مهدي مبارك عبد الله: مشروع إستر.. استراتيجية صهيونية أمريكية لتقويض دعم القضية الفلسطينية

مهدي مبارك عبد الله: مشروع إستر.. استراتيجية صهيونية أمريكية لتقويض دعم القضية الفلسطينية

 

مهدي مبارك عبد الله
سمي هذا المخطط الاجرامي بمشروع إستر على اسم الملكة التوراتية او البطلة اليهودية التي يقال انها أنقذت شعبها من الإبادة الجماعية في التاريخ القديم مع أن معظم علماء الكتاب المقدس يجمعون على أن قصة إستير ملفّقة أو في أحسن الأحوال مجازية ولم تقع أحداثها فعلا لا في بلاد فارس ولا في أي بلاد أخرى والشريحة الصهيونية الأكثر أصولية وتزمت هي فقط التي تتمسك بهذه السردية وتتعامل معها كحدث تاريخي حقيقي مع أنّها خرافة محضة لترويج ايدولوجيتها ومصالحها.
بعد عودة الرئيس ترامب الثانية للبيت الأبيض في كانون الثاني 2025 تبنت ادارته الافكار والسياسات المستمدة من ( مشروع إستر ) سيئ السمعة كخطة سياسية لإحكام السلطة التنفيذية في امريكا من اجل بناء نماذج ( الديستوبيا اليمينية ) وهو مفهوم يستخدم لوصف رؤية مستقبلية سلبية للمجتمع غالبًا ما يتميز بتأثيرات سلبية للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة أو اليمينية البديلة مثل العنصرية ومعاداة السامية ومعاداة النسوية أو القومية البيضاء وهي الاكثر تطرف على الإطلاق حيث ترعاها مؤسسة التراث ا بين انصار ترامب وابناء الجالية اليهودية واليمين المتطرف.
المشروع صدر في أكتوبر 2024 خلال ولاية الرئيس الامريكي السابق غير المأسوف عليه جو بايدن حيث بدأت الإدارة الأميركية الجديدة بتنفيذ توصيات المشروع بشكل تدريجي كأساس لتجريم أي معارضة للإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني بوحشية في غزة وتصوير الناشطين الفلسطينيين وأنصارهم داخل أميركا كجزء من شبكة دعم عالمية لحركة حماس وشيطنتهم اضافة الى الحد من الحراك المؤيد للقضية الفلسطينية تحت ذريعة مكافحة معاداة السامية والكراهية لليهود كشعار عام للمشروع الخبيث.
في اطار التطبيق العملي يتحدث المشروع عن استراتيجية شاملة تقوم على تقييد التمويل المالي وفرض عقوبات قانونية مغلظة وتجميد أصول المؤسسات التي تدعم قضايا التحرر والتركيز على حرمان الجامعات من التمويل الفيدرالي إذا لم تقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين وتجريد الطلاب والأساتذة من وضعهم القانوني وسحب التأشيرات من الطلاب الدوليين أو الأجانب والأساتذة وفرض رقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي لمنع انتشار ما يعتبر دعاية معادية للسامية والذي يشمل اولا المحتوى المناهض للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة يحشي زعمهم.
 اضافة الى محاصرة وترهيب اصحاب وجهات النظر المناهضة للاستعمار في نظام التعليم الأميركي والحد من نشر المعلومات ذات الصلة وتقييد وصول المدافعين عن حقوق الإنسان إلى مراكز هامة في المجتمع الأميركي والمؤسسات الاقتصادية والكونغرس والوظائف العامة بالإضافة إلى مساعٍيهم الى ترحيل المقيمين الشرعيين في امريكا لأنهم عبروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين وكذا تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس وتخويف المحتجين المحتملين من التعاطف معها او الانتماء لها.
الملاحظ انه رغم اهتمام الادارة الامريكية البالغ بالمشروع وتقديمه بطريقة وطنية جذابة ومخادعة إلا أن العديد من المنظمات اليهودية الأميركية رفضت دعمه وأكدت أنه خطّة مُحكمة تهدف إلى قمع الحريات السياسية والمدنية وانه غير معني مطلقا بحماية اليهود وان الادارة الامريكية الجديدة تسعى إلى استغلال الصهيونية لتحقيق أهداف سياسية متطرفة داخل الولايات المتحدة ولذلك لم تشارك أي من المنظمات اليهودية الكبرى في صياغة بنود المشروع وحذر قادة يهود أميركيون بارزون من تبعاته.
