حمد التميمي: بين السياسة والموقف الدولي… هل famine مشكلة حقيقية أم خطة مقصودة؟

حمد التميمي: بين السياسة والموقف الدولي… هل famine مشكلة حقيقية أم خطة مقصودة؟

 

حمد التميمي

في عالم تُنفق فيه المليارات على التكنولوجيا والترفيه وصناعة الأسلحة، يعاني ما يقرب من 800 مليون شخص من نقص التغذية الحاد، مما يثير تساؤلات عميقة حول كيف يمكن للعالم الذي يدّعي التطور أن يسمح لهذه الكارثة بأن تتفاقم عامًا بعد عام. الجوع لم يعد مجرد أزمة إنسانية، بل تحول إلى ورقة ضغط سياسية تُستخدم بذكاء في لعبة المصالح الدولية وسط تجاهل عالمي مريب.
المجاعة الأيرلندية الكبرى التي وقعت بين عامي 1845 -1852 كانت مثالًا حيًا على كيف يمكن للسياسات الحكومية أن تعمّق أزمة الجوع بدلًا من حلها، إذ لم يكن السبب مجرد ندرة المحاصيل، بل لعبت السياسات القاسية دورًا حاسمًا في تفاقمها، مما أدى إلى وفاة أكثر من مليون شخص. اليوم، يتكرر السيناريو ذاته، ولكن بأساليب أكثر تعقيدًا، حيث يُستخدم الغذاء كأداة ضغط اقتصادي وسياسي في النزاعات الدولية.
تقرير منظمة الأغذية والزراعة لعام 2024 كشف أن الجوع العالمي في تصاعد مستمر، حيث يعاني حوالي 20% من سكان إفريقيا من نقص التغذية الحاد، بينما في مناطق النزاع مثل اليمن وأفغانستان والسودان، أصبح تأمين الطعام تحديًا يوميًا بسبب ارتفاع الأسعار وضعف العملة وغياب الدعم الإنساني، مما جعل الغذاء سلعة رفاهية بدلًا من حق أساسي.
فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أكد أن واحدًا من كل عشرة أشخاص في العالم يعاني من الجوع، محذرًا من أن تغير المناخ قد يدفع 80 مليون شخص إضافي إلى براثن الجوع بحلول عام 2050. جامعة هارفارد أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف يمكن أن يؤثر مباشرة على إنتاج الغذاء العالمي، مما يزيد من عدم استقرار الأمن الغذائي، وهو ما أكدته جامعة كامبريدج التي درست تأثير التضخم على ارتفاع أسعار الغذاء، مشيرة إلى أن الملايين قد يصبحون غير قادرين على شراء الطعام خلال العقد القادم.
لكن هل يمكن للعالم أن يستمر في تجاهل هذه الأزمة دون عواقب؟ تفاقم الجوع لا يؤثر فقط على الأفراد، بل يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار العالمي، حيث تدفع المجاعات الشعوب إلى النزوح، وتغذي الصراعات المسلحة، وتعمّق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة. حين تنهار أنظمة الغذاء، ينهار معها الاقتصاد والصحة وحتى الأمن الاجتماعي.
الجوع لم يعد مجرد نتيجة للفقر، بل تحول إلى سلاح سياسي يُستخدم في النزاعات الدولية. في بعض الدول يُقيَّد وصول المساعدات الإنسانية لأسباب سياسية، بينما يتم تخزين الغذاء بدلًا من توزيعه أو حتى التلاعب بإمداداته للضغط على السكان. جامعة أكسفورد نشرت أبحاثًا حول كيفية استغلال القوى الكبرى للأزمات الغذائية كأداة سياسية، مؤكدة أن بعض الحكومات لا تسعى لحل الأزمة بل تستخدمها كورقة ضغط جيوسياسي.
رغم هذه الصورة القاتمة، هناك حلول يمكن أن تحقق فرقًا حقيقيًا في مكافحة أزمة الجوع، ولكنها غالبًا ما تصطدم بالعوائق السياسية والاقتصادية. زيادة الاستثمار في الزراعة الذكية يمكن أن يساعد على مواجهة تأثيرات التغير المناخي على إنتاج الغذاء، حيث تعمل تقنيات الري الذكي والمحاصيل المعدلة وراثيًا على تحسين الإنتاج الزراعي وتقليل الهدر. تجربة التوزيع عبر تقنية البلوك تشين قد تضمن وصول المساعدات إلى المحتاجين دون تدخلات سياسية أو فساد، وهو ما بدأت بعض المنظمات في تجربته لضمان شفافية إيصال الغذاء.
تحسين سياسات التجارة العالمية قد يحد من التلاعب السياسي بالغذاء، حيث يمكن للدول وضع قوانين تمنع استخدام الغذاء كسلاح اقتصادي. الضغط الدولي على الحكومات والمنظمات لمعاملة الأمن الغذائي كأولوية وليس مجرد بند في التقارير السنوية يمكن أن يغير طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة. تمكين المجتمعات الفقيرة عبر دعم المشاريع الزراعية الصغيرة بدلًا من الاعتماد على الإمدادات الخارجية يمنح السكان المحليين القدرة على زراعة طعامهم وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما أثبت نجاحه في دول مثل رواندا التي انتقلت من أزمة غذائية إلى نموذج زراعي ناجح.
التوقعات تشير إلى أن أزمة الجوع لن تختفي قريبًا، بل يتوقع أن تستمر مع انخفاض حاد في التمويل الإنساني. في ظل الأزمات الاقتصادية والصراعات المستمرة، يبدو أن العالم أمام واقع أكثر قسوة، حيث يصبح الجوع أزمة مزمنة بدلًا من حالة طارئة تستدعي الحلول العاجلة.
السؤال الحقيقي هنا ليس عن متى سينتهي الجوع، بل متى سيتوقف العالم عن تجاهله والتعامل معه كخبر موسمي، لأن الاستمرار في تجاهله قد يجعل التقرير القادم يحمل أرقامًا أشد قسوة، أو ربما لن يكون هناك من يقرأه أصلًا.
كاتب قطري