هل يواجه أردوغان مصيرًا مأساويًا؟… “السلطان” يبدأ معركته من أجل الدستور، فهل سيتفوق “إسلامه السياسي” على “أتاتورك”؟ كيف يخطط للتمسك بالرئاسة حتى 2032 بدلاً من 2028؟ وما هو موقف “إمام أوغلو” في استطلاعات الرأي؟ وكيف تُفسر الأزمات التركية بأنها “انقلابية”؟

هل يواجه أردوغان مصيرًا مأساويًا؟… “السلطان” يبدأ معركته من أجل الدستور، فهل سيتفوق “إسلامه السياسي” على “أتاتورك”؟ كيف يخطط للتمسك بالرئاسة حتى 2032 بدلاً من 2028؟ وما هو موقف “إمام أوغلو” في استطلاعات الرأي؟ وكيف تُفسر الأزمات التركية بأنها “انقلابية”؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:

يُتداول في تركيا، مقطع فيديو لفتاة تركية، ظهرت تتحدّث فيه عن أسباب دعمها لرئيس بلدية إسطنبول المُعتقل أكرم إمام أوغلو، وكان على رأس تلك الأسباب، هو خوفها من تطبيق الشريعة الكاملة في تركيا، وإلزامها ارتداء الحجاب.

هذه المخاوف ليست من بنات أفكار هذه الفتاة التركية، وإنما هي مخاوف شريحة كبيرة من الشباب التركي الذي خرج مُتظاهرًا ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، احتجاجًا على اعتقال إمام أوغلو بتهم فساد، وإرهاب، وقال إنه يرى في أكرم إمام أوغلو الشباب والمُستقبل.

الرئيس أردوغان يعقد العزم هذه الأيّام على تعديل الدستور، الذي يكرر وصفه بالدستور الانقلابي الذي جاء به الانقلابيون العام 1980، وعيّن أردوغان بالفعل لجنة مكونة من عشرة محامين لصياغة دستور جديد، هذا الدستور الذي يخشى العلمانيون في تركيا أن يكون “إسلاميًّا”.

الرئيس التركي يقول إنّه سوف “الدستور” سيكون مدنيًّا، وليبراليًّا.

تغيير الدستور هو هدف الرئيس التركي، ولكن هذا لا يعني أنه سيكتفي بتعديله، بل هو بوابة لاستمراره في الحكم، حيث لا يسمح له الدستور الحالي بالترشّح لولاية ثالثة.

ويُناور الرئيس أردوغان حينما قال: “غايتنا من الدستور الجديد ليست فتح مجال لأنفسنا، فلا هاجس لديّ لإعادة الترشّح أو التقدم مجددًا للانتخابات”.

وسيُواصل أردوغان مهامه حتى عام 2028، وهو بذلك يكون قد شغل منصب الرئاسة لمدة 14 عامًا عند نهاية فترته الحالية، إلا إذا قرّر البرلمان بنفسه الذهاب لانتخابات مبكرة، ما يعني جواز الترشّح لأردوغان.

ثمّة سيناريو مطروح، يجري الحديث عنه في الأوساط التركية المُوالية للرئيس التركي، يقول إن الأخير عازمٌ على الذهاب لخيار انتخابات مبكرة بقرار من البرلمان في خريف العام 2027، الأمر الذي يسمح له البقاء رئيسًا حتى العام 2032.

المُعارضة التركية مع قرار “تجديد الانتخابات” شرط أن تُجرى في خريف 2025، وقال عضو “حزب الظفر” المعارض أحمد بيرات، إن “أردوغان لا يسعى إلى دستور ديمقراطي، بل لإعادة ضبط النظام لخدمة حكم الفرد الواحد”.

وفي حال نجح أردوغان في وضع دستور جديد، فإنه سيكون بحسب مُعارضيه قد أنهى القيم العلمانية الحديثة التي أرساها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

وكشفت نتائج استطلاع أجري في الفترة بين 28 مايو/ آيار و1 يونية/ حزيران بمشاركة 2828 شخصًا في 16 مدينة عن أكبر مشكلة تواجهها تركيا.

وتصدّرت الأزمة الاقتصادية القائمة تلاها في المرتبة الثانية حبس عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، والتعاطف معه، وذلك وفق الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة Di-En للدراسات.

وحسب السياق التاريخي التركي، سيكون هذا الدستور الجديد، لو أُقر، أول دستور بهوية مدنية تم إقراره عبر البرلمان (حال صدقت نوايا الحزب الحاكم العدالة والتنمية)، فمُختلف الدساتير التركية السابقة أُقرت عقب انقلابات عسكرية، وحسب إرادة وتطلّعات الانقلابيين ومؤسستهم العسكرية.

الباحث رمضان دنيز يشرح في مقابلة مع “المجلة”: “البرلمان الحالي يتألف من 600 عضو، وإقرار الدستور عبر البرلمان دون استفتاء، يحتاج إلى 400 صوت برلماني، وهو ما لا يملكه التحالف الحاكم، حيث إن لحزب “العدالة والتنمية” 263 نائبا، ولـ”الحركة القومية” 50 نائبا. أي إنهم يحتاجون إلى قرابة 87 صوتا إضافيا من قوى المعارضة، وهو أمر سيتحقق إما بالتوافق مع حزب “الشعب الجمهوري”، لأنه يملك 129 نائبا في البرلمان، وهذا أمر صعب جدا في ظل الشرخ السياسي الحاد بين الطرفين راهنا، أو سيحتاج إلى موافقة حزبي “المساواة وديمقراطية الشعوب” (57 نائبا) وحزب “الخيّر” (37 نائبا) معا، وهو أمر شبه مستحيل، للتناقضات الشديدة بينهما”.

ومُختلف الدساتير التركية بقيت مُصرّة على تعريف قومي ومغلق للمواطنة في تركيا، وهو ما يأمل الأكراد في تغييره، ولأجله يتعاطون بإيجابية مع مبادرات وضع دستور جديد للبلاد.

تدخل تركيا إذًا معركة سياسية وقانونية حول الدستور، يسعى فيها أردوغان فعليًّا لإعادة الخلافة العثمانية حال أطاح بدستور “الانقلاب” والدستور الذي سبقه وأرساه مصطفى كمال أتاتورك، وبذلك لينتقم الإسلام السياسي من العلمانية الكمالية، فهل ينجح، أم يلقى في النهاية مصير رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، الذي حاول استعادة روح تركيا الإسلامية، فانتهى به الحال مُعلّقًا على مشنقة على يد العسكر، والسّخرية منه على يد طارق جورياي القائد العسكري حين قال له: “مع السلامة يا مندريس”!