الأردن تحت ضغط القلق!

المهندس سليم البطاينه
لم أشعر في حياتي أن الأردن في خطر، ويضيع منا كما أشعر الآن! فـ أكثر الناس تفاءلاً لا يمكن إلا ان يشعر بشيء من الخوف امام سرعة تضخم مشكلات المنطقة والإقليم التي تهدد الأردن في استقراره وسلامته واستمرار وجوده.
التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن اليوم هو تحدي (القراءة والفهم) ! وهنا أضُم صوتي الى من سبقوني بأننا بحاجة الى مصارحة ونقاشات أكثر جدية لمعرفة ما ينتظرنا في منطقة لا حول ولا قوة في رسم مستقبلها!! يُعاد فيها رسم الخرائط وتوزيع مناطق النفوذ والأدوار.
المرحلة غامضة، ويلزمها شرح مستفيض! وهي من أخطر وأدق المراحل التي تمر بها دول المنطقة، وبالذات الدول المرتبطة باتفاقيات سلام مع إسرائيل، والخطأ في تقدير المواقف في منطقة شديدة الهشاشة لا مجال معها للارتجال !
الأمر الذي يتطلب الانتباه والحذر، فـ ما كان بالأمس خيالياً وينطوي على كوارث بات اليوم مشروعاً وغداً واقعاً !
الأردن في دائرة القلق! والأحداث تتدحرج من حوله كل ساعة نحو الأسوأ، ونتائجها في علم الغيب، ولن تكون دمشق آخر عاصمة عربية تسقط، فـ قبلها سقطت مقديشو وبغداد وبيروت وطرابلس وصنعاء والخرطو ) بالرجوع إلى وثيقة مجلس العلاقات الدولية الأمريكية CFR الصادرة بتاريخ 12 / أبريل / 2025 ).
ما يجري في غزة الى الضفة إلى سوريا، وبداية الحوار السوري الإسرائيلي، والصفقات التريليونية، وتوقف دعم الحلفاء القدامى للأردن ! والدعم الأمريكي للتركيبة الجديدة في سوريا ! ونيّة أمريكا لإخلاء قواعدها في منطقة التنف الحدودية مع الأردن وسوريا والعراق ( ١٣ قاعدة ونقطة عسكرية ) دون توطين للجيش السوري سيخلق تحديات كبيرة للأمن القومي الأردني ! وهي برأيي عناوين أساسية مطلوبٌ رصدها والتنبّه لها،
فـ منطق التاريخ يقول ما يمكن تحجيمه الآن سيكون مستحيلاً غداً !
المنطقة تسير فوق خط رفيع بين الردع والانفجار ! وتعيش لحظة تحول تاريخيّة فارقة، تتشكل فيها ملامح نظام إقليمي تقوده قوىً سُنيّة، بدعم أمريكي مباشر .
تُعيد رسم الخرائط وتوزيع الأدوار برؤية استراتيجية تعتمد النفس الطويل والتكتيك السياسي.
هذه القوى سـ تملأ الفراغات السياسية برموز جديدة! وشخصيات تُمثّل الشرعية الحداثية المتصالحة مع النظام الدولي، باعتبار التيارات الراديكالية الموجودة في المنطقة قوىً مُنتهية الصلاحية.
نبدو اليوم أقرب إلى مقولة التيه نتيجة اختلاف التفسيرات بما يحدث في المنطقة
الأردن ليست جزيرة نائية بعيدة! فهي في قلب الحدث، لا بل الحدث نفسه ! والمؤسف لم يعد هناك من يسمع، ولا أحد يعرف أو يفهم أو حتى يستطيع التخمين: أين نحن من اللعبة الجيوسياسية الحاصلة حالياً في المنطقة؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ وأين موقعنا في الحدث؟ ولعل هذه الأسئلة نوع من الرغبة الى ما فقدناه !
نحن جيران فلسطين في الأرض والجغرافيا والتاريخ، وهذا الواقع لا يمكن فصله عما يجري بالقرب منا !
غزة فرضت واقعا جديدا سيكون له تأثيرات عميقة على الداخل الأردني !
فـ بعد غزة سيُعاد رسم حدود الكثير من دول المنطقة بريشة السياسة وليس الجغرافيا !
فـ لنؤجل كل شيء وننتَبه الى المخاطر التي تحيط بنا ! وعما يأتي من وراء المحيطات البعيدة، فمهما شطح بنا الخيال، وغُصنا في أعماق التفكير فهناك في السياسة الدولية مصطلح اسمه (الدول الصغيرة) ونحن منها !
الصمت لم يعد خياراً! نحن من صنعنا واقعنا هذا بيدنا !
فقد أخفقنا في بلورة تيار سياسي ذا مرجعية فكرية وسياسية ! وفي هندسة منظومة سياسية إقليمية تعطي وزناً على الساحة الدولية، وابتعدنا عن أي مشروع وطني ولو في حدوده الدُنيا !
الأزمات مستمرة! والمنطقة بعيدة عن الاستقرار! وخريطة التحالفات العابرة للمصالح في تغيّرٍ مستمر ! (لم تنضج بعد) وطبيعة الجغرافيا السياسية القادمة تُنذر بقرب وجوب تبادل الأدوار! وتغيير طريقة الحكم في كثير من دول المنطقة.
لا تستعصي تفاصيل المشهد الأردني على أي متابع، فـ كُل منا يفسر تراجع الدور الأردني كما يروق له، ومخطئ في الأردن من يعتقد أنه يمتلك الحقيقة مهما كانت مرجعيته! فلا زلنا نفتقد إلى جهاز إنذار مُبكر، لا شيء حُسم! الملفات ما زالت مفتوحة وعالقة! والفيل لا زال قابعاً في الغرفة !
من تجارب ورؤى التاريخ ينبغي لنا إعادة حساباتنا، فـ الرهان الخاطئ والتجديف ضد حركة التاريخ يضعف الأردن! فـ إما ان يصعد الأردن، أو يظل عالقاً في منطقة تبتلعه فيها الهامشية السياسية والاقتصادية! فـ هل نستفيد من الدروس؟ أم نترك الأردن مُستباحاً لمغامرات تجريب وصفات خراب بالية !
لا يحمي الأردن إلا الحكمة والعقل والوعي بعيدا عن الحسابات الصغيرة! فإما انتاج وضع جديد، أو مواصلة الارتباك بانتظار القادم المجهول! وإنقاذ الأردن من تراجعه الزمني يتطلب مواجهة حقائق المرحلة كما هي دون مكياج! أو حتى ممارسة لحالة الإنكار التي تعودنا عليها، فـ عندما نكتفي بالقلة في كل شيء! ونرضى بأصغر المواقع يصبح واقعنا مؤلماً وأكثر اضطراباً.
الأردن الصغير ما زال يحمل الكثير الكثير من العناصر التي تجعله مهما كما كان سابقاً من الناحية الاستراتيجية، لكن كل ذلك يحتاج الى إرادة سياسية والى حزم في القرار! والى تدخل غير تقليدي! وغير مسبوق، والى جراحة صعبة لا يقدر عليها إلا من آمن بكل جوارحه ان الأردن يستحق منا هذا.
كاتب اردني