في ضيافة فايز أبو شمالة مع كأس القهوة المُرَّة من غزة.. أشعل قصائدك كي تتقد نار الأمة!

خالـد شــحام
لماذا تبدو نجومكِ أكبر ؟ لماذا يظهر أطفالك مثل أبطالٍ في كتب الأساطير ؟ لماذا تبدو نساؤك أجمل وأعذب ؟ لماذا يبدو الرماد مثل التبر، والدمار مثل مكان مريح للسكن ، والشهداء مثل نسيم البر والبحر ؟ لماذا ينمو النخيل أشد خضرة على جنباتك ويزداد بحرك زرقة في وسط الظهيرة ؟ لماذا تزدادين قوة كلما قصفوا بيوتك ، ولماذا تصبحين أشد بأسا كلما أسالوا دماءك الزكية ؟ علمينا يا غزة كيف مسحت ضيق المكان وصنعت من القيد حرية ، علمينا يا غزة كيف أضحى فيك الجوع شبعا للكرامة ، وكيف أصبحت ساعاتك توقيتا لعمر الأمــة .
في مقطع فيديو متداول في ثنايا الأسبوع الماضي ، يظهر الإعلامي والكاتب فايز أبو شمالة ابن غزة وهو يشعل النار في كتابٍ لنازك الملائكة كي يتمكن من طهي شيءٍ ما له صلة بالطعام ، يقدم الرجل هذه التراجيديا على مسرح الأمة والمتفرجين ويصحب ذلك بكلماته الواخزة واعتذاره للشعر والشعراء والقصائد العربية التي يبست بين أوراق الكتب ، يمكنك يا فايز أن تحرق كل الأمة في نار الطهي لأننا كلنا تحولنا إلى جذوعٍ جافةٍ عديمة النفع ولا قيمة لها إلا بحرقها ، يمكنك أيضا أن تحرق المعلقات والبيانات وخطاب الرئيس وحرس الملك ورئيس الوزراء ومجلس البرلمان وجيوش التنك وطائرات الصفيح وآبار النفط الملعونة والناطق الرسمي بإسم الجامعة العربية و وزراء الخارجية المصنوعين من التمر ، يمكنك أن تفعل ما تشاء في غزة فقد خرجت كل القوانين عن معانيها وكسرت غزة كل القواعد ، يمكنك أن ترمي كلَ الكتب ويجوز لك أن تحرق عقود الزواج وتصادر حريتنا وتتهمنــا بالزندقة وبالبيعة الاسرائيلية في زمان بني اسرائيل الأخير.
عقب هذا المقطع المصور قامت قناة الجزيرة بعقد لقاءٍ سريعٍ مع الدكتور فايز لتسمع منه النظرية الفيزيائية في حرق القصائد للحصول على الحرارة ، وكيف يمكن لوجه من غزة أن يمنح كل الأمة جرعةً من الطاقة الأثيرية و كيف لبضع كلمات من ديناميت أن تهشم بنايةً كاملة من زجاج المؤامرات والاغتيالات النفسية التي تطلع بها سلسلة شيوخ الدين خريجي جامعة تل أبيب الإسلامية والمتتلمذين على يد الداعية الفاضل أفيخاي أدرعي والشيخ الموقر ايدي كوهين .
في داخل مترو المقابلة يلقي المذيع عصاه على أبي شمالة قائلا : كيف حالكم في غزة ؟
يجيبه الدكتور فايز : من مجزرةٍ إلى مجزرة ومن نزوحٍ إلى نزوح ومن مجاعة إلى مجاعة ، لا أدري هل سنكون مع الأحياء أو الشهداء خلال الدقائق القادمة ، لكن أملنا كبير في هذه الشعوب التي تحركت في العواصم العربية والعالمية ، ثقتنا في المستقبل لا تنتهي ، نحن لا نجد قوت يومنا ولا شرابنا ولكن نيران ثقتنا بهذه الأمة لا تنطفىء ، أرض غزة أصبحت خط الدفاع الأول عن كل هذه الأمة .
يروم المذيع بوجهه ثم جاء بعجلٍ سمين فعرضه على الدكتور فايز سؤالا رائجا في سوق الخيانة والنخاسة السياسية كي يرى كم الثمن : هل أنت نادمٌ على ما فعلته حماس في 7 أكتوبر الخالــد بعد الوصول إلى هذه الحالة المزرية في غزة ؟ هل ارتكبت المقاومة الخطأ القاتل ؟
يكاد القلب أن يسقط قبل أن يجيب الدكتور فايز حيث فقدنا حدود الإجابات ولم نعد نستطيع العتاب على الحجارة أو الشطئان ، لقد وصلنا جميعا النقطة الحرجة ، وتحول اللعب على المقاومة إلى تجارة الكترونية وشراء أون لاين ، ويمكن شراء بعض الآيات وتفسيرها بألف دولار ويمكن استنباط الخيانة من الأحاديث النبوية مقابل عمامة أو إمامة ، كان الواقع ليدفع الدكتور فايز ليقول شيئا من فئة أننا في غزة خسرنا كل شيء ولكننا مستعدون للتعايش ومستعدون للشروط الاسرائيلية ، لكن الدكتور ينقذنا جميعا وبسرعة بإجابةٍ تشعر معها بأنك تتأرجح على جذعي النخلتين المقيمتيمن عند مدخل خان يونس مع هواء البحر الذي لا تعرف من أين يأتي .
