه ايران.
لا شك أن ترامب والمقربين منه كوزير الخارجية يطلقون بين الحين والآخر تصريحات تجاه ايران وبرنامجها النووي، ولكن برهنت الأيام على أن ما يطلقونه مجرد تصريحات يريدون منها، إما الحرب النفسية تجاه ايران والمفاوض الإيراني، أو لإرضاء المتشددين في الادارة الأميركية، أو لإرضاء إسرائيل، أو حلفاء أميركا.
وهنا تجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة والعديد من الدول تريد الغاء البرنامج النووي الإيراني برمته وتفكيكه، غير أن هذا الطلب قدمته هذه الدول لإيران منذ أن أعلنت عن تخصيب اليورانيوم عام 2003 والى هذا اليوم ولكنها لم تنجح باقناع أو ارغام ايران على ذلك، والملفت أن البرنامج النووي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم يشهد تقدما وقفزات متتالية على كافة الصعد والمجالات رغم الضغوط الأميركية والغربية ضده.
وجرت عدة مفاوضات بين ايران والغرب حول الموضوع، كانت أبرزها عام 2005 والتي فشلت فيما بعد، وكذلك عام 2013 التي تكللت بالنجاح وانتهت الى اتفاق 2015، والسبب في نجاحها أن الغرب أقر بحق إيران في تخصيب اليورانيوم ولم يطالب بتفكيك البرنامج النووي، حتى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قال حينها، اضطررت الى توقيع الاتفاق ولو كان بامكاني تفكيك البرنامج النووي الإيراني لما ترددت لحظة واحدة في ذلك، ولكن لم يمض الكثير على ابرام الاتفاق حتى جاء ترامب والغى الاتفاق.
ورغم سياسة الضغوط القصوى التي مارسها ترامب آنذاك ضد ايران إلا انه لم يتمكن من ارغامها على التخلي عن برنامجها النووي، ومع يقينه بذلك لا ندري لماذا يطرح هذه القضية مرة أخرى منذ عودته للسلطة وبدء المفاوضات بينه وبين طهران؟
وبما أنه لا يدري أحد ماهي السياسة والقرار الذي يريد اتخاذه ترامب تجاه إيران فان التكهن بمستقبل العلاقات الإيرانية – الأميركية في المستقبل صعب، من هنا فهناك 4 سيناريوهات يمكن تصورها للعلاقات بين البلدين في المستقبل، وهي:
ـ الأول: نجاح المفاوضات، بموافقة ترامب على إبقاء البرنامج النووي والغاء العقوبات وعدم الخوض في قضايا أخرى لا علاقة لها بالبرنامج النووي، مقابل أن تلتزم ايران بما يتم الاتفاق عليه، وهذا السيناريو غير مستبعد، مع الأخذ بنظر الاعتبار رغبة الطرفين في ذلك، إلا أن هناك من يرفض أي اتفاق بين طهران وواشنطن، وتأتي إسرائيل في مقدمة هؤلاء.
ـ الثاني: فشل المفاوضات والانتقال الى الاستعداد للحرب بين البلدين، وهذا مستبعد جدا لما يحمل في طياته من تبعات مدمرة لكلي الطرفين، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة المتحدة لو وصلت إلى قناعة أن الحرب على إيران لن تكلفها أية خسائر أو أن مكاسبها أكثر من خسائرها لما ترددت للحظة واحدة في شن الحرب.
السبب الرئيسي في أن واشنطن لا تدري ماهو حجم الخسائر التي ستقدمها اذا اندلعت الحرب، إنها ليست لديها معلومات دقيقة عن القدرات العسكرية الإيرانية وحجمها، كما انها لا تدري ماهو القرار الذي ستتخذه طهران لو قررت شن الحرب عليها.
أضف الى كل ذلك فإن استراتيجية ترامب ليست شن الحروب واشعالها بل على العكس اطفاء الحروب خاصة تلك التي أقحمت نفسها فيها، لما تستنزفه من امكانيات وثروات وجهود هي في غنى عنها.
استراتيجية ترامب اقتصادية بحتة، يسعى من خلالها تعزيز الاقتصاد الاميركي واعادة المجد له، لتعود أميركا قوة رئيسية وعظمى في العالم، ومع أن الحروب تمنح أميركا تفوقا عسكريا ولكن التفوق العالمي لا يقتصر على الجانب العسكري وحسب، وانما جوانب أخرى .
ـ ثالثا: فشل المفاوضات وانتهاج سياسة أقصى العقوبات، وهذا السيناريو مظروح ولكن بما أن ايران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه السياسة بل ستحاول الرد بايجاد تحديات وعراقيل أمام سياسات ترامب في المنطقة والعالم، فانه سيكلف ترامب جهدا وربما أموال.
الى جانب ذلك فان ايران تمكنت من اكتساب تجربة كبيرة في مواجهة سياسة العقوبات القصوى خلال حكم ترامب السابق، وأيضا فان الظروف التي تعيشها ايران في الوقت الراهن تختلف عن الظروف التي عاشتها في تلك الفترة، خاصة على صعيد علاقاتها مع دول الجوار والمنطقة، وكذلك انضمامها الى منظمات اقتصادية كشنغهاي وبريكس وتوقيعها على اتفاقيات استراتيجية مع الصين وروسيا، مما يسهم في تجاوز سياسية الضغوط القصوى.
ـ رابعا: فشل المفاوضات وانتهاج سياسة غض الطرف، وهي السياسة التي استخدمها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تجاه ايران، وهي سياسة لم يتم الاعلان عنها وتبنيها بشكل صريح ولكن حكومة بايدن عملت بها تجاه ايران بحيث ان لا تسعى واشنطن الى استفزاز طهران أو يذائها، وفي المقابل فان ايران بدورها لا تسعى الى تهديد المصالح والوجود الأميركي في المنطقة، ولا تقوم بعمل يؤدي الى استفزاز الولايات المتحدة.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن السيناريو الأول والرابع أقل كلفة وأضرارا واستنزافا للطرفين فانه من المتوقع أن يلجأ ترامب إلى أحدهما، ولو اتيح له الاختيار دون التعرض للضغوط والتحديات بل وحتى التهديدات فإنه سيلجأ للسيناريو الأول، خاصة وانه يددر عليه مكاسب كبيرة جدا، الأمر الذي يبحث عنه الرئيس الأميركي طوال الوقت.
كاتب وباحث في الشأن الإيراني