إبراهيم قزاز: التحوط من النتائج السلبية لمسلمي فرنسا

إبراهيم قزاز
مقدمة
تحدثنا في المقالة السابقة عن خطورة تقرير الخبراء الفرنسي الذي يتوقع أن يكون له تبعات تمس حقوق و حريات الجالية المسلمة في فرنسا التي تمثل اكبر تجمع اسلامي في اوروبا و استعرضنا في تلك المقالة السيناريوهات الممكنة وتبعاتها وخطورة انتقال تلك الاجراءات الى دول اخرى في القارة العجوز. وسنحاول في هذه المقالة من الإجراءات الاستباقية التي يمكن أن تقوم بها الجالية المسلمة في فرنسا كمؤسسات وكأفراد لتقليل أثر أي خطورة متوقعة. ويمكن تقسيم هذه الاجراءات الاستباقية الى إعلامية وقانونية وسياسية.
نقطة مرجعية
ينبغي للجالية المسلمة بداية أن تؤمن بحقوقها وبحقها في النضال لتحقيقها وأن تنزع فكرة أن الإسلام دين مستورد يمكن نحوه بقرار حكومي عنصري أو بمحاصرة أحزاب اليمين للجالية المسلمة وينبغي أن يدرك الجميع ان عقيدة يعتبرها طرف وازن في المجتمع جزءا لا يتجزأ من هويته لا يمكن تجاهلها وأن الأمر لا يتعلق بشعائر قادمة عبر الحدود لمجموعة من المهاجرين والعمال البسيطين الذين اصبحوا عبئا في نظر مرضى العنصرية أو على هامش المجتمع في أقل الأحوال؛ فالإسلام أصبح جزءا من التراث والثقافة الفرنسية والأوروبية بشكل عام (كما صرح الرئيس الألماني السابق قبل سنوات) واعداد معتنقيه في تزايد وبالتالي فإن عشرات الملايين في هذه القارة لا يعرفون وطنا آخر لهم.
اضافة الى ذلك يمكن ان يكون الطرح الابتدائي مطالبة الحكومات والاحزاب إثبات احترامها لمبادئ المساواة والحرية والعدالة، ليس كَرَدّ على مطالبتها للجمعيات الإسلامية اثبات انها لا تشكل خطرا على المجتمع الفرنسي بل كحق انساني اصيل.
إذا أدركت الجالية المسلمة هاتين النقطتين الأساسيتين كمنطلق صار من الممكن تحديد المرجعية والخطوات.
خطوات مؤسسيه أساسية
على المؤسسات الإسلامية النظر إلى ما يمكن فعله ضمن المقترحات التالية
الاستعداد القانوني: يجب أن تكون المؤسسات مستعدة للتعامل مع أي إجراءات قانونية محتملة، من خلال الاستعانة بخبرة قانونية متخصصة، وضمان الامتثال التام للقوانين واللوائح. يجب ان ندرك هنا ان كثير من الاجراءات التي تتخذها الحكومة وكذلك الخطاب العنصري الذي تتبناه بعض الأحزاب هو مخالف للدستور وبالتالي هناك أرضية قانونية لنقض هذه الإجراءات وهذا قد يكون اقصر الطرق لمواجهة الاجراءات الظالمة بحق الجالية، ولكن هذا الامر يحتاج الى خبراء قانون ولا تعدم الجالية المسلمة مثل هذه الخبره.
الشفافية الكاملة: يجب على جميع المؤسسات الإسلامية اعتماد أعلى مستويات الشفافية المالية والإدارية. هذا يشمل الكشف الكامل عن مصادر التمويل، خاصة إذا كانت من الخارج، وضمان أن جميع النفقات مشروعة وواضحة.
مراجعة شاملة: ينبغي عمل مراجعة شاملة للأنظمة الداخلية للمساجد والجمعيات لتكون متوافقة مع القوانين الفرنسية مثل قانون 1901 الخاص بالجمعيات.
مراجعة الخطاب الديني: مراجعة شاملة لخطاب الأئمة والدعاة لضمان أنه لا يحمل أي رسائل يمكن تفسيرها على أنها متطرفة، او انفصالية، أو مناهضة لقيم الجمهورية. يجب أن يركز الخطاب على التسامح، والتعايش، والمواطنة الصالحة. وفي قول علي رضي الله عنه “حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟” مرجعاً ودليلاً خاصة في هذه المرحلة المهمة.
الوحدة الداخلية وتجاوز الخلافات: إن تجاوز النزاعات المذهبية أو التنظيمية داخل الجالية وبناء جبهة مدنية موحدة تمثل المسلمين أمام الدولة والإعلام، دون ادعاء احتكار التمثيل هي أمر ضروري جدا. إن تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف المؤسسات الإسلامية لتقديم جبهة موحدة ومنظمة، والعمل بشكل جماعي على مواجهة التحديات أمر حيوي.
بناء الجسور مع السلطات والمجتمع: السعي بشكل استباقي للحوار مع السلطات المحلية والوطنية، والمؤسسات غير الدينية، والإعلام، لتوضيح الأهداف والأنشطة، وتبديد المخاوف وسوء الفهم. إن تنظيم الأيام المفتوحة والمؤتمرات المشتركة يمكن أن يكون فعالاً.
