حمد التميمي: أردوغان والثلاثية الرئاسية.. هل يتمكن من التغلب على التحديات السياسية؟

حمد التميمي: أردوغان والثلاثية الرئاسية.. هل يتمكن من التغلب على التحديات السياسية؟

⁠حمد التميمي
وسط مشهد سياسي متغير واستحقاقات انتخابية تزداد تعقيدًا، يظل مستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحدًا من أكثر القضايا إثارة للجدل في تركيا. مع كل تصريح يدلي به حول تعديل الدستور، تتصاعد التكهنات حول نيته في الترشح مجددًا، ليبقى السؤال: هل هي مجرد تصريحات عابرة أم جزء من استراتيجية مدروسة لإعادة تشكيل قواعد اللعبة السياسية؟
التحالفات تتبدل، والقوانين تُفسّر بطرق مختلفة، وبينما يحاول خصومه السياسيون عرقلة مساعيه، يبقى أردوغان لاعبًا بارعًا في المناورات السياسية، مستندًا إلى خبرة تمتد لعقدين من الزمن في قيادة المشهد التركي. في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبرز التحدي الأكبر: هل سيتمكن من تجاوز العقبات السياسية والقانونية ليضمن استمرار نفوذه، أم أن المتغيرات السياسية ستفرض عليه معادلة مختلفة هذه المرة؟
أثار تصريح الرئيس التركي بشأن تعديل الدستور موجة من الجدل السياسي، خصوصًا بعدما نفى وجود نية شخصية لديه للترشح مجددًا. وبينما أكد أن الهدف من التعديلات ليس لتمهيد الطريق أمامه، يرى كثيرون أن هذه التصريحات قد تحمل أبعادًا أعمق تتجاوز مجرد الطمأنة السياسية. فالتاريخ السياسي لأردوغان، الممتد منذ أكثر من عقدين، يعزز التكهنات حول إمكانية استمراره في السلطة لفترة إضافية.
تطورات المشهد السياسي في تركيا لا يمكن فصلها عن التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد، فقد كان نظام الحكم برلمانيًا عندما تولى أردوغان رئاسة الوزراء عام 2002 واستمر حتى عام 2014. ومع انتخابه رئيسًا للجمهورية، بقي النظام البرلماني سائدًا حتى عام 2018، حين شهدت تركيا تحولًا جذريًا نحو النظام الرئاسي، الذي منح صلاحيات واسعة للرئيس. هذا التغيير الدستوري أصبح حجر الأساس في الجدل الدائر اليوم حول إمكانية ترشحه مرة أخرى.
بحسب المادة 101 من الدستور المعدّل، يُسمح للرئيس بشغل منصبه لدورتين فقط، مما جعل مسألة الترشح لولاية ثالثة موضع خلاف قانوني. لكن المجلس الأعلى للانتخابات رأى أن احتساب الولايات بدأ بعد تعديل النظام السياسي، وهو ما أتاح لأردوغان المنافسة في انتخابات 2023 والفوز بها، ليبدأ ولاية جديدة في ظل النظام الرئاسي.
ومع ذلك، فإن المادة 116 من الدستور تفتح باب الاحتمالات أمام الترشح مجددًا، حيث يمكن تبكير الانتخابات بقرار من البرلمان أو الرئيس. غير أن القرار الذي يتخذه الرئيس لحل البرلمان بنفسه يمنعه من الترشح مرة أخرى، مما يجعل الخيار الوحيد المتاح أمام أردوغان هو تمرير قرار الانتخابات المبكرة عبر البرلمان بموافقة 360 نائبًا من أصل 600.
هذه المعادلة السياسية تُعقّد المشهد الانتخابي، حيث يحتاج تحالف “الجمهور”، بقيادة حزب العدالة والتنمية، إلى 35 نائبًا إضافيًا لتأمين الأصوات اللازمة. في ظل هذا الواقع، تبدو التحركات السياسية داخل البرلمان التركي عاملاً حاسمًا في تحديد ما إذا كان أردوغان سيتمكن من المنافسة مجددًا في 2028.
المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، أبدت استعدادها لدعم الانتخابات المبكرة بشرط إجرائها في خريف 2025، إلا أن خطط أردوغان تشير إلى سيناريو مختلف، إذ يسعى إلى تقديم الانتخابات إلى 2027 لضمان الترشح حتى عام 2032. هذا التباين في المواقف يعكس عمق التحديات التي تواجه أردوغان، ليس فقط على المستوى القانوني، بل أيضًا في إدارة التحالفات السياسية.
إلى جانب ذلك، ثمة تقارب سياسي بين حزب العدالة والتنمية وبعض الأحزاب الأخرى، مثل حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمتلك 56 مقعدًا، وهو ما قد يغيّر الحسابات البرلمانية ويعزز فرص تمرير قرار الانتخابات المبكرة. لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن أردوغان من حشد الدعم الكافي في السنوات القادمة لضمان ترشحه مرة أخرى؟
في ظل هذه المعطيات، تبقى الصورة غير واضحة بالكامل، حيث تتداخل العوامل القانونية مع الحسابات السياسية، وتظل التحالفات مفتوحة على جميع الاحتمالات. ومع اقتراب موعد الانتخابات، قد تحدث تغييرات غير متوقعة تعيد تشكيل المشهد السياسي التركي، مما يجعل الفترة المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل القيادة في البلاد.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سيتمكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من تجاوز العقبات السياسية والقانونية ليحقق هدفه في الترشح مجددًا، أم أن الظروف ستفرض عليه معادلة مختلفة؟
كاتب قطري