د. نهلة غسّان طربيه: شذور شعريّة ونثريّة: “أقراصُ العيد”

د. نهلة غسّان طربيه: شذور شعريّة ونثريّة: “أقراصُ العيد”

د. نهلة غسّان طربيه

أقراصُ العيد.
أنا اليوم أريدُ أن أكتبَ في العيد عن أمّي.
وعيدُ الفصح بالنسبة لجيلنا كان يعني أقراصَ العيد.
وأقراصُ العيد كانت تعني لي أمّي.. كما كانت تعني لكلّ جيلي. والأمّ بطبيعة الحال تختزن أمَّها وجدّتها وهكذا دَوالَيك مروراً بأجيالٍ من الأمهات عبر التاريخ.
وهكذا فحين سَأَلَتْني خطيبة فراس في الأسبوع الماضي لدى تلذّذها بمحشي الكوسا والشيش طاووق من صنع يديّ، إذا ماكنتُ طبّاخةً من الدرجة الأولى مِن قَبلِ زواجي، أكّدتُ لها أنني لم أكن أُتقِنُ سوى قَلي البيض قبل زواجي.. حيث كان من المعروف عنّي انشغالي الدائم مابين الدراسة والتدريس الجامعي وحتى بعد مجيئي إلى بريطانيا ودراستي للدكتوراه وانشغالي بالتدريس الجامعي على مرّ الزمن. ولكنني أخبرتُها بأنني تفوّقتُ جداً في فن الطبخ منذ زواجي واهتمامي بدوري الأسري بالدرجة الأولى، ثم أعقبتُ قائلةً: وإذا كانت جيناتُ جدّتي لأمّي فيّ.. جدّتي المرحومة ( أديل) فلا خوف عليّ كما يُقالُ في ضيعتنا.. حيث كانت جدّتي مشهورةً بلذّة طبخها التي لاتضاهى والتي ورّثتْها لأمّي وشقيقتها وكذا شقيقها.. ومن بعدهما للأحفاد وأنا واحدةٌ منهنّ والحمدلله.
وهنا أعود معكم لأمي الحبيبة.. فهي إذاً أقراص العيد.. وهي العيد.. وهي بالتالي الوطن. فالوطن ليس سوى الذاكرة الحيّة للأفراد، مهما غابوا، ومهما تمّ تشرذمهم.. ومهما تمّ ترويعهم.. ومهما تمّ إبعادهم.. ومهما تمّت إبادتهم الجماعيّة. وكلّنا اليوم نسمع ونقرأ ونرى ذلك على كل الشاشات العالمية وللأسف الشديد.. فالعالمُ غدا اليوم حلبةَ صراعٍ على النفوذ!
الوطنُ له رائحةٌ لاتتغيّر.. ولاتشبهها رائحة.. مثلما لأقراص العيد.. مثلما لأمّي!
كلّ عيد فصح وجميعكم بألف خير.. وأمّي بألف خير.. وأمهاتكم بألف خير.. والوطن الغالي بألف خير.. والرحمة للأمهات اللواتي رحلْنَ وتركنَ لنا جميعاً وطناً له رائحةٌ لاتتغيّر.. ولاتشبهها رائحةٌ.. رائحةُ أقراص العيد!

(أكاديميّة سوريّة مقيمة في لندن)