عبد الحميد كناكري خوجة: استراتيجية الحنكة في فن السياسة

عبد الحميد كناكري خوجة
نتأسف على زمن كثر فيه أشباه السياسيين يزعمون الكياسة للسياسة كمعراجا للإنحطاط. يخرج علينا جيل من أشباه سياسيين يضبطون إبرة بوصلتهم على إشارات البيت الأبيض ويسخنون مقاعدهم بشواحن التطبيع..
واحدهم يتحدث عن السياسة خلف أحد المنصات أو المنابر التي تعتبر عروش أولئك الأبواق وهو مجرد من أية أرضية سياسية، وآخر يصدع رؤوسنا متشدقا بالكرامة والشهامة والغيرة الوطنية بنفس الوقت الذي يخط قلمه الأوتوغراف الخاص بفواتير الغاز والنفط المغتصب المنهوب تحت نعال المحتلين…بالخبث وكدهاء الثعلب أصبح التخاذل والخيانة رأيا آخر والولاء شبهه والبترول والغاز والثروات ملفا دبلوماسيا قابلا للتعديل والمراجعة. سبقوا الحرباء بإتقان فن التبدل والتلون.. جهابذة الإنبطاح والتطبيع بلياقة ولباقة سياسية. بالتقسيط المريح تباع الأوطان شريطة أن تتكفل الشعوب بأعباء الأقساط من دمها وثرواتها التي هي حق لها…أزلام السياسة أولئك الذين أودعوا الوجدان والضمير في خزائن بنتاغون العم سام مصحوبا بأوراق التوت الجافة التي استخدموها كساتر لعوراتهم..
عن أية كياسة يتحدثون?! تلك التي تبرر إنبطاحهم ودورانهم في فلك التطبيع ودخول حظيرته. هل كياستهم المزعومة تبيح فن التفاهم مع المحتل الغاصب؟! إذا كانت كياستهم السياسية بهذا الشكل الإبليسي فالويل لسياستهم وويل للكياسة منهم..
مواجع وفواجع غزة
أين كياسة سياستهم مما يجري من قتل وتنكيل وإجرام بحق أشقائهم في العروبة والإسلام؟!
بداخل فؤاد الجرح لبلد يحوي مسجد الإسراء والمعراج المبارك ومهد السيد المسيح (ع) تتجلى غزة العزة كصرخة دامية مدوية في واد لا صدى يوصل…كما شذى المطرب السعودي المداح.. على الرغم أن صداها لايضغط على الفرامل.. شظى ولظى وأذى وأسى مواجع لا تتوقف بالصيحات والصرخات وفواجع تتكرر على مرأى ومسمع العالم برمته…حقا إنه العهر السياسي بمعناه الحقيقي.. سطوري هذه لم أخصصها للرثاء بل أطوعها لتوثيق النزيف المستمر للدم الفلسطيني.. نافورات وسواقي من هذا الدم المتدفق العطر وشهادة حية على ألم فظيع يأبى النسيان..
غزة لا تنزف دما فقط بل تتبرع بدمها لأمة أعرابية أضحت خالية من الدم. هذا القطاع ليس بمثابة بقعة جغرافية محاصرة فحسب بل إلياذة ملحمية تنزف مجدا ومرارة تنوح أرضها تنتحب الثريا فوقها تسطر مواجعها بطهر دم رضعها وخدجها وركعها وحتى رتعها على حيطان الصم البكم العمي من الأعراب تصرخ الأرواح رغم ألم الجراح ”أما آن للظلام أن ينجلي“
شهد لكم العالم أجمع يا أهلنا يا شعب غزة والكبرياء والعزة يا شعب عظيم وشم ألمه على جبين الكرامة وسفر الفجيعة المحفور بدم طاهر عوض المداد..لا ترقد الأرواح عندكم في لحودها بل تطرد النعاس.. نكبة تلو الأخرى محرقة خلف محرقة دون مكابح أنين سببه صمت رهيب كصمت أصحاب الأجداث صمت أعرابي مخيف لا نتحدث عن رواية هنا عنوانها المأساة بل بركان يقذف دما عوضاً عن حمم…سيبقى هذا البركان ثائرا منفجرا في وجدان وضمير الأمة…
أيها الملايين من أشراف الشعب السوري العظيم
يا ملايين الأحرار! يا أشقائي من شعب الحضارات آن للأفئدة أن تنعم بالشفاء بعد النزيف، رصوا الصفوف واشحذوا الهمم مدوا الأيادي للمصافحة والمسامحة بعد الخصام حان وقت الوئام حان الوقت للبناء بعد الحرية التي طالبتم بها وتنعمتم بشهيقها وزفيرها آن أوان الوفاق لا تجعلوا اختلاف الرأي ساحات نزاع وصراع،