:- إطلاقا ! إطلاقا ! كيف نندم على ما خططته ونفذته المقاومة وهي تدرك تبعاته ؟ نحن لم نعش المعركة مع العدو فقط في السابع من أكتوبر ، نحن هُجِرنا من أرضنا وطُُرِدنا وقُتِل منا الالاف ، نحن نقوم بالدفاع عن النفس ، نحن لا نشعربأي ندمٍ وندافع عن الاقصى وعن شعبنا وأمتنا ، الناس في غزة تشعر بالفخر بالمقاومة ، ومثلي كثير ، نحن نكسر عنق الجيش الاسرائيلي ونذبح بقرتهم المقدسة ، هذه هي حقائق 7 اكتوبر ، لن يرى منا العدو الاسرائيلي رايةً بيضاء وليس لنا الا الامة العربية وهذه الشعوب ، ولذلك نناشد الامة العربية لا تتركوا غزة وحدها !
انتهى اللقــاء وشربنا كأس القهوة المُرَّة ورجعنا بحظٍ عظيم ، ما قدمه الدكتور فايز بعفوية وصراحة ربما كان جُزيئا صغيرا متطايرا في فضاء الضلال الإعلامي ولا قيمة له في ضجيج الموت والقصف وزنين المسيرات الاسرائيلية ، لكن الرجل قدم للتو شهادةً بالغة الأهمية من قلب المحرقة ، من قلب غزة النابض ليحكي للعالم وللمتآمرين على المقاومة بأن غزة تحيا بالمقاومة والمقاومة تحيا بالشعوب الحرة ، وان المقاومة وشعبها لم يستسلما رغما عن كل ما جرى ، لقد قدم الرد الحاسم على كل جيوش اسرائيل الإعلامية العربية من المحيط إلى الخليج ولقف كل ما يأفكون ، فليخسأ رجال الدين المخبرون ، وليخسأ رجال الإعلام الأقزام الذين يتقاضون ثمن لحم الأطفال والنساء ومرتبات القصف على غزة واليمن ولبنان وسوريا ، وليخسأ الجنرالات والقادة الكبار الذين اشتروا حياتهم وتاريخهم بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين ، فليخسأ جيش الظلام وقتلة الأطفال والكاذبون على التاريخ .
لقد بات واضحا يا سيدي بأننا كلنا مصنفون كعماليق في دليل القتل الاسرائيلي ، كلنا غوييم ومجرد كائنات دنيئة في عقيدتهم ، وأبناء البروتستانت المتصهينين مشتركون في دمائنا و ينتظرون قدوم المخلص بذبحنا وإراقة دماء غزة على المفتاح السري ، لم يعد سرا أننا نعيش عصر القرابين من جديد ، لكن السؤال الخالد ماذا ستفعل باقي الخراف ذات القرون الطويلة وحظيرة الدواجن التي يَبُسَ لحمُها و تنام بهناءٍ في انتظار الشواية الثانية ؟ ماذا سيفعل أمراء الطوائف عندما يحرق ألفونسو جواريهم وينكس اعلامهم ويشتريهم مقيدين بالسلاسل ويعقد الختم على مياههم وبترولهم وحظائرهم وفروجهم ؟
لا تحزن يا دكتور فايز، يا ابن غزة المجد والبطولة والصمود والعظمة ، لا تحزن فكل ما تكتبه هي قصائد عالية الفيتامينات تعيد لنا ما راح وتزرع ما سيأتي ، ستأتي نازك الملائكة الجديدة لكي تكتب لنا من قلب غزة كما تفعل أنت ، ستنبت غزة ألف قصيدة وستين ألفا من الملائكة الموجهة ذوي زعنفات مثنى وثلاث ورباع ، ستنبت غزة جيلا جديدا من قصائد النار التي ستحرق المجرمين والأفاكين والسفلة عبدة النصوص المزيفة ، وستندلع نار غـزة خارج السجن حتى تحرر كل العرب.
كيف نتكلم بهذه الثقة ؟ كيف نعرف يا دكتور فايز بأن هؤلاء مارقين في التاريخ ؟ كيف نؤكد لك بنسبة اليقين بأنهم مجرد سرابٍ دفع به التاريخ ليصنع المجد لغزة واليمن وكل من وقف في وجههم ؟ كيف نعرف بأنك ستنتصر ومعك غزة وجيش الذين دافعوا عن كرامة هذه الأمة وجبوا عن رقابنا النير والسعير؟
نعرف ذلك لأن غزة وأهلها ومقاومتها انتصرت في أخلاقها وعظمة مبادئها ورفعت راية العرب على أعالي القمم فوق وحشية وهمجية وانحطاط هذا العالم القذر الذي اهتز لