ناجي ظاهر: اللونان البني والأسود

ناجي ظاهر: اللونان البني والأسود

 

قصة: ناجي ظاهر

بقيت كل من الفتاتين وفيما بعد المرأتين تبحث كل منهما عن الاخرى حتى عثرت عليها. اللقاء بينهما كان فيلما حقيقيا بامكان من لم يتسن له ان يحضره ويتابع صوره المذهلة ان يتابعها هنا بكل ما تضمنته من تفاصيل مفاجئة.. تمكنت من ادهاش كل من استمع اليها او اقترب من ضفافها العميقة.
ابتدأت الفتاة الاولى ولنسمها مؤقتا سمراء، في البحث عن قرينتها او مثيلتها مبكرا كان ذلك عندما افاق حلمٌ وثابٌ في صدرها، فما ان نهد صدرها حتى شرعت بالتمرد على امها. امها لم تكن امرأة عادية، وكان ان رفضت تمرد ابنتها الشابة، فقامت بمحاصرتها وضربت حولها طوقا من الوشاة الذين كانوا يأتون بأخبارها اولا بأول، غير ان سمراء كانت اكثر حنكة من امها، فقد كانت ترواغ ملاحقيها من الوشاة وتدخل من باب لتخرج من شباك الى ان تضعهم في متاهة وتغيب عن اعينهم. اما اولئك الاولاد والبنات فقد كانوا يلاحقونها حتى تغيب عن اعينهم، حالمين بما تجود به عليهم ام سمراء من قطع حلوى يتحلب لها الريق ويتحفز اللسان. لهذا ما ان كانت سمراء تغيب عن اعينهم حتى كانوا يذهبون الى دوح كبيرة يجلسون تحتها ملاحقين العصافير التائهة حتى تغيب الشمس وينصرم النهار، فيتوجهون الى بيت ام سمراء ليأخذ كل منهم ما اشتاق اليه من قطع حلوى. في هذه الاثناء قالت سمراء ان متهمة ومتهمة تساوي متهمة، فلاجرب ما خافت منه امي. وكان ان رات شابا وسيما وهي تقفز من احد الشبابيك، فافتعلت السقوط، فما كان من الشاب الا ان هرع اليها راكضا ليقيلها من سقطتها. شكرته سمراء وقبل ان يمضي سألته ما اسمك، فاخبرها باسمه، وسألها عن سبب قفزها من الشباك، فما كان منها الا ان روت له حكايتها من الفها الى يائها. نظر الشاب الوسيم الى وجهها فرأي فيه علامات البراءة والشقاوة تجتمع احداهما الى جانب الاخرى. فاضمر امرا. وابتدأ برواية قصته فهو ايضا محاصر، وأهله لا يدعون له الفرصة لان يجلس وحده ومع نفسه لحظة واحدة. بل انه بالغ في تضخيم معاناته حتى قال لها انه وجد في ذلك المكان.. قرب الشباك، لانه يزوغ من وشاة عينتهم امه لملاحقته ومنعه من ممارسة حياته كما يريد ويرغب. ارسلت سمراء نظرة خفرة الى وجه الشاب قبالتها وسألته حقا ما تقول؟ فرد عليه بهزة من رأسه حافلة بالرغبة والاسى. انفعلت سمراء لاشارة الشاب قبالتها وقالت له كم نحن متشابهان.. انا ايضا اعاني من مثل ما تعاني ومدت يدها الى صدرها وهي تقول امي تريد ان تحرمني من ممارسة حياتي وما ارغبه. بسرعة وجد كل من سمراء والشاب شبيهها نفسه في حضن الآخر.. لكن ما ان انتهى اللقاء بين الاثنين حتى تجدد في اليوم التالي والثالث والرابع الى ان جاء يوم ودعا الشاب سمراءه الى جلسة مع اصدقاء متشابهين. استجابت سمراء للدعوة ورافقته الى شلته.. لعلها تعثر على شبيهتها. الا انها لم تعثر عليها وانما وجدت نفسها تتنقل من يد الى اخرى. وبقيت على هذه الحال الى ان باتت تحلم بشبيهتها اناء الليل واطراف النهار الغريب ان اليأس ابتعد عن بابها ليقترب الامل.
اما الفتاة الثانية ولنسمها سوداء، فقد عافت بيتها وهربت منه مبتعدة عن امها وتلويمها الدائم لها، وذلك بالتحاقها بعمل في مصنع. عملها في المصنع كان صعبا الا انه اتاح لها ان تقيم وحيدة ولم تكتف باقامتها هذه. بل قامت بجر اختها الشقيقة الى تلك الشقة. عاشت سوداء واختها في تلك الشقة فترة اكدت لهما انهما خلقتا حرتين. وكان ان قست الحياة عليهما، خاصة على سوداء، فلجأت الى الحلم تعيشه في الليالي الباردة الطويلة وتجعل منه دفيئة واقية لها من الانهيار. حلمت سوداء ذات يوم انها تعمل في البيت الابيض وانها ترافق الرئيس بيل كلنتون، فما كان منها الا ان حملت نفسها وتوجهت الى الولايات المتحدة الامريكية. وحطت رحالها قبالة البيت الابيض. تنتظر اللحظة المناسبة لدخوله والعمل فيه الى جانب الرئيس. لاحظ العسس المحيطون بالبيت الابيض الوجود المكثف لسوداء فبعثوا اليها امرأة تسألها عما بها. وبما ان سوداء كانت قد حددت هدفها، فقد شعرت بحاستها المتوثبة، ان الفرصة قد سنحت لدخول البيت الابيض، فروت للمرأة قبالتها عن احلامها التي اتت بها من بلادها البعيدة. الغريب ان تلك المرأة انست لسوداء وبدل ان تواصل تحقيقها معها روت لها حكايتها الشخصية. انها قصة لا تختلف كثيرا عن قصتك انا ايضا لست من هذه البلاد وحلمت بان ادخل البيت الابيض وكان ان طرقت ابوابه فانفتحت لي بسرعة خيالية، وغمزت لها بعينها الرئيس يحب النساء ومن الصعب عليه ان يغلق ابواب البيت الابيض في وجه اي منهن. انطلقت المرأتان باتجاه البيت الابيض ودخلتاه بكل يسر وبساطة. هكذا بسرعة البرق وجدت سوداء نفسها بالقرب من الرئيس. زاد من قربها انها كانت سمينة وعليها اكثر من ملقط لحم.. الصنف الذي يحبه الرئيس ويشتهيه ويحلم به طوال الليالي واطراف النهارات.. بلا طول سيرة غمز الرئيس ذات يوم لسوداء بعينه داعيا اياها الى غرفة جانبية هناك فما كان منها الا ان استجابت له وهي تكاد تطير من شدة فرحها.. ها هي تحقق حلمها بلقائها الموعودد بالرئيس.. ما تبقى معروف للكثيرين فقد طلب الرئيس من سوداء ان تتعرى من كل ثيابها وما ان شرعت بالاستجابة له حتى بادر هو ايضا بالتعري نازعا عن جسمه البدلة الرسمية، وتناول من لهفته غليونه الفاخر وراح يداعب مواضع حساسة من جسدها.. وتكرر اللقاء بين الاثنين وكانا كلما تقاربا شعرا بالرغبة في المزيد من التقارب الى ان حل يوم. وانكشف امر الرئيس مع سوداء، فما كان من ديوان الرئاسة الا ان يبعد سوداء عن البيت الابيض، ويعيدها الى بلادها على جناح السرعة. هكذا وجدت سوداء نفسها مكانك سر. عندها استيقظ حلم في رأسها تمثل في ان تعثر على شبيهة لها.. وهنا ابتدأت رحلة البحث عن تلك الشبيهة.
وكان ان فكرت  سوداء في الانتقال  الى شقة جديدة لتقيم فيها بعيدة عن عيون امها ووشاتها، فراحت تسأل محيطين بها عن شقة مناسبة لاقامتها هذه. موحية الى من توجهت اليهم بالسؤال انها ترغب في الاقامة بشقة مشتركة ومع امرأة تشبهها. في هذه الاثناء التقت بالشاب الوسيم الذي التقت به سمراء في اول عهدها بالحياة، فجذبها بوسامته، ولم تمض سوى ايام حتى اضحت عشيقة له. قام الشاب بالمقارنة بين سمراء الماضي وسوداء الحاضر فخطرت له فكرة جهنمية هي ان يجمع بين الاثنتين في شقة واحدة. وليكن بعد ذلك ما يكون. وهكذا ما ان التقت  الاثنتان، سمراء وسوداء، في شقة واحدة حتى انفرجت اسارير كل منهما في ابتسامة واحدة. سمراء قالت لقد عثرت عمن بحثت عنها طوال ايام العمر الماضية. كذلك قالت سوداء. وكان ان تحدثت كل منهم للاخرى بصراحة ودون اخفاء اي معلومة، حتى وصلتا الى ذلك الشاب الوسيم.. العشيق المشترك بينهما، وسرعان ما ادركت كل منهما انها خدعت به، وكان اول ما فعلتاه هو ان قامتا بطرده من الشقة شر طردة، لتقيما نصفا وجد نصفه الآخر، بل انهما تجاوزتا كلمة النصف هذه لتتحدا في جسد واحد.. وتعززت العلاقة بينهما حتى انهما اختارتا  بعد لقائهما بقليل، اسمين متشابهين هما طونيكا ومونيكا، لتبدءا مرحلة جديدة.. ولتمضيا في مناكب حياتهما.