عدوكم واحد فقط.. محتل ومدنس أرضكم في جبل الشيخ وجنوبكم والمتحكم في ماء يروي عطشكم ومدمر ترسانتكم التي قمتم بتأسيسها من كد عرق جبينكم آن الأوان للجهاد الحقيقي وتحرير أرضكم وتطهيرها من رجس المحتل الغاصب… فلسطين أمانة في أعناقكم إلى يوم الدين يامن ترافعون وترفعون شعائر الدين.. والمسجد الأقصى المبارك الذي يدنس كل يوم بأقدام الصهاينة مكرم في القرآن الذي تتلونه كل يوم.. أصبح الطريق سالكا أكثر للتحرير ولا مشكل لنيل الشهادة عند مناكفة محتل فلسطين وجولانكم… تعددت الساحات والجبهات والغاصب الآثم واحد أيها الشعب الماجد.. لا مكان للشقاق بينكم سوريا كم إسمها أغلى من كنوز الأرض مجتمعة، هي فوق الأسماء والإنتماءات فالوحدة الوطنية لا يقيمها سوى المتحابون والوطن لا يعلو أو يزدهر إلا بوحدة ولم شمل صادقي النوايا..إطووا صفحات الأحقاد كي لا يتوارثها الأحفاد.. هي للتآخي دون فتور همة أو تراخي.. يا أبناء شام الأصالة كونوا أمة واحدة بعد الحرية التي ناديتم بها وظفرتم بها. فلترفعوا البنيان وكيف به أن يرفع بيد ويهدم باليد الأخرى.. آن الآوان لنيل المنحة بعد المحنة بصبركم نلتم الفرج.. فليكن وطنكم قبلة وسوريا كم محراب كونوا كما أمركم الله إخوة متعاونين على البر والتقوى وليس على العدوان..سورياكم وقدسكم ودرعاكم وجولانكم وجبلكم الشامخ ”جبل الشيخ “ ينادي فهل من مجيب وهل من فادي…
نقد مقابل النقض
زمن فاضت فيه خزائن أهل الشقاق والنفاق بنفس الوقت الذي جف به ماء وجوههم التي هجرها الخجل.. لم يكن الفيتو الصادر عن أولئك المعتوهين المتربعين على كراسي البيت الأبيض في واشنطن دفاعا عن مصالحهم بل صفقة عار مخزية على مقدار كبير من الدناءة والوقاحة وأقولها بكل صراحة… عقدت فوق أشلاء أطفال وخدج ونساء غزة.. أهدوا هذا الحاكم المعتوه مئات المليارات من عوائد الثروات والحج والعمرة لا من أجل شراء السلاح بل لشراء صمتا وسكوتا رهيبا مدججا لتعطيل قرارا أمميا مطالبا بوقف العدوان الإجرامي على غزة ..ألم يكن من المناسب وضع هذا الشيطان الأكبر ليرجم بالحصى التي تكلف كل حاج 25 دولارا في مكان النصب الشيطاني الحجري؟! لم يكن النقض هنا من قبل هذا المعتوه مجرد موقف بل خيانة عظمى ممولة بالمال الأعرابي نكاية بفلسطين التي ضاقوا بها ذرعا.. تم استبدال قدس الأقداس بالبيت الأبيض التي توشحت جدرانه من سواد الخزي والعار.. حقا أنه زمن تقايض به دماء الشهداء بصفقات العار.. صفقات اشتروا بها مواقف واشنطن بحقائب مغمورة بالأصفر الا مع.. ها هو الفيتو الإمبريالي يشهر كحسام مأجور ضد أطفال ورجال وجبابرة الصبر في فلسطيننا العظيمة.. لم تصرف تلك الأرقام الفلكية الخيالية لبناء اليمن أو ليبيا أو سوريا أو لإنهاء حالة الفقر السائدة بين شباب وشابات أمتنا العربية والإسلامية بل حررت تلك الشيكات لهدم وطمس قضية بأكملها..
رقصة أعرابية عربية لا شرقية ولا غربية
حقا كان المشهد كالخيال… مجهول لدى الشرق ولا ينال رضا الغرب هزت أعرابيات خصورهن وأسدلت شعورهن كنساء وبنات الجاهلية الأولى في حضرة سيدهن العم ترامب ليس تعبيرا عن سرور بضيف بل خضوعا وتذلالا للمستعمر…طاغوت مشارك في جرائم قتل نساء وأطفال غزة غاضب لص محترف بحلو الثياب.. رقصات ولدت من خاصرة رمل البيداء لا من رحم الخشية والحياء..تمايلت فيها الهوية حتى تحطمت وتهشمت عظام الشهامة والنخوة والكرامة..
لم تكن لتخرج تلك الرقصات والخلعات من خانة العفوية بل عبارة عن عرض من عروض ركح أبو الفنون (المسرح) المسرح السريالي هذه المرة.. في سبيل إرضاء أبو مرة.. مشهد يوحي بثقافة أضحت سخافة كسرت إبرة بوصلتها يرقصن لأجل خاطر من صنع وأرسل أخطر المتفجرات وأعتى أنواع الأسلحة لتنال من لحوم نساء وأطفال القطاع رقصة لاهي بشرقية تحترم إيقاع التراث ولا غربية تحاكي حرية الجسد رقصة أشبه يرقص شياطين الجاهلية الأولى هجينة تافهه..لم تكن الأعرابيات يرقصن بل كن يهتزن كم تهتز أمة النفاق عند ابتسامة حقول الذهب الأسود وعوائد أداء المناسك الدينية.. رقصات دون موسيقى ودون أدنى تطبيل أو تذمير بل من أجل الصمت الرهيب والسكوت عن قول كلمة الحق…
رقصة تتسم بلون الثروات المعدنية وبرائحة الخنوع. رقصة تعبر عن سقوط وانحدار سياسي بإيقاع أعضاء هذه القبيلة…لا حضارة فيها ولا بدائية لم يصدر عن ناظر هذه الرقصة التي أقيمت إرضاء له أية تصفيق أو إنسجام بل نظرة كنظرة فرعون وهامان ونمرود ومن كان على شاكلتهم… رقصة تعبر عن نشيد وطن جديد رقصة مصنوعة في معامل الذل والفجور والهوان…إنه العفن السياسي..
كاتب روائي وفنان سوري شامل في الغربة