تشققات في حصون الأمن الإسرائيلي… واعترافات سرية تعزز هيمنة إيران في مجال الاستخبارات

تشققات في حصون الأمن الإسرائيلي… واعترافات سرية تعزز هيمنة إيران في مجال الاستخبارات

نجاح محمد علي

تُظهر إيران، من خلال عملياتها الاستخباراتية الأخيرة وسجلها في إدارة خلايا داخل الكيان الصهيوني، أنها قوة لا يُستهان بها في عالم الاستخبارات. الحصول على وثائق نووية حساسة للكيان الصهيوني، إلى جانب تجنيد عملاء في مستويات عليا داخل حكومة الاحتلال، يعكس قدراتها المتطورة ويعزز مكانتها كلاعب رئيسي في الشطرنج الجيوسياسي للشرق الأوسط.
وقد أثارت تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة حول نجاح أجهزة الاستخبارات في الحصول على وثائق وأسرار استراتيجية من داخل الكيان الصهيوني جدلًا واسعًا داخل الأوساط الأمنية والعسكرية الصهيونية. وقد أبدى بعض الخبراء الصهاينة تشكيكًا في هذه المزاعم، واعتبروها جزءًا من “حرب نفسية”، لكنهم لم ينكروا الأمر بشكل قاطع، وهو ما يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بخطورة ما تحقق.
الكنز النووي: تقارير تؤكد اختراق منشآت حساسة
في 6 يونيو (حزيران) أعلنت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن جهاز الاستخبارات الإيراني تمكن من الحصول على “كمّ هائل من المعلومات والوثائق الحساسة والاستراتيجية من داخل الكيان الصهيوني”، بينها آلاف الوثائق المتعلقة بالمشاريع والمرافق النووية.
هذه التصريحات، أثارت حالة استنفار لدى الدوائر الأمنية الصهيونية، خاصة بعد إعلان وزير الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية أن هذه الوثائق سيتم نشرها قريبًا، وهي تشمل معلومات استراتيجية وعلمية وعسكرية، ليس فقط عن الكيان الصهيوني، بل عن الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى.
اعترافات صهيونية مبطنة.. ونفيٌ لا يخفي القلق
آشر بن-آرتزي، الرئيس السابق للشرطة الدولية (الإنتربول) في الكيان الصهيوني، صرّح قائلًا: “المعلومات داخل الكيان محمية بشدة، ولا أعتقد أن المخترقين تمكنوا من الوصول إليها”. لكنه أضاف بشكل يفتح باب الاحتمال: “قد تكون المعلومات التي حصلت عليها إيران ليست بذات الأهمية التي تروج لها، ولكنهم يريدون إظهار أجهزتهم بمظهر محترف”.
تصريحاته، رغم طابعها التخفيفي، لم تنكر وجود اختراق ما، بل جاءت لتقليل شأنه، وهي استراتيجية مألوفة في الأوساط الأمنية الصهيونية حين لا يُراد تأكيد الاختراق ولا نفيه بشكل حاسم.
الرد الإيراني على عملية سرقة الأرشيف النووي عام 2018؟
رونين سولومون، محلل استخباراتي صهيوني آخر، صرّح أن “لا أحد يعلم ما إذا كانت هذه الوثائق علمية أم عملياتية، وقد تكون فقط حول سلاسل الإمداد”، مضيفًا: “لا يوجد تأكيد رسمي من المسؤولين حتى الآن، وقد يكون الأمر جزءًا من عملية نفسية”.
لكنه أشار أيضًا إلى نقطة مهمة: “يبدو أن إيران تحاول الرد على ما فعله الكيان الصهيوني عام ۲۰۱۸ عندما سرق أرشيفًا نوويًا من طهران”، في إشارة إلى العملية التي زُعم أن الكيان الصهيوني حصل خلالها على آلاف الملفات والوثائق الرقمية من مخزن في منطقة شورآباد بطهران.
هذا الاعتراف بأن إيران تقوم بعملية ردّ متقنة، يُعدّ بحد ذاته إقرارًا بأن المعركة الاستخباراتية جارية على قدم وساق، وبأن الطرف الإيراني يمتلك من الإمكانات ما يؤهله للرد بالمثل.
اعتقالات وتجسس داخل الكيان… بصمة استخباراتية إيرانية
في سياق متصل، اعتُقل شابان يبلغان من العمر ۲۴ عامًا داخل الكيان الصهيوني في 20 مايو (أيار)، واتُّهما بالتجسس لصالح الجمهورية الإسلامية، وذلك بعد أيام فقط من “خروج شحنات من الوثائق من داخل الكيان”، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام رسمية.
الاتهامات الموجهة لهذين الشخصين شملت التعاون الكامل مع عناصر إيرانية، ونقل أدوات يُشتبه أنها مرتبطة بعمليات هجومية. ولطالما تكرر اعتراف الكيان الصهيوني بوجود مثل هذه الحالات ما يؤكد قدرة إيران على تحقيق اختراقات عديدة ومؤلمة في قلب الكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق، أكدت السلطات الصهيونية وجود عمليات تجسس إيرانية، مما يدعم رواية إيران إلى حد ما، كما يصرح المحللون في فلسطين المحتلة.
الخلايا السابقة داخل الكيان الصهيوني
بالإضافة إلى الأحداث الأخيرة، هناك دلائل على وجود خلايا استخباراتية إيرانية سابقة داخل الكيان الصهيوني، تم الاعتراف بها من قبل السلطات الصهيونية والإيرانية على حد سواء. في مايو 2025، أعلنت السلطات الصهيونية عن اعتقال مواطنين اثنين، روي مزراحي وألموغ أتياس، بتهمة جمع معلومات استخباراتية لصالح إيران بالقرب من منزل وزير الدفاع الصهيوني، إسرائيل كاتز. وصفت السلطات هذه الحادثة بأنها جزء من حملة تجسس إيرانية متزايدة داخل الكيان الصهيوني، غالبًا ما تتضمن تجنيد مواطنين محليين مقابل مبالغ مالية صغيرة. شكر كاتز الخدمات الأمنية على “فضح مؤامرة إيرانية للإضرار بي كوزير دفاع للكيان الصهيوني”.
كما أشارت تقارير إلى حالات أخرى، مثل اعتقال سبعة أشخاص آخرين في حيفا في نوفمبر 2024 بتهمة مساعدة إيران خلال فترة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، في سبتمبر 2024، تم اتهام رجل أعمال يبلغ من العمر 73 عامًا، موتي مامان، بالعمل مع الاستخبارات الإيرانية، حيث زعم أنه عرض قتل رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وشخصيات سياسية أخرى مقابل دفعة مقدمة قدرها مليون دولار.
من جانب إيران، في مايو 2021، أعلن وزير الاستخبارات آنذاك، محمود علوي، على التلفزيون الرسمي عن تجنيد عضو سابق في مجلس وزراء الكيان الصهيوني، دون ذكر الاسم، لكنه أشار إلى أن هذا يظهر قوة قطاع مكافحة التجسس الإيراني. وفقًا للتقارير، كان يشير إلى جونين سيغي، الذي سجنته السلطات الصهيونية في يونيو 2021 بتهمة العمل لصالح إيران.
جدول زمني للأحداث الرئيسية
لتوضيح الأحداث، نقدم الجدول التالي:

