من أعماق المآسي إلى غزة: أوشفيتز القرن الحادي والعشرين وكتائب القسام التي تدوس على كرامة الرايخ الثالث الإسرائيلي.

من أعماق المآسي إلى غزة: أوشفيتز القرن الحادي والعشرين وكتائب القسام التي تدوس على كرامة الرايخ الثالث الإسرائيلي.

خالد شحام
تبا للطحين!  تبــا للمعلبات وقوافل المساعدات! تبــا للمفاوضات والوساطات والعبارات الدبلوماسية الميتة، تبـا للروبوتات الناطقة بإسم البيت الأبيض والكائنات الدنيئة المنادية بحق الدفاع عن النفس! تبا لأجهزة التنفس وحليب الأطفال وغسيل الكلى وأدوية السرطان، تبــا لكم جميعا وللاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن وجامعة العرب والفيتو الأمريكي والقوانين الدولية والرئيس البرتقالي، تبا للصين وروسيا وأسواق التجارة العالمية والبنك الدولي ومحكمة العدل الكبرى، تبــــا للهوان والضعف والتخاذل وتبـا لحراس المستعمرات والبوابات، تبا لكم إلى أن تشتعل السماء والارض فوقكم ويأتي حجر من السماء ليطهر الأرض منكم، تبا لامراء الملذات وجيوش المعادن النادرة ودبابات الربا ، تبا للجيش الذي لا يحمي بيروت الجريحة ولا يذود عن جسدها المغتصب، تبا  للمحرر الجديد  الذي ترك المندوب الأمريكي يصول ويجول في جبال سوريا المسروقة ليعاين فتح دمشق المهزومة، تبا لورق التواليت رقم  1701 ورقم  242 وفض الاشتباك للعام 74، أين أنت يا حارس الضاحية ولماذا تخليت عنا وتركتها بلا يدين؟
لا يزال يوم القيامة عاقدا  في غزة، حيث يمكنكم مشاهدة النسخةَ التدريبية من يوم الحشر ويوم المسبغة ويوم الأواني المفرغة، وجوه ضاحكة مستبشرة وأخرى ترهقها قترة وعيون لم تنم منذ شهور مطولة، قيامة معقودة  بين المجنزرة  ومقاتل فلسطيني يركض حافيا ليفترسها مثل القسورة، قيامة قائمة بين الشعب الذي يتضور جوعا وفوهات البنادق الأمريكية التي تقتل كل من يقترب قيد مسطرة، قيامة  يتدفق فيها نهر الأرواح ويحلق فوق رؤوس الأمة المسخرة.
يطل علينا  “قائد الأركان الاسرائيلي “إيال زامور” بوجهٍ ذي تقاطيع إجرامية وعضلات مفتولة وصدر منتفخ بعرض المتر وهو يرتدي درعا سميكا وبذلة من التجهيزات العسكرية اللازمة للهيبة الكاذبة ، والمناسبة هنا هي الاسترجال على شعبٍ محاصر أعزل وممارسة القتل والذبح الممنهج دون رادع أو وازع ، لم يكن يلزم الجنرال سوى وضع جمجمة صغيرة لطفل فلسطيني على كتفه الأيمن وأخرى على كتفه الأيسر كي تصبح بذلته كاملة متكاملة ، من يرى هيئة هذا المجرم وجنوده المجرمين  ومدى استعدادتهم للحرب يكاد يعتقد فعلا بأنهم يواجهون حربا متكافئة، أما الحقيقة التي يرويها الميدان فهي تؤكد بأن هذا الجيش  يواجه أطفالا نزلت أوزانهم الى النصف من الجوع وسوء التغذية ، و يواجه أمهات ثكالى فقدن كل معالم الحياة وشحبت وجوههن وانفطرت أفئدتهن من فظائع الجريمة التي يرتكبها زامور وعصابته ، يواجه مقاتلا حافيا ربما لم يأكل شيئا منذ أيام وينتظر بين الركام منذ أسابيع وكل ما يحمله هو قذيفة مصنوعة محليا بكلفة رغيف خبز.
