سعاد خليل: تدشين معرض “أوبونتو: سعادتي مرتبطة بسعادتك”

سعاد خليل: تدشين معرض “أوبونتو: سعادتي مرتبطة بسعادتك”

 

 

سعاد خليل
في عالمٍ كثيرًا ما يُغفل فيه جمال التنوّع الإنساني، يشرق معرض “أوبونتو: أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا” كرسالة بصرية وشعورية تُعيد رسم ملامح الشمول والإنسانية.
في قلب قرطبة، اجتمع طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب زملائهم في التعليم العام، لإبداع لوحات فنية تنبض بالأمل والقدرة والتعاون، تحت راية مفهوم “أوبونتو” الزولوّي، الذي يُعلّمنا أن سعادة الإنسان لا تكتمل إلا بسعادة الآخرين.
هذا المعرض ليس فقط مساحة فنية، بل هو صوتٌ لمن قد اعتاد أن يُنظر إليه بصمت. هو دعوةٌ لأن نرى، ونفهم، ونحتفل بالقدرات المختلفة، لا أن نخفيها خلف جدران التهميش.
من خلال ريَشٍ ملوّنة تُحلّق بالخيال والمشاعر، ينبثق هذا العمل الجماعي كتجربة حسيّة تنادي بالاندماج، وتُظهر كيف أن التعليم والفن قادران على تغيير الواقع – متى ما جمعنا القلوب والعقول.
هذا المقال كمصدر اخذته بناءً على بيان نُشر في موقع Proyecto Garlo، أحد المشاريع المجتمعية التي تُعنى بالفن الشامل، والدعم التربوي، وتعزيز دمج ذوي القدرات المختلفة في الحياة الثقافية والتعليمية.
 افتتاح معرض “أوبونتو: أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا”
في صباح يوم الثالث من يونيو، تم افتتاح المعرض الشامل بعنوان “أوبونتو: أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا” في مركز تدريب المعلمين في قرطبة “لويزا ريفويلتا”، بحضور الفنانين المبدعين الذين أُطلق عليهم اسم “المدهشون”، وهم: خوليو، أمدور، دافيد، خوان، دافيد (ثانٍ)، وناثانيال.
وقد حضر الافتتاح السيدة إيزابيل هيدالغو رويث، مديرة مركز تدريب المعلمين في قرطبة، بالإضافة إلى ممثلين عن عدة مؤسسات: جمعية “أمباالاندار” لأولياء أمور طلاب مدرسة “هيرنان رويز” الابتدائية في قرطبة، مديرة ومعلمات القسم التعليمي الخاص في نفس المدرسة، منظمة Acpacys قرطبة، مدرسة “الأندلس” الابتدائية – قسم التعليم الخاص، مركز الإبداع المعاصر C3A، مشروع “غارلو”، بلدية قرطبة، وكلية علوم التربية – جامعة قرطبة.

