رانية مرجية: مقالة الصرخة… لأننا سئمنا من التصرف بأدب

رانية مرجية: مقالة الصرخة… لأننا سئمنا من التصرف بأدب

رانية مرجية

ما عدت أومن بالمقالات المهذبة. تلك التي تتفنّن في التوازن، وتخاف على القارئ من الانزعاج. لا وقت لدينا لنضع الكلمات في قفازات بيضاء. نحن في زمن الصرخة، لا الهمس. زمن المقالة التي تُكتب كأنها آخر ما يمكن قوله قبل أن يُطبق علينا الجدار من كلّ الجهات.

مقالة الصرخة ليست مقالًا أكاديميًا، وليست محاولة لرصّ الأفكار فوق بعضها كي نبدو مثقفين. إنها النار التي تخرج من حلقك حين يُصفع وجه الوطن، أو تُكسر أكتاف الأمهات، أو حين ترى كاهنًا أرثوذكسيًا صامتًا أكثر من اللزوم، أو قائدًا يتقن فنّ التخلي عن الناس.

مقالة الصرخة تُكتب عندما تفيض الروح ولا يعود في الداخل متّسعٌ للحريق.
تُكتب دون مسوّدة، ودون مراجعة. تخرج كما هي:
فجّة.
غاضبة.
صادقة حدّ القلق.

أكتبها عندما أنظر في عيون جدتي المرحومة التي هجّرت من اللد ولم تسأل أحدًا عن اللجوء. فقط مشت على قدميها حتى رام الله وقالت: هذه الأرض أرضي وإن ضاق بي المكان.
أكتبها حين يُنتهك تراث كنيستي الأرثوذكسية على يد وكلاء السياسة، ونحن نصفّق خشية أن نبدو “متعصبين”.
أكتبها حين يقول لي أحدهم: “اصبري، الله كريم”. فأجيبه: أنا لا أكتب لله فقط. أنا أكتب أيضًا لئلا نُكمل حياتنا في قفص الانتظار.

مقالة الصرخة لا تُكتب كي تُنشر فقط.
هي تُكتب كي لا ننفجر.
كي لا نقتل أحدًا، أو أنفسنا،
كي نصرخ بالكلمات، لا بالرصاص.

في زمن الخسائر اليومية، تصبح المقالة التي لا تصرخ خيانة ناعمة.
كل مقال لا يُزعج سلطة، لا يُوقظ غافلاً، لا يربك نظامًا، هو مقال للتزيين، لا للتغيير.

أنا أكتب لأقلق.
وأقلق لأبقى.
وأبقى لأحكي.
وأحكي كي لا يكتبوا روايتنا بدلاً عنّا.

فليقرأونا وهم يضعون أيديهم على قلوبهم.
أو ليمزّقوا أوراقنا.

لكننا لن نصمت.
لن نكتب برخصة من أحد
الرملة