الجنرال المذكور لا يشابهه إلا جنرالٌ مشابه  تماما يدعى آزوغ  ، والجنرال آزوغ  المختار يقود الرايخ الاسرائيلي الثالث لارتكاب أقصى كبائر العصر كي يعيد للإمبراطورية اليهودية أمجادها المعاصرة حسبما يشي له رئيسه الذي علمه الإجرام ، آزوغ الاسرائيلي أضاع  داخل غزة  كل خزان أهدافه وصارت الحرب والبذلة الباهظة والدبابة والطائرة تبحث عن موظف بلدية لتقتله لأنه يشكل تهديدا لأمن اسرائيل ، صارت أكبر إنجازاته استعادة جثة متحللة  لمواطن  تايلندي من نفق مهجور بعد عملية استخبارية كلفتها مليون دولار وزمنها ألف شهر، صارت جيوشه الجديدة حفنة من اللصوص الخونة الذين يقودهم سرا رئيس السلطة ، صار خزان الأهداف الجديد يتضمن أشياء من مثل أم تبحث داخل ركام بيتها عن بقايا ملابس لأطفالها، أو طفلة تنام في خيمة في عز الظهيرة، أو صحافي يقوم بتغطية الجريمة في مواقع الحرق والقتل والابادة ، بنك الأهداف الخطيرة جدا على أمن اسرائيل المزعومة هو حفنة طوابير من البشر الذين أكل الجوع لحمهم ، موضبين في سياج شائك أنبوبي الشكل يذكرنا بأوشفيتز القرن الحادي والعشرين، يذهبون لأجل حفنة من طعام ويعودون على شكل حفنة من أشلاء ، أو اطفال يلهون في شارع الوحدة يعودن لأمهاتهم  انصافا او أرباعا من جسد ، هذا  هو جيش الرب الجديد الذي لا يستحق سوى البصق عليه وشويه على أسياخ الحديد.
في الوقت الذي يمارس فيه قائد الرايخ الثالث جريمته داخل غزة، تتسلى الأمـة النائمة بحدثي الحج وعيد الأضحى اللذين نُسيت معانيهما، في داخل الإسلام ثقافةً وعقيدةً  ُصمِّمت  العبادات لتقود الإنسان إلى الفضيلة ولتصنع من الإنسان طاقة متفاعلة منتجة حاضرة في كل لحظة لتمنحه رخصة المبادرة  حيال ما يمس الإنسان والدين ومعاني وجوده التي أقرها الخالق، لكن عندما تفقد العبادات معانيها وتتحول إلى مجرد  قشرة فستق فارغة المعنى والطعم  والثمرة ، يصبح منتوجها السلوكي والتأثيري والكوني صفرا، أرجو ألا يفهم أحد بأنني أتجرأ أو أنقص من شعائر الحج العظيم أو أبتلع  أجر من قصد طريق الله ، لكنني أشير هنا إلى أن العقم الكبير الذي يغشى كل عبادات الأمـة ويمنعها من التدافع نحو غايات ومقاصد الصلاة والزكاة والحج الحقيقية  إنمــا تحول إلى رخصة إعفــاء وضحك على الوعي للتبرؤ من العجز وتبرير القفص الكبير الذي يقيم فيه عقل الأمة الجمعي،  لكن فداحة الألم داخل غزة كسرت كل العوائق وتحولت إلى المفتي العام للزمن المعاصر، تفوقت فداحة الألم علينا جميعا وأرسلت نسختها الخاصة من العيد والحج والشعائر التي تقود إلى صناعة الإحسان في ثنايا هذا الكون، ففي صبيحة يوم الجمعة مارست كتائب القسام شعيرة رمي الجمرات في بني سهيلا في خانيونس ومن قبلها في الشجاعية ، ودكت جنود آزوغ  وأذلت جنود الرايخ الثالث  وأعادت التهليل للنداء الخالــد في مكانه الصحيح: لبيك الله  لبيك، ثم قدمت العيدية التي تليق بكل إنسان عربي حر وشريف يعيش في هذا الزمان.
