أ. شبلي خالد: “من الفداء إلى النضال: تحليل للخطاب الرمزي لكتائب القسام خلال عيد الأضحى”

أ. شبلي خالد: “من الفداء إلى النضال: تحليل للخطاب الرمزي لكتائب القسام خلال عيد الأضحى”

أ. شبلي خالد

“وفي هذا العيد، لا يُمكن تجاهل الحقيقة الساطعة: أن هناك شعبًا يُعيد تعريف البطولة، والنبوة، والكرامة، والرمز؛ وأن الحجر، رغم بساطته، ما زال قادرًا على أن يهزم العربة، لأن الإيمان أقوى من الحديد، ولأن المقاومة، في جوهرها، ليست حدثًا عسكريًا… بل تجسيد حيّ لمعاني النبوة والتاريخ والعدل..”

مقدمة: بين طقوس التضحية ومشهد المقاومة… هل يعيد الدين تشكيل الوعي المقاوم؟
في تزامنٍ لافت بين الدم والتكبير، بين زخم العمليات العسكرية في غزة ووقفة المسلمين على جبل عرفات واستقبالهم عيد الأضحى المبارك، قدم أبو عبيدة، المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، خطاب موجز لكنه محمّل بكثافة معنوية ورمزية، تجاوزت حدود البلاغة إلى ملامسة جوهر المعركة بكل أبعادها: العسكرية، النفسية، الدينية، والرمزية.
ففي ظل تشابك الأحداث السياسية والعسكرية والدينية، يجد المتابع نفسه أمام لوحة مركبة تعكس الواقع الفلسطيني، ليس فقط كقضية احتلال ممتدة، بل كمجال ديناميكي تتقاطع فيه العقيدة بالسياسة، والميدان بالمقدّس، والرواية التاريخية بالتأويل الرمزي.
ولعلّ أبرز لحظة رمزية تجلّت مؤخرًا، كانت تزامن عيد الأضحى لسنة 2025 مع تصاعد الهجمات العسكرية الصهيونية على قطاع غزة، وتحديدًا في خان يونس وجباليا، في هذه اللحظة، “أبو عبيدة”، الناطق العسكري باسم الجهاد، الحرية والكرامة، يقدم هذا الخطاب اللافت الذي اختزل الكثير من المعاني، وفتح الباب أمام قراءة جديدة لطبيعة الخطاب المقاوم: خطاب لا يقتصر على إعلان العمليات أو التهديدات، بل يوظّف بذكاء الرموز الدينية والتاريخية ضمن معركة الوعي الشامل.
إشكالية الدراسة: ما هي أبعاد ودلالات التوظيف الرمزي والديني في خطاب المقاومة الفلسطينية؟ وهل يمكن اعتبار خطاب كتائب القسام، لا سيما في سياق عيد الأضحى، مجرد أداة تعبئة نفسية، أم هو إنتاج لرؤية فكرية-حضارية للمقاومة تتجاوز البعد العسكري؟
فرضيات الدراسة:

أن خطاب المقاومة يتجاوز الأبعاد التعبوية التقليدية، ليؤسس لسردية دينية/تاريخية تنافس الرواية الصهيونية.

أن توقيت الخطاب (عيد الأضحى) لم يكن اعتباطيًا، بل وُظف لربط الفعل المقاوم بقيم الفداء والتضحية والنبوة.

أن هناك هندسة إعلامية واعية في توجيه الخطاب، تستهدف مجتمع الكيان الإسرائيلي نفسيًا، بقدر ما تخاطب العالم العربي والإسلامي أخلاقيًا وروحيًا.

منهج الدراسة:
تعتمد هذه القراءة على المنهج التحليلي الرمزي (Semiotic Analysis)، مدعومًا بمنهج الخطاب (Discourse Analysis) في تفكيك محتوى البيان، وربطه بسياقه المكاني والزماني والديني، مع استحضار الخلفيات التاريخية للنصوص الدينية التي تم استدعاؤها.
تنقسم هذه الدراسة إلى خمسة محاور رئيسية:

إعادة تأويل الرموز التوراتية: كيف قلبت المقاومة المعادلة الرمزية، وجعلت من داود رمزًا للمجاهد، ومن جدعون رمزًا للمحتل؟

عيد الأضحى كمنصة فكرية للمقاومة: لماذا ارتبطت مفاهيم الفداء والطاعة بالتضحية الفلسطينية؟ وكيف تم تحويل العيد إلى سردية مقاومة؟

الحرب النفسية كأداة استراتيجية: تحليل مضمون التهديدات النفسية الموجهة للعدو، ووظائفها في سياق المعركة الإعلامية.

رمزية الجغرافيا والكرامة: دلالة ذكر خان يونس وجباليا، وتحول الجغرافيا إلى عامل نفسي وروحي وميداني في آنٍ واحد.

العقيدة في مواجهة الغطرسة الدولية : المقاومة كتمثيل للأمة المستضعفة، لا كفصيل محلي، وموقعها ضمن سردية قرآنية كونية.

أولًا: المقاومة بين الحجارة والنبوّة: رمزية داود وجدعون في قلب المعركة

               منذ اللحظة الأولى التي نُطقت فيها عبارة: “لا يزال مجاهدونا، ورثة الأنبياء، يقذفون بحجارة داود على عربات جدعون“؛ تبادر إلى ذهن المتلقي سؤال جوهري: ما الذي يدفع متحدثًا عسكريًا إلى استدعاء شخصيات توراتية في لحظة عسكرية حرجة؟

              هذا الاختيار اللغوي لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءة رمزية عميقة، تضع هذا الخطاب ضمن بنية ثقافية-تاريخية مقاومة للرواية الصهيونية، التي لطالما استخدمت التراث التوراتي لتبرير الاستيطان والسيطرة.

1-هندسة الرموز التوراتية: من نزع القداسة إلى إعادة التأويل
لقد اعتمد المشروع الصهيوني، منذ تأسيسه، على سردية دينية مستمدة من العهد القديم، حيث تم تحويل شخصيات مثل يشوع وجدعون وداود إلى رموز قومية واستيطانية.

جدعون، في اللاهوت اليهودي، يُصوّر كقائد حربي منتصر “بإرادة الله”، قاد جيشًا صغيرًا لهزيمة “المديانيين” – أي الشعوب الأصلية في الأرض، وفقًا للنص التوراتي.

داود، الذي انتصر على جالوت بحجر، تحوّل إلى رمز لـ”الحق اليهودي” في الأرض، حتى أُطلق اسمه على مشاريع عسكرية وأمنية (مثل “نجمة داود الحديدية”).

لكن المقاومة، وعبر خطاباتها، أعادت تعريف هذه الرموز ضمن سياق تحرري معاكس:

فـ داود الفلسطيني ليس ملكًا على عرش، بل شاب مقاتل ينتمي لأحياء فقيرة في غزة أو الضفة، يحمل حجرًا لا ليُعيد مملكة، بل ليصنع كرامة.

أما جدعون المعاصر، فهو جنرال في جيش الاحتلال، يقود عربة مدرعة، ويُمطر الأحياء السكنية بالقذائف، بلا تمييز.

2- الحجارة كأداة مقاومة .. من أداة ضعف إلى رمز نبوّة
في السياق الفلسطيني، ارتبطت “الحجارة” دومًا بالانتفاضة، لا سيما انتفاضة عام 1987 التي أُطلق عليها لاحقًا “انتفاضة الحجارة”.

كانت تلك الحجارة، في بعدها الرمزي، أداة كسر الصمت وكسر جبروت صورة الكيان الإسرائيلي التي رسمها الإعلام الغربي.

وقد تحوّلت من كونها مجرّد “أداة بدائية”، إلى رمز نقي للمقاومة العفوية، التي لا تحتاج إلى سلاح متطوّر كي تفرض حضورها الأخلاقي.

باستدعاء حجر داود، تُعيد المقاومة إنتاج صورة الحجارة ليس فقط كفعل ميداني، بل كامتداد لخط نبوي-تحرري، وتُحوّل المشهد من صراع عسكري إلى صراع رمزي-عقدي بين داود الحق وعدالة السماء، وجدعون الغطرسة والأسطورة الملفقة.
3- المقاومة كوريثة للنبوة… لا مجرد فاعل سياسي

قول أبو عبيدة: :“ورثة الأنبياء“ ليس تعبيرًا دينيًا مجانيًا، بل توصيف عقائدي للهوية الفكرية للمجاهدين.

ففي هذا التوصيف:

تُخرج المقاومة نفسها من صورة “الميليشيا المسلحة” أو “التنظيم المسلح”،

وتُقدّم ذاتها كامتداد حضاري لرسالات الأنبياء: في الصبر، والفداء، ورفض الظلم، والوقوف في وجه الطاغوت.

وهذا يجعل من فعلها فعلًا مشروعًا دينيًا وأخلاقيًا، يُنافس الرواية التوراتية، بل يُفندها ويُحطمها برمزية الواقع.
ثانيًا: عيد الأضحى ومفهوم الفداء في سياق المقاومة
       يُعدّ التزامن بين الخطاب العسكري لكتائب القسام وعيد الأضحى أكثر من مجرد مصادفة زمنية؛ إنه تقاطع بين رمزية دينية كبرى ومشهد واقعي بالغ القسوة، بين طقوس العيد وطقوس الشهادة، بين تكبيرات المساجد وتكبيرات المقاومين، وهو ما يمنح الخطاب بعدًا لاهوتيًا واستنهاضيًا مميزًا.
1- من إبراهيم إلى غزة: الفداء كتجربة يومية لا رؤيا عابرة
في قصة النبي إبراهيم عليه السلام، كما وردت في القرآن الكريم، يتلقى أمرًا من الله بذبح ابنه إسماعيل، فيختبر الطاعة والإيمان، ثم يُفدى الابن بكبش عظيم.
في السياق الفلسطيني:

لا تأتي الرؤيا في المنام، بل في مشهد الطائرات والقصف والانهيار.

ولا يُفدى الابن بكبش، بل كثيرًا ما يُفدى بالروح فعلًا، أو يُسلّم للمعركة، أو يُخرج من تحت الركام.

وإذا كان إبراهيم يُكرَّم لطاعته لله، فإن الأم الفلسطينية تُكرّم لصبرها واحتسابها، ولأنها ترد على المأساة بالتكبير، لا بالانهيار.
2- تكبير العيد كأداة مقاومة… الصوت في مواجهة الصوت
تكبيرات العيد، في هذا السياق، تتحوّل إلى سلاح صوتي ضد همجية الحرب:

التكبير ليس فقط إعلان فرح، بل إعلان نفي للهزيمة.

يُردّد في العيد لا لأن النصر تحقق، بل لأن الثبات تحقق، والثبات في وجه الهزيمة هو أول ملامح النصر.

وهكذا يتحوّل العيد من لحظة اجتماعية إلى لحظة نضالية، ومن طقس فردي إلى شعيرة جماعية للصمود، تُكرّس ثقافة الفداء كتعبير عن حضور العقيدة في وجه المحنة.
3-  العيد كمنظومة مقاومة… لا كسوة بل كرامة
في خطاب المقاومة، يُعاد بناء معنى “العيد”:

فالعيد ليس لمن لبس الجديد، بل لمن تطهر من الخوف.

العيد لا لمن ذبح الكبش، بل لمن ذبح الذل تحت جنازير الاحتلال.

العيد ليس توقيتًا مؤقتًا، بل حالة وجدانية دائمة يعيشها المقاوم مع كل تضحية وكل شهيد.

وبذلك تُعيد المقاومة تعريف العيد وفق قاموسها الخاص، وترفعه من كونه موسمية اجتماعية إلى مستوى الرمزية العقائدية والسياسية.

ثالثًا: الحرب النفسية كأداة استراتيجية: حين تتحوّل التوابيت إلى رسالة

في واحدة من أكثر فقرات الخطاب شحنًا وإثارة للانتباه، قال أبو عبيدة:

“ليس أمام جمهور العدو إلا إجبار قيادتهم على وقف حرب الإبادة أو التجهز لاستقبال المزيد من أبنائهم في توابيت.”

هنا ننتقل من البُعد الرمزي والديني، إلى ما يمكن تسميته بـ الهندسة النفسية للخطاب العسكري؛ فالمقاومة، ممثلة بلسانها الإعلامي، لا توجّه خطابها إلى الجنرالات فقط، بل تخاطب وعي العدو، وأعماق مجتمع الكيان الإسرائيلي ذاته، وتضرب عمودَه الفقري: وهم التفوق والطمأنينة.
1-  من المعركة العسكرية إلى معركة الوعي الجمعي
الحروب الحديثة لم تعد تُحسم فقط على جبهات القتال، بل في مساحات أخرى غير مرئية: الإعلام، الرأي العام، الإحساس الجماعي بالأمن، وفي حالة الكيان الإسرائيلي، تُبنى العقيدة الأمنية الصهيونية على عدة ركائز أهمها:

القدرة على الردع.

الحسم السريع.

حماية الجبهة الداخلية.

لكن خطاب المقاومة هنا يُسقط هذه الركائز الثلاث دفعة واحدة:

لا حسم عسكري بعد تسعة عشر شهرًا من الحرب.

لا قدرة على منع التسلل أو كمائن الأنفاق.

لا طمأنينة على الجبهة الداخلية بعد عودة التوابيت من غزة بشكل متكرر.

التوابيت هنا لم تعد مجرّد خسائر بشرية، بل تحوّلت إلى أدوات رمزية لهدم الثقة داخل المجتمع الصهيوني، وتحديدًا لدى الفئة المدنية التي أصبحت أكثر وعيًا بالثمن الباهظ للحرب.
2- التحريض النفسي الناعم على الثورة الداخلية
الجملة الأساسية في الخطاب تنطوي على دفع غير مباشر للمجتمع الصهيونيي إلى مساءلة حكومته:

من يقود هذه الحرب؟

إلى أين؟

ولماذا يستمر القصف رغم الفشل الميداني؟

من سيدفع ثمن المغامرة السياسية؟

اللافت أن الخطاب لا يستخدم لغة هستيرية أو صاخبة، بل يُصاغ بلغة تهديد محسوبة، تتجنب الشيطنة المباشرة لجمهور الكيان الإسرائيلي، وتوجّه الرسالة بلغة عقلانية:”إجبار قيادتكم” على وقف الحرب، لا تهديد الشعب نفسه، هذا ما يجعل الرسالة أكثر فاعلية وتأثيرًا في نفسية العدو.
3- الحرب النفسية كجزء من الردع غير المتكافئ
في ظل غياب التكافؤ التسليحي، تعتمد المقاومة الفلسطينية على ردع بديل، يُبنى على:

زعزعة ثقة الجمهور بعدالة الحرب.

تحويل القتلى من “شهداء واجب” إلى “ضحايا غطرسة سياسية”.

استخدام الإعلام كمرآة لكشف التناقضات الداخلية للمجتمع الصهيوني.

وهكذا تُقدّم المقاومة خطابها بوصفه فعلًا مقاتلًا موازٍ للرصاص والعبوات، حيث الكلمات تُصيب أهدافًا استراتيجية، وإن لم تُدمِّر مبانٍ أو دبابات.
رابعًا: الجغرافيا كعامل مقاوم: خان يونس وجباليا في مواجهة الغطرسة
حين ذكر الخطاب صراحةً العمليات في خان يونس وجباليا، لم يكن الهدف عرض مكاسب ميدانية آنية فحسب، بل كان تذكيرًا رمزيًا بأن الأرض التي تُقصف، تُنبت مقاومة، وأن الجغرافيا، بدل أن تكون عبئًا، صارت ساحة للمباغتة والتجدد.
1- خان يونس: من مدينة محاصرة إلى رمز للمناورة
       تُعد خان يونس واحدة من أكثر المدن التي نالها الدمار، لكنها في الوقت ذاته شكّلت واحدة من أكثر المناطق التي أربكت الاحتلال:

خلال العمليات في بدايات 2024، ظن جيش الكيان الإسرائيلي أنه “أنهى التمرد” فيها.

ومع ذلك، عادت المدينة لتفجّر عمليات تحت الأرض، وتقدّم مفاجآت ميدانية أرهقت الوحدات الخاصة الصهيونية.

وبالتالي، لم تُهزم المدينة رغم الحصار والتدمير، بل تحوّلت إلى شاهد على فشل المشروع الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي الذي كان يعوّل على “تفريغ الجغرافيا من روحها”.
2- جباليا: من الركام تُولد المقاومة
جباليا تُعد أكثر المخيمات استهدافًا بالقصف الجوي، وقد تمّ تسويتها بالأرض في أكثر من مرحلة،لكن المفاجأة التي حملها الخطاب، أن المقاومة عادت للعمل فيها من جديد، ما يشير إلى:

المرونة التنظيمية للمقاومة.