سيستمر المعرض الشامل من 3 إلى 18 يونيو 2025،
يضم المعرض أعمالاً فنية من طلاب القسم التعليمي الخاص، إلى جانب أعمال تم إنتاجها خلال ورش عمل شاملة وتربوية بمشاركة طلاب من المرحلة الابتدائية وطلاب كلية علوم التربية ضمن حلقة دراسية للتدريب العملي.
تعكس هذه الأعمال الفنية مواضيع الشمولية والمساواة، وقد أُنجزت في ورش عمل داخل المدرسة وفي محيطها، بالتعاون مع مشروع غارلو، مركز الإبداع المعاصر C3A، وورش بلدية قرطبة. وقد نالت بعض أعمال طلاب القسم التعليمي الخاص (المدهشين) جوائز.
هذا المعرض، الذي يضم أعمالًا جماعية وتعاونية، يسعى إلى إرسال رسالة رمزية عبر مفهوم “أوبونتو” (كلمة من لغة الزولو تعني: “أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا”)، حيث يؤكد على أن المجتمع الذي يُقصي أو يُميز أي شخص بسبب احتياجاته التعليمية، أو نوعه الاجتماعي، أو تنوعه، هو مجتمع ينزع السعادة عن ذلك الشخص، وبالتالي ينزعها عن الجميع.
يحمل المعرض رسالة قوية تدعو إلى الاعتراف بالقدرات المتنوعة من خلال ألوان الريش التي ترمز إلى الحرية، واللطف، والمشاعر. هو معرض يجعلهم مرئيين لا غير مرئيين، ويهدف إلى خلق عالم يفهم أن عندما نتحد بالقدرات المختلفة في شمولية ومساواة، يمكننا أن نكون سعداء ونصرخ معًا: “أوبونتو!”  شكرًا لكم من القلب.
وهذه رسالة امتنان من مشروع “غارلو”وهو كما نعلم ان مديره فنانا تشكيلي ومؤرخ  ومهتم بكل ما يتعلق بالفنون :
مشروع غارلو يُعرب عن امتنانه العميق للتجربة التعليمية مع طلاب القسم التعليمي الخاص في المدرسة الحكومية “هيرنان رويز”، حيث تقوم المعلمة كارمن بالاثيوس تشوبس وفريقها بعمل متنوع ومتفانٍ يوميًا لتعزيز التطور الإدراكي، الحركي، والاجتماعي لكل طفل في صفها.
أتذكر بمحبة اليوم الذي دعاني فيه صديقي أنطونيو بوينو للمشاركة كمشرف فني في أسبوع الثقافة بالمدرسة. لم أتوقع أن أجد مجتمعًا تعليميًا بهذا القدر من الروعة والإبداع، حتى أنني سأبقى دائمًا مستعدًا للمشاركة في أي نشاط فني أو دعم تعليمي.
ولا يفوتني ان انقل هذه القصة التي كتبها احد الأطفال. من ذوي الاحتياجات الخاصة :
 “رسالة إلى مدرستي”
اسمي إميليو. أول مرة دخلت مدرستي في الحي، شعرت بالتوتر، وعندما جلست على كرسي صفي شعرت بمزيد من القلق. عمري الآن 8 سنوات، وبفضل أستاذتي السحرية، وبالطبع دعم عائلتي، أصبحت ما أنا عليه اليوم.
منذ اللحظة الأولى، شعرت بحنانها وإيمانها بي. بدأت كل صباح بمهام بسيطة: الجلوس بهدوء، الرد براحة، واختيار الألوان التي أحب.
كنت سابقًا في مدرسة أخرى أكثر فوضى، حيث تدهورت صحتي. لكن هنا، بفضل الجهد والمثابرة، أصبحت الطفل الذي تراه اليوم.
لم أرد أحيانًا أن تنتهي الورشات، فقد كنت أستمتع كثيرًا، أتعلم، وأرسم بالألوان التي أحبها، وكونت صداقات جميلة.
أذكر صباحًا ذهبنا فيه إلى الحديقة لزرع أولى زهورنا. كنا جميعًا معًا، مع معلماتنا، والآن حين أمرّ بالحديقة، أرى تلك الزهور تتفتح في كل ربيع.
ومن أجمل الأنشطة أيضًا كان الذهاب إلى المسبح البلدي، تعلمت السباحة والشعور بالراحة في الماء، وكنت أعلم أنني سأتغلب على كل شيء بطريقتي، ولكن بسعادة.
شعار الصف كان “أوبونتو: أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا”. كنا نبتسم للناس، ونتلقى ابتساماتهم في طريق العودة.
بالطبع، كانت هناك أيضًا أيام حزينة، لكن هذه هي الحياة، أليس كذلك؟
شكرًا لاستماعكم، فبالنسبة لي هذا أمر مهم جدًا.
كارمن، أنتِ المعلمة السحرية، على الأقل بالنسبة لي. قبلة كبيرة!
وهكذا نري ان معرض “أوبونتو: أنا سعيد إذا كنتَ سعيدًا” ليس مجرد عرض فني، بل هو صرخة أمل، وعناقٌ مفتوح لكل من ظنّ أن الاختلاف عائقٌ لا جمال.
من خلال أعمال أبدعها طلاب بقلوبٍ صافية وأيدٍ تنسج بالألوان قصص التحدي والإرادة، نتعلّم أن الفن يمكن أن يكون وسيلة لتغيير النظرة، وكسر الحواجز، وبناء مجتمعات أكثر عدلاً ودفئًا.
هنا، نرى كيف تتحول الفصول الدراسية إلى ساحات للإبداع، وكيف يصبح الاندماج قوة، لا تنازلاً.
وهنا أيضاً، يُعاد تعريف التعليم كفعل محبة، والفن كأداة تحرر.
ومن المهم أن نتذكّر دائمًا أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم بشر مثلنا تمامًا، يحملون في داخلهم عوالم من الذكاء، والمشاعر، والمواهب الفريدة.
قد تختلف طرق تعبيرهم أو احتياجاتهم اليومية، لكنهم يملكون قدرات حقيقية، وعقولًا مبدعة، وقلوبًا نابضة بالإحساس. إنّ منحهم المساحة للتعبير والمشاركة لا يعني فقط تمكينهم، بل هو أيضًا إثراء للمجتمع بأسره.
الاحتواء لا يعني الشفقة، بل الاحترام. والشمول لا يعني التنازل، بل الاعتراف الكامل بحقوقهم، وإيمان عميق بأن كل إنسان، بغض النظر عن قدراته، قادر على الإبداع والمساهمة عندما يُمنح الفرصة والدعم.