ومن جهته أرسل اليمن وفده الخاص إلى الحج الأعظم بسرعة فرط صوتية إلى مطار اللــد وسمعنا جميعا تهليلات المناجاة الجديدة التي تنتج من تدافع الجرذان إلى الجحور خوفا من الموت وهذه أكثر أثرا وغبطة ً على أسماعنا  من كل تهليلات العرب والمسلمين، أما التكبير الجبار فقد كان صداه يتردد مع زئير الفرط صوتي  في سماء فلسطين: الله أكبر ولله الحمــد، حيث كبرنا جميعا وهللنا وقلنا  لبيك اللهم لبيك ، وحج اليمن مبرور وسعيه العظيم مشكور.
لا ننسى قوافل الحجيج الجديدة إلى غزة التي تتوجها سفينة مادلين التي تتحرك اليوم إلى شواطىء غزة ، وهي الرحلة السعيدة مهمــا كانت نتائجها، سفينة مادلين ليست مجرد سفينة أخذت على عاتقها المجازفة بالموت لتصل إلى غزة، إنها أيقونةٌ لصحوة عالمية تولدت لتكسر صلابة القوقعة الاسرائيلية ، وتكسر لؤم معبر رفح وتواطؤ النظام العربي  وشراكته في الجريمة التاريخية ، خطبة الحج الجديدة قدمها أبو عبيدة حاكم فلسطين عندما شرح مصير المخربين ، وقدمها العميد البطل يحيى السريع عندما أعلن بأن اليمن مع فلسطين حتى النهاية ، وقدمتها ياسمين الناشطة الإنسانية من على سفينة مادلين في عرض البحر وقالت بأنه حان الوقت لنكسر صمت العالم عن الجرائم في غزة، كل هذه الخطب العظيمة حلت تلقائيا في وجدان الأمــة  مكان خطابات الزيف والتخدير والدجل على الله ورسوله وشعوب المنطقة في يوم الحج الأعظم.
إن دوي الحج والعيد الذي تصرخ به غزة ، تجاوز كل المعاني المعلبة التي أكل عليها الدهر وشرب وهرم  ومات، إنه دوي يفضح ويعري كل واقعنا وكل انماط حياتنا وكل عاداتنا وتقاليدنا ومعاشنا وعباداتنا ويثبت أن كل ذلك أصبح عديم المعنى وعديم الطعم وعديم التأثير ويجب أن تدب فيه روح جديدة ليعود له المعنى  والاحساس بالوجود، معالم الحج الجديد والعيد الجديد الذي ترتاده كتائب القسام وبطولات اليمن وشرفاء العالم الحر و سفينة مادلين تحولت اليوم إلى حدث الحج الأعظم لمن يريد أن يتقرب إلى الله صاعدا  من الفج العميق إلى ممرات غزة العظيمة برا وبحرا وجوا  ، لقد أسقطت هبة الشعوب الغربية التابوت العربي والإسلامي الذي تتحنط فيه القوى الشعبية وأدانت عجزها وتقاعسها وخوفها السرمدي من أنظمة الجبروت العربي وهراوة القمع التي تحرس اسرائيل ، لقد عرت شعوب الغرب الكافرة  شعوب العرب المؤمنة ، ليس لأن القومية العربية فيها عورة أو ان الثقافة الاسلامية عجزت عن إنتاج الجيل المنيع والقادر على المواجهة ، بل لأن هذه الشعوب تم نقعها في  ماء المجارير سبعين سنة طوعا وكرها  حتى خرجت بهذا العجز والهوان الذي نراه اليوم  وأصبح لزاما جرفها واستبدالها ،  غزة اليوم  تحولت إلى أتون مستعر من مستعرات السوبرنوفا الكونية في معاني الحرية والانفلات من النظام الصهيوني الذي يحكم قبضته على كل هذا العالم من أنظمته السياسية إلى مؤسساته المالية والتجارية والتعليمية والصناعية ، إن غزة تقرع خزان الاستعباد الذي ننام فيه منذ عقود طويلة لعل هذا العالم يصحو ويستفيق على ما تفعله الصهيونية به وما تستولي عليه من حقوق البشر والشعوب والدول ، أضاحي العيد ليست تلك الخراف المسكينة ، بل هي  الخراف في حظيرة الغوييم ، وثنيين ننتظر التطهير والذبح على اليد الاسرائيلية وفقا لمنطق الحج العربي الذي يناسبهم تماما بتخليه عن مهامه التاريخية ومسؤولياته المصيرية.