 إدارة الرئيس ترامب تستخدم شماعة حماية اليهود كهدف رئيسي وفي الحقيقة يأتي تبني هذا المشروع من قبله كجزء من استراتيجية أوسع تسعى إلى تعزيز النفوذ السياسي للمحافظين المتطرفين وتقويض الحقوق الدستورية للأمريكيين بدءا بحرية التعبير والصحافة الى مسارات التعليم العالي عبر تبرير قمع الاحتجاجات ضد إسرائيل في الجامعات والمؤسسات العامة مستغلين القضية الفلسطينية لإعادة تشكيل المشهد السياسي الأميركي وفق أجندة قومية يمينية محافظة تهدف في الاساس إلى تدمير حركة التضامن مع الفلسطينيين وتقييد النشاط ضدّ السياسة الأميركية الخارجية والمحلية على حد سواء والقضاء على كل النشاطات والقوى المناهضة للإمبريالية الأميركية في الخارج وتحقيق تفوق وسيطرة العرق الأبيض في كل مفاصل الدولة.
الحقيقة ان طرح مثل هذه المشاريع ذات الايديلوجيا المتطرفة ليس بالجديد ولطالما تبنتها الحركة الصهيونية وإسرائيل ومؤسسات ومنظّمات وصناديق تمويل بالتحريف والتزييف تحت شعار معاداة السامية لسحق المساندة الشعبية للحقوق الفلسطينية بالكامل وتشويه سمعة حركة حماس والتأكيد على انها منظّمة إرهابية ومهاجمة وتخوين المنظمات الداعمة للحقوق الفلسطينية ومنع نشاطاتها وتصويرها على أنها داعمة للإرهاب وهذه التهمة تجعل من المستحيل على تلك المنظّمات جمع الأموال بشكل قانوني من دون التعرض للمساءلة وقد حظي المشروع بتفاعل سلبي واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن سلسلة تغريدات طويلة باعتباره مشروع يهدف الى تسريع تعبئة الصهاينة واليمينيين المعادين للسامية الذين تشجعوا بعد فوز ترامب لتنفيذ سياساتهم العنصرية.
اللافت هنا ان نشاط المشروع التحريضي وتفكيره التأمري ينصب تركيزه الأولِي بشكل مباشر جداً على المؤسسات الأكاديمية الأميركية ( الجامعات والمدارس ) ويتمحور ايضا حول المسلمين الأميركيين عموماً وعلى نحو خاص متابعة نشاطات تنظيم طلاب من أجل العدالة في فلسطين ومنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام مع محاولة تصوير الحركة الداعمة للحقوق الفلسطينية انها تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية ويهددون الديمقراطية ليثبتوا بلا دليل أن داعمي القضية الفلسطينية هم عصابات اجرامية من كارهي اليهود وإسرائيل وأميركا وجميعهم متحالفون مع الحركة التقدمية اليسارية الأميركية المعادية وفي الوقت نفسه من الواضح أن المشروع يعيد صياغة مفهوم الأمان على نحو يجعل أي تعبير عن التضامن مع القضايا الفلسطينية عرضة للمساءلة والمحاسبة وكذلك ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية سوى أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت للتدمير العسكري الممول من أميركا من هنا انطلقت فكرة ضرورة اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من اعماق المجتمع الامريكي رغم انها غير موجودة اصلا هنالك بشكل فاعل.
 مهندسو مؤامرة مشروع استر تحركهم ( مجموعات إنجيلية مسيحية ) حاقدة وضعت وثيقة اشبه بلائحة سوداء تضمنت اسماء العديد من المسؤولين والسياسيين والفنانين والمثقفين والكتاب والصحفيين والمشرعين والقضاة ورجال الاعمال والرياضيين وسواهم في امريكا ووجهت بأصابع الاتهام نحوهم باعتبارهم يدعمون حركة حماس والحقوق الفلسطينية مثل رشيدة طليب وإلهان عمر وكوري بوش وجمال بومان وسمر لي وأيانا بريسلي وغيرهم الكثيرين مما لا يتسع ذكرهم هنا.
البروفيسور جوزيف هاولي من جامعة كولومبيا يهودي مناهض للصهيونية يصرح علنا بان الصهاينة اليمينيون ارادوا لسنوات أن يجعلوا من أي يهودي مناهض للصهيونية أو غير صهيوني وينتقد إسرائيل أنه خارج عن القانون ولقد نجحوا في جعل الجامعات تتبنّى هذه السياسة والآن يريدون جعلها قانوناً فيدرالياً وما إن يتحقّق ذلك حتى يتضح أن الهدف المخفي هو خنق كل معارضة محتملة والبداية فقط مع المتضامنين مع فلسطين ثم الوصول الى كافة المستهدفين داخل المجتمع الامريكي.