التاريخ

الحدث

7 يونيو 2025

إيران تعلن الحصول على وثائق حساسة تتعلق بمنشآت الكيان الصهيوني النووية (تسنيم).

مايو 2025

اعتقال مستوطنين بتهمة جمع معلومات لصالح إيران (الأخبار الصهيونية).

نوفمبر 2024

اعتقال 7 مستوطنين آخرين في حيفا بتهمة مساعدة إيران (الجزيرة).

سبتمبر 2024

اتهام رجل أعمال بالعمل مع الاستخبارات الإيرانية (الجزيرة).

مايو 2021

إعلان إيران عن تجنيد عضو سابق في مجلس وزراء الكيان الصهيوني (AP News).

تقارير: الكيان الصهيوني هدف أول للهجمات السيبرانية
وبحسب تقرير استخباراتي تقني صادر عن شركة “مايكروسوفت”، فإن الكيان الصهيوني بات “الهدف الأول” للهجمات السيبرانية، متجاوزًا بذل حتى الولايات المتحدة من حيث كثافة الهجمات وعددها وشدتها، خصوصًا بعد التصعيد الأخير في غزة. ويشير التقرير إلى أن معظم هذه الهجمات مصدرها مجموعات إلكترونية مرتبطة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعمل بتنظيم واحترافية، وتستهدف البنية التحتية الحساسة داخل الكيان.
الهجمات شملت أنظمة الطاقة والمياه والاتصالات، كما استهدفت قواعد بيانات عسكرية ومدنية، ومؤسسات حكومية وإعلامية. والأهم أن هذه الهجمات لم تكن عشوائية، بل حملت طابعًا استراتيجيًا واضحًا، تمثل بجمع معلومات حساسة، وتعطيل أنظمة مهمة، وزرع برمجيات خبيثة، ضمن ما يشبه العمليات التحضيرية لسيناريوهات أوسع مستقبلًا.
التقرير يشير أيضًا إلى أن قدرات القراصنة المرتبطين بإيران تطورت بشكل كبير خلال العامين الأخرين، حيثانتقلوا من تنفيذ عمليات بسيطة إلى شنّ هجمات متزامنة ومعقدة، تدل على وجود غرفة عمليات متقدمة تدير العمليات باحتراف.
ومن أبرز العمليات التي وثقها التقرير: اختراق أنظمة مراقبة مرورية في يافا التي يسميها الكيان الصهيوني “تل أبيب”، واستهداف شبكة المياه في مستوطنات محددة، وتعطيل مواقع إلكترونية حكومية، ونشر بيانات محرجة لضباط ومسؤولين صهاينة.
واعتبرت “مايكروسوفت” أن التهديد السيبراني الإيراني أصبح من بين أخطر التهديدات الأمنية التي تواجه الكيان الصهيوني، محذّرة من أن استمرار هذه الهجمات دون ردع قد يؤدي إلى أزمة شاملة في الداخل.
هذه المعطيات تتقاطع مع اعترافات ضمنية في الإعلام العبري، الذي بدأ يقرّ بتآكل التفوق السيبراني الصهيوني أمام تنامي القدرات الهجومية الإيرانية، في مشهد يُعيد رسم موازين الردع في ميدان الحرب الرقمية.
وما بين التشكيك والاعتراف، وبين النفي الإعلامي والقلق الأمني، تتكشف خيوط معركة استخباراتية خفية، تشير المعطيات حتى الآن إلى أن كفة إيران فيها تتقدم بثبات. الاختراقات التي تحدّث عنها الإيرانيون، سواء نُشرت أم لا، قد أحدثت ما هو أهم: إنهاك الثقة داخل المنظومة الأمنية الصهيونية، وفتح باب الرعب من القادم.
نقطة أخيرة: وعد وزير الاستخبارات الإيراني بنشر هذه الوثائق في وقت قريب، قد يكون له وقع الزلزال في المنطقة، لا سيما إن تضمنت معلومات عن منشآت نووية أو عمليات تجسسية للكيان الصهيوني على دول أخرى. وفي عالم الاستخبارات، مجرد التهديد بكشف الأسرار كفيل بإرباك الخصم.
هل هي البداية فقط؟
كاتب مختص بالشأن الايراني