لقد عاشت الأنظمة العربية حالةً من الاستقرار المتأرجح طيلةَ سنواتٍ عديدة تحرس فيها شعوب العرب وتشتغل فيها تضليلا وقمعا وبقاءا تحت خطوط البداوة والهوان والضعف والفقر والتبعية العمياء لمؤسسات الاستعمار القديمة ، لقد طال الأمد على هذه الأنظمة وعلى كل حيلها وألاعيبها وأداوت قمعها التقليدية ، لقد أقلعت طائرة التغيير الطارىء وسقط كل ذلك ولم يعد يناسب الموجة الهادرة القادمة من فوهة التاريخ ، ومن يراهن على موات الشعوب وانقطاع الهواء عنها فهو واهم ولا يدرك الحكمة  ، لم يعد من الممكن ان يصنع المال حكاما أو قادة ، لم يعد من المتاح في التيارات الهوائية الصاعدة أن منح ثروات الشعوب إلى جلاديها ومغتصبيها يمكن أن يثبت حكما أو يمنح أمانا ،  لم يعد من المتاح أن تمنح الولايات المتحدة السيادة أو الملكية لأحد لأنها هي نفسها ذاهبة إلى الهاوية وكل أسسها مبنية على شفا جرف هار ، لقد أيقظت غزة كل مواجع العالم وسوف تتسبب في هزات ارتدادية لكل الآنظمة البالية التي نعرفها عربيا وعالميا ، لم يعد ينفع الفيتو الأمريكي وسوف يسقط ، لم يعد من معنى لمجلس امن عالمي متواطؤ وعاجز عن وقف المذبحة المستمرة منذ عشرين شهرا ، لم يعد من فائدة لقوانين دولية يدوسها جيش من عصابات الشاذين والمنحرفين ، لم يعد من معنى لمحكمة عدل أو جنايات ترتشي بالخوف أو المال، لم يعد  من معنى لمؤسسات دينية عالمية كبيرة ، إسلامية أو مسيحية تحولت إلى أصنام عاجزة عن نداء الضمير لإيقاف أكبر مذبحة بشرية تدوم عشرين شهرا ، لقد آن الأوان لسقوط كل ذلك والحصول على المستحقات والثمن للدم الهدار الذي سال في تراب غزة العزة.
استمري يا كتائب القسام  واشعلي تراب غزة ، استمري حتى النهاية ،  لأننا إن تعبت سننتهي معا ، استمري  واخطفي نجمةً بيضاء وضعيها فوق الجزيرة العربية لتضيء حلكة ليالي العرب  وتنير درب الحجاج الجديد ليأتوا إلى غزة من كل فج عميق ، استمري في الايلام  والضرب بالنار لأننا لن نعود إلى بيوتنا عند المساء إذا سقط سلاحك ولن يكون حجٌ ولا عرفة ولا تشريق ولا تروية  ولن نشرب قهوة السهرة  ولن نطالع صحف الصباح ، استمري يا كتائب البطولة في احتمال الألم وابتلاع السقم فكل اعيادنا بين يديك وكل مصيرنا تحت قدميك ، استمري يا طيور النار اليمنية  ، واشهر وجهك العربي يا عبد الملك ليشرق على فلسطين من النهر إلى البحر ، لأننــا بدونك فنحن حفنة من رماد تذروها الرياح الاسرائيلية .
كاتب عربي فلسطيني