اما المديرة التنفيذية لمنظّمة الصوت اليهودي من أجل السلام ستيفاني فوكس فقد بينت إنه لم يكن من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الدفاع عن تنظيم التضامن الفلسطيني هو أحد أهم الخطوط الأمامية للدفاع عن الديمقراطية اليوم وللأسف من يقود المبادرة المكارثية اليوم هم القوميون المسيحيون الذين يهددون بشكل مباشر سلامة وحرية جميع الأشخاص المهمّشين من ضمنهم جاليات وأعراق متنوّعة والأقلّيات الدينية والنساء.
الأحدث في سلسلة تحركات إدارة الرئيس الأميركي ترامب الانتقامية ضمن مفاهيم هذا المشروع  القرار الذي اتخذته مؤخرا ضد أقدم مؤسسة للتعليم العالي في أميركا حين الغى حق جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب ما يعرض مستقبل آلاف الطلاب للخطر وتكبيد الجامعة المرموقة خسائر مالية ضخمة لا قدر لها بها.
بصورة علنية ومباشرة ترامب لم يخفي غضبه العارم إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل وذلك لرفضها اخضاع طلبتها وموظفيها للرقابة في القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية وتعزيز العنف ودعم وتحريك ما سماه ( ايديولوجيا اليقظة ) اضافة الى اتهامه اياها بالتنسيق مع عناصر الحزب الشيوعي الصيني في حرمها الجامعي ( يشكل الطلاب الصينيون أكثر من خمس إجمالي عدد الطلاب الدوليين المسجلين في هارفرد ) ويأتي هذا القرار عقب خطوات عدوانية اتخذتها إدارة ترامب ضد جامعات اخرى احتج فيها طلاب ضد إسرائيل بسبب حربها الاجرامية في غزة.
ربما يكون من المفيد ان نعيد ونكرر بان ( مشروع استر ) يساوي بين معاداة الصهيونية وانتقاد إسرائيل ومعاداة السامية بل حتى ومعاداة أميركا نفسها ويصور الملايين من الأميركيين الذين يعارضون العدوان الاسرائيلي غلى غزة  ودعم الولايات المتحدة له على بأنهم ( انتهازيون ممولون من الخارج ) ومواطنين غير اصيلين كما يهدف المشروع في طياته الخطيرة إلى معاقبة كل منتقدي إسرائيل وتدمير حركة التضامن مع فلسطين كخطوة أولى نحو سحق المعارضة الشعبية الامريكية بكل أشكالها والتي تعارض تفوق العرق الابيض والهيمنة العسكرية والإمبريالية الأميركية على المستوى الداخلي و الدولي وقد يكون هناك مجموعة صغيرة جداً من الأشخاص سيكونون في مأمن من اضرار المشروع العظيمة واخطاره الجسيمة إذا لم يوقف القضاء الامريكي العمل به عاجلا.
بعد حادث معهد التراث اليهودي في العاصمة واشنطن وقتل اثنين من موظفو السفارة الإسرائيلية علق ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشيال انه من المحزن أن تحدث مثل هذه الأمور التي تستند بوضوح إلى معاداة السامية وكراهية اليهود وفي ذات السياق قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ان ما حادث في واشنطن جريمة قتل مروعة تؤكد نهج المعاداة للسامية والتحريض على معادٍة اسرائيل من قبل زعماء أوروبيين حيث وقّع قادة  كل من ( المملكة المتحدة وفرنسا واسبانيا وكندا في وقت سابق رسالة مشتركة شديدة اللهجة تدين ممارسات إسرائيل ) في غزة.
ختاما نؤكد ما يتوجب فهمه محليا ودوليا ان إدارة ترامب وهي تتبنى وترعى هذا المشروع الشرير وتدفع به قدما نحو التنفيذ والتعميم والسيطرة لم تكن مدفوعة بالقلق الحقيقي الذي تدعيه من معاداة السامية او كراهية اليهود وسواها من المبررات الواهية بل جاءت تلك الرغبة والحماس في إطار( خطة قومية مسيحية بيضاء ) تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف باطنية عنصرية ومتطرفة خاصة بمشروعها المتوحش.
القول الفصل في الواقع ان (الارهاب الصهيوني الفاضح يستدعي الارهاب كما ان الدم الفلسطيني يستدعي الدماء).

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية

[email protected]