التحول الرمزي للمكان: فجباليا لم تعد فقط جغرافيا، بل أصبحت ذاكرة للدم والمقاومة، تُعيد إنتاج ذاتها رغم كل محاولة لمحوها.

3- الجغرافيا كعامل قيمي، لا فقط ميداني
هذا الاستخدام الرمزي للأماكن يُحيل إلى معادلة جديدة: الأرض في غزة لا تُقاس بمساحتها أو ثروتها، بل بقدرتها على المقاومة، وكل حارة أو مخيم قد يخفي خلفه:

عبوة ناسفة،

أو نفقًا،

أو حتى مقاومًا واحدًا يعيد تشكيل المعركة.

وهذا ما يجعل المعركة في غزة غير قابلة للحسم العسكري، لأن الاحتلال يُقاتل ضد إرادة متجذرة في الأرض، لا فقط ضد مقاتلين في الميدان.

خامسًا: العقيدة في مواجهة الغطرسة الدولية: المقاومة كصوت للمستضعفين
جاء في الخطاب: “يسطر مجاهدونا انتصار الفئة المؤمنة المستضعفة على الفئة الظالمة المتغطرسة.” هذه العبارة تعكس تحولًا لافتًا في بنية الخطاب المقاوم: من المقاومة كفصيل محلي، إلى المقاومة كرمز كوني، يُخاطب الضمير الإنساني ويستند إلى مفاهيم قرآنية عابرة للحدود.
1-  استدعاء قرآني مقصود: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”
الاستدعاء القرآني ليس فقط لتقوية معنويات الجمهور، بل لترسيخ:

مشروعية النضال.

وعدالة القضية.

موقع المقاومة كـ طرف أخلاقي في معادلة غير متوازنة.

وهذا يُقدّم المقاومة لا كحالة فلسطينية محلية فقط، بل كجزء من حركة إنسانية عالمية تُقاوم الظلم، وتستند إلى الإرادة الإلهية لا إلى توازن القوى الأرضية.
2- رسالة للعالم: التواطؤ الدولي كشريك في الجريمة
الخطاب لا يُخاطب العدو فقط، بل يوجّه تلميحات واضحة للعالم الغربي والدولي:

أن صمته عن المجازر هو صمت متواطئ.

أن ازدواجية المعايير أصبحت فاضحة.

وأنه، بتجاهله لمعاناة غزة، يُسهم فعليًا في إدامة الكارثة.

وبالتالي، المقاومة لا تشتبك مع الاحتلال فحسب، بل مع نظام دولي غير عادل، يتواطأ بالصمت والدعم والتبرير، ويغض الطرف عن واحدة من أطول جرائم الاحتلال العسكري الحديث.
3- المقاومة كحالة رمزية عالمية
في هذه القراءة، يمكن فهم المقاومة كـ:

مشروع أخلاقي ضد الظلم العالمي.

نموذج للثبات في عصر الانهيار.

حالة فكرية تتجاوز الفصائل والسلاح، إلى حالة نضال إنساني مفتوح لكل المستضعفين.

خاتمة: ما بين عيد الأضحى ونداء الدم… العقيدة أقوى من العربة
بين “عرفات” حيث يقف الحاج طالبًا الرحمة، و”جباليا” حيث يقف المقاوم حاملاً روحه، تتداخل الدلالات وتتوحد المفاهيم: الفداء، الطاعة، العبودية لله، ورفض الطغيان؛ في خطاب المقاومة هذا، لا نجد مجرد إعلان ميداني، بل نجد مشروعًا عقديًا-رمزيًا متكاملًا، يُخاطب الداخل والخارج، السلاح والعقيدة، الفرد والأمة.
وفي هذا العيد، لا يُمكن تجاهل الحقيقة الساطعة: أن هناك شعبًا يُعيد تعريف البطولة، والنبوة، والكرامة، والرمز؛ وأن الحجر، رغم بساطته، ما زال قادرًا على أن يهزم العربة، لأن الإيمان أقوى من الحديد، ولأن المقاومة، في جوهرها، ليست حدثًا عسكريًا… بل تجسيد حيّ لمعاني النبوة والتاريخ والعدل.
بقلم الأستاذ خالد الضيف شبلي
الايميل: [email protected]