محمد جواد أرويلي: لماذا تعتبر إيران تخصيب اليورانيوم حقًا سياديًا لا يمكن التفاوض بشأنه؟

محمد جواد أرويلي
تُعد قضية تخصيب اليورانيوم في إيران واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في المشهدين الإقليمي والدولي اليوم، حيث تلتقي الطموحات العلمية بالحسابات السياسية، وتتصادم المصالح الوطنية في طهران مع المخاوف الغربية. وفي هذا السياق، أصبح إصرار الولايات المتحدة على وقف عملية التخصيب في المنشآت النووية الإيرانية عقبة رئيسية تعرقل مسار المحادثات بين طهران وواشنطن بوساطة عمانية.
إيران ترى ان اليورانيوم المخصب هو المكوّن الفعال في تشغيل المفاعلات النووية، ولطالما أكدت أن هذا المسار يخدم أغراضًا سلمية بحتة، كإنتاج الطاقة وتطوير الطب النووي والصناعة،وذلك في اطار معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).
ببساطة من دون التخصيب، لا يمكن لليورانيوم أن يولد الطاقة النووية المطلوبة لتشغيل المفاعل بكفاءة، فكما أن السيارة لا يمكن أن تتحرك بلا وقود، فإن البرنامج النووي بلا قدرة على التخصيب لا يكون ذا فاعلية، ويصبح مجرد واجهة أو هيكل فارغ.
ايران وخلال العقدين الماضيين طورت بنية تحتية متقدمة في مجال التخصيب، ووصلت في بعض الفترات خاصة بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي إلى مستويات تخصيب بلغت 60%.
وتؤكد طهران أن تخصيب اليورانيوم قد كلّفها ثمناً باهظاً يتمثل في العقوبات الاقتصادية واغتيال علمائها النوويين والتخريب في منشآتها، مما جعل منه رمزاً للكرامة والسيادة الوطنية في وجه الضغوط الغربية.
وتُصرّ إيران على أن تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية هو حق قانوني مكفول لها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) التي تُعد طهران من الدول الموقعة عليها منذ عام 1970. ووفقًا للمادة الرابعة من المعاهدة، يحقّ للدول الأعضاء تطوير الطاقة النووية السلمية، بما في ذلك امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، ومن ضمنها عملية التخصيب.
ومن هذا المنطلق تعتبر إيران أن أي مطالبة بوقف التخصيب خارج إطار هذه المعاهدة هو انتقاص من سيادتها وتعدٍّ على حقوقها الدولية، خاصة أن العديد من الدول غير النووية تملك منشآت تخصيب وتعمل ضمن الإطار القانوني نفسه. وترى طهران أن التنازل عن هذا الحق سيفتح الباب لمزيد من الضغوط المستقبلية، فضلا عن ان التخلي الطوعي عن التخصيب لا يعني فقط خسارة تقنية بل تفريطًا بسيادة لا يمكن تعويضها.
ثم ان إيران تعتبر امتلاكها لقدرات نووية متقدمة، وفي مقدمتها تقنية تخصيب اليورانيوم، يُشكّل شكلاً من أشكال الردع غير النووي. ووفقًا لرؤيتها الاستراتيجية، وانطلاقًا من عقيدتها الدينية التي تُحرّم إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل، ترى طهران أنها ليست بحاجة إلى صناعة قنبلة نووية. فهي تؤمن بأن امتلاك المعرفة النووية بحد ذاته، يشكّل قوة رادعة كافية، تضمن لها موقعًا متقدمًا في المعادلات الإقليمية والدولية.
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن تمسّك إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم ليس مجرد خيار تقني، بل هو تجسيد لمعادلة سيادية تراها طهران غير قابلة للتنازل أو المقايضة. فالتخصيب بالنسبة لإيران هو ورقة هوية وطنية، وعنوان لاستقلال القرار السياسي والعلمي، ومؤشر على رفض الوصاية.
وفيما تبقى المفاوضات مع الغرب مرهونة بإعادة تعريف مفاهيم “الضمانات” و”الحقوق”، فإن موقف إيران يبدو واضحًا: لا عودة إلى الوراء في ما تعتبره إنجازًا استراتيجيًا، بل سعي دائم لتثبيت هذا الحق ضمن إطار القانون الدولي، وبما يضمن أمنها ومكانتها في عالم يتغيّر باستمرار.
كاتب و صحفي ايراني