تحالفات: ينبغي عقد تحالفات مع أحزاب وقوى مضادة للعنصرية والتنسيق مع جمعيات حقوق الإنسان والنقابات وجماعات محلية مناهضة العنصرية (مثل SOS Racisme، Ligue des droits de l’homme) والانخراط في حملات مدنية غير إسلامية لمكافحة الإسلاموفوبيا ضمن سياق أوسع ضد التمييز والعنصرية.
المشاركة السياسية: إن المشاركة النشطة في الانتخابات المحلية والبرلمانية ترشحا تصويتا بالغ الأهمية كما ان دعم مرشحين يدافعون عن الحريات الدينية والمواطنة المتساوية، سواء كانوا مسلمين أم لا هو أمر مهم، كذلك كما ينبغي تكوين لوبي مدني يعمل على نقل هموم المسلمين للبرلمان والإعلام وصانعي القرار.
عمل إعلامي استباقي: ينبغي إنشاء مراكز إعلامية للرد على الشائعات بسرعة وتدريب متحدثين رسميين للظهور في وسائل الإعلام كما أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي هو أمر ضروري. من المفيد كذلك دعم الأبحاث والدراسات والدراسات حول الإسلام في فرنسا لتقديم رؤى دقيقة ومبنية على الأدلة، ومواجهة المعلومات المضللة.
تعزيز “الإسلام الفرنسي”: دعم المبادرات التي تهدف إلى تطوير “إسلام فرنسي” يتوافق مع قيم الجمهورية مع الحفاظ على جوهر الدين. هذا يمكن أن يشمل تدريب الأئمة في فرنسا والتعمق في فقه الواقع وفقه الأقليات، وتشجيعهم على فهم السياق الفرنسي بشكل عميق.
توسيع الأنشطة المجتمعية: عدم الاقتصار على الأنشطة الدينية البحتة، بل توسيع نطاق الخدمات لتشمل أنشطة اجتماعية، ثقافية، رياضية، وتعليمية مفتوحة للجميع، بغض النظر عن دينهم. هذا يظهر المؤسسات كجزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي. يمكن للمساجد أن تحتضن بالتعاون مع البلديات ومنظمات المجتمع المدني كثير من الأنشطة النافعة للمجتمع مثل مكافحة الجريمة والإدمان وأن تكون مقصد الشباب الباحث عن جو ايجابي ومتسامح.
رفض التطرف بجميع أشكاله ولكن في نفس الوقت ينبغي تجنب ردود الأفعال السلبية مثل الانجرار للاستفزازات والمبالغة في الخطاب الدفاعي و العزلة والتقوقع.
خطوات فردية
يعتبر الفرد المسلم سفيرا لدينه وحجر الزاوية لبناء مجتمع مسلم إيجابي في غالبية غير المسلم وبالنظر الى توجهات الحكومة الفرنسية من عشرين سنة فإن التحدي على الفرد المسلم كبير. ويمكن تلخيص بعض الأفكار المعينة للفرد ليكون قادرا على مواجهة هذا التحدي
الاندماج المجتمعي الإيجابي دون تنازل عن الهوية من والوعي بالحقوق الفردية ،كذلك ينبغي إدراك أن الانكفاء عن المجتمع في جيتوهات هو أمر غير محمود وربما يخدم أجندة اليمين المتطرف ويسهل الاستفراد بالمجتمع المسلم
التمسك بالحقوق القانونية واستخدام القضاء الفرنسي والأوروبي (مثل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية) لمقاضاة القوانين التمييزية ومواجهة الإسلاموفوبيا قانونيًا والتبليغ عن أي اعتداءات أو تمييز للسلطات المختصة والمنظمات .
التعليم والثقافة كأداة حماية النشء الجديد من خلال التوسع الانخراط في المدارس الخاصة الإسلامية لتوفير تعليم جيد دون التخلي عن الهوية.
التميز المهني والأكاديمي: إن نجاح الفرد من خلال التفوق في التعليم والمهن والمساهمة في الابتكار والبحث العلمي وإنشاء مشاريع اقتصادية تخدم المجتمع الأوسع وتبوء مناصب قيادية في القطاعات المختلفة يسهم في تعزيز النظرة الإيجابية للفرد والمجتمع المسلم
المساهمة الإيجابية في كافة مجالات الحياة (التعليم، الصحة، الاقتصاد) والعمل التطوعي يمكن أن يغير التصورات السلبية ويظهر الاندماج الحقيقي.
الحوار والتواصل: الانفتاح على الحوار مع غير المسلمين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، وإظهار قيم التعايش والتسامح. يمكن أن يتم ذلك من خلال المبادرات الفردية أو بالتعاون مع الجمعيات في المناسبات الإسلامية مثل رمضان والأعياد.
الخلاصة
على الجالية المسلمة في فرنسا أن تتعامل بذكاء وبعد نظر مع التوجهات اليمينية والعنصرية وان تعمق الشعور انها جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الفرنسي، وأنها تلتزم بقيم الجمهورية، وتساهم إيجابًا في بناء مستقبل فرنسا، بعيدًا عن أي اتهامات بـ”الانعزال” أو “التطرف”. هذا يتطلب جهدًا جماعيًا ومستمرًا، وحكمة في التعامل مع التحديات. كلما كانت الجالية منفتحة، شفافة، مدنية، وفعالة سياسيًا، قلّت فرص فرض سياسات قمعية عليها.
* مواطن عربي مغترب