بهادر نوكنده: ترامب: شخصية لا يمكن الاعتماد عليها

بهادر نوكنده: ترامب: شخصية لا يمكن الاعتماد عليها

بهادر نوكنده

في أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، انهار التحالف السياسي والاقتصادي بين دونالد ترامب، الرئيس الامریکا، وإيلون ماسك، الملياردير في مجال التكنولوجيا والمموّل الرئيسي لحملة الجمهوريين لعام 2024. هذه الأزمة لم تُؤثّر فقط على العلاقة الشخصية بين هاتين الشخصيتين البارزتين، بل خلّفت تداعيات خطيرة على مستقبل التشريعات الجمهورية، لا سيّما في ما يتعلّق بتمرير “مشروع القانون الكبير والجميل” الذي يُركّز عليه ترامب.تصرف الطرفين يُظهر ردود أفعال تُشبه المراحل الأخيرة من الانفصال.يبدو أنّ ترامب قد دخل في مرحلة “التقبّل”، حيث أعلن بدون أي انفعال أنه “لا يُفكّر حتى في إيلون”، ويبدو أنه لا يعتزم التحدّث معه مجدداً. ووردت تقارير تشير إلى أنّه ينوي بيع أو التبرع بسيارته “تسلا الحمراء” التي اشتراها من ماسك.في المقابل، يبدو ماسك عالقاً في مرحلة “المساومة”. فبعد أن اتّهمه ترامب بمحاولة تهديد عقود شركته مع الحكومة، أعلن ماسك أنه لن يسحب مركبة “دراكون” الفضائية التابعة لـ “سبيس إكس” من الخدمة، رغم تهديده السابق بذلك.وعندما نصحه أحد المتابعين عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً) بأن يبتعد قليلاً عن السياسة، ردّ قائلاً: “نصيحة جيدة”.يعتقد ماسك أنّ فوز ترامب في الانتخابات كان بفضل دعمه المالي الكبير. فقد أنفق أكثر من 290 مليون دولار على الحملة الانتخابية لعام 2024، مما جعله يُعتبر أكبر داعم فردي للجمهوريين.لكن سجل ماسك في التأثير على نتائج الانتخابات يبقى مضطرباً؛ فقد خسر مؤخراً رهاناً انتخابياً في المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن رغم إنفاقه 23 مليون دولار هناك.بعض المصادر وصفت سلوك ماسك الأخير بأنه نابع من شعور “بالإحباط”، إذ يرى الملياردير التكنولوجي أنه لم يحصل على النفوذ الذي توقعه مقابل ما قدّمه من تمويل.
وشبّه أحد المصادر ردّة فعل ماسك بـ”طفل أُخذت لعبته منه”.الاشتباك اللفظي بين ترامب وماسك أثّر بشكل مباشر على الأجواء التشريعية داخل الحزب الجمهوري في الكونغرس.مشروع القانون “الكبير والجميل”، الذي يسعى ترامب لتمريره، يتضمن تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرّت في فترته السابقة، بالإضافة إلى كبح النمو في نفقات برنامج “ميديكيد”.إلا أن ماسك انتقد غياب الرقابة المالية في هذا المشروع.ورغم أنّ معارضة ماسك لم تغيّر من مواقف التصويت – باستثناء السيناتور راند بول الذي كان معارضاً للإنفاق الزائد منذ البداية – إلا أن حضوره الإعلامي البارز قد منح بعض المتردّدين في الحزب الجمهوري أداة لتعزيز مواقفهم.
في المقابل، تؤكد مصادر مقرّبة من ترامب أنّه مُصرّ على المضي في المشروع “بغضّ النظر عن هذا العرض الجانبي غير المعقول”.
في تطور آخر، يسعى فريق ترامب لقطع التمويل الفيدرالي عن البحوث الجامعية في ولاية كاليفورنيا.وقد كشفت تقارير للكونغرس مؤخراً عن أنّ كلّ المنح البحثية الموجّهة إلى جامعات هذه الولاية باتت مهدّدة بالإلغاء.ويُعتبر هذا التحرك جزءاً من “حرب ترامب على النخبوية الأكاديمية”، وهجوماً مباشراً على غافن نيوسوم، حاكم كاليفورنيا والمُرشّح المحتمل لانتخابات عام 2028.وفي حين يرى بعض المنتقدين في هذا الإجراء دليلاً على “عداء ترامب للعلم”، يرى آخرون أنّ الرئيس يسعى فقط لمحاربة “ثقافة اليقظة” (Wokeness) وتقييد نفوذ المؤسسات الليبرالية في صنع القرار الفيدرالي.
أزمة ترامب وماسك: انعكاس لنمط سلوكي مُتجذّر
إنّ انهيار العلاقة السريع والمفاجئ بين ترامب وإيلون ماسك، ليس مجرد خلاف شخصي عابر، بل يُجسّد نمطاً سلوكياً عميقاً ومتكرراً في نهج ترامب السياسي – سواء داخلياً أو خارجياً – يقوم على النفعية، والاستبداد، والنزعة الفردية المفرطة.
لقد تعامل ترامب مع ماسك بنفس الطريقة التي تعامل بها سابقاً مع العديد من وزرائه، وحلفائه في الحزب، وحتى مع زعماء العالم:

ما دام الطرف الآخر خاضعاً لرغباته، يُحافظ على دعمه له؛

ولكن بمجرد حصول أي اختلاف، يقطع العلاقة أو يُضعفها فوراً، دون اعتبار لأي ولاء سابق.

في حالة ماسك، ورغم تقديمه دعماً مالياً بقيمة نحو 300 مليون دولار، لم يتردد ترامب حتى لبضع ساعات في النأي بنفسه عنه، بل صرّح قائلاً: “حتى لا أفكر فيه”.
هذا السلوك يكشف أن الولاء في منطق ترامب يسير في اتجاهٍ واحد: ولاء مطلق من الطرف الآخر، دون أي ضمان متبادل من جانبه.
ومن أبرز التحليلات في هذا السياق، أنّ ترامب لا يسعى لبناء شراكات مستدامة، بل يبحث دائماً عن صفقات قصيرة الأمد تقوم على مبدأ الربح والخسارة السريع.

ففي قضية ماسك، ما دام الدعم المالي والإعلامي والتقني يتدفّق باتجاه حملة ترامب، كان يصوّره بشكل إيجابي؛

لكن عندما بدأ ماسك بانتقاد مشروعه الضريبي أو هدد بانسحاب “سبيس إكس”، لم يُظهر ترامب أي ميل للحوار أو الدفاع، بل لعب دور “قاطع العلاقة”.

وقد تكرّر هذا النمط في السياسة الخارجية أيضاً: كالانسحاب المفاجئ من الاتفاق النووي (برجام)، وتخفيف الالتزامات تجاه الناتو، وتهديد الحلفاء، بل وحتى قطع التمويل عن منظمات دولية.
لدى ترامب نظرة “تملكية” للعلاقات، فهو يعتبر أنّ من يدعمه – أو من يدعمه هو – يصبح مديناً له إلى الأبد.
وفي حالة ماسك، عندما بدأ الملياردير بالتعبير عن اعتراضه، بدلاً من الحوار أو التفاهم، اختار ترامب أن يتخلى عنه فوراً.
والسبب واضح: في قاموس ترامب، الناقد خائن.
هذه الذهنية ظهرت أيضاً في تعامله مع إيران. فعلى الرغم من التزام طهران ببنود الاتفاق النووي، انسحب ترامب من الاتفاق، لمجرد أنّه شعر بأن الاتفاق “ليس من صنعه”، ويجب أن يُعاد تشكيله تحت سيطرته المباشرة.
إذن، سلوك ترامب مع ماسك ليس أزمة شخصية، بل هو نموذج داخلي يُعبّر عن نمط سلوكي يتمّ تطبيقه على المستوى الدولي أيضاً:

خيانة الحلفاء

تجاهل الاتفاقات

تقديم الولاء الشخصي على المبادئ أو العقود

استخدام العلاقات كأدوات مؤقتة لتحقيق المصالح

هذا النمط يجب أن يُشكّل إنذاراً استراتيجياً لأي دولة – خصوصاً دول مثل إيران التي قد تواجه ترامب مجدداً في حال عودته إلى السلطة – بأنّ الثقة بتعهّدات ترامب خطأٌ جوهري في الحسابات السياسية.
أستاذ جامعي وخبير في شؤون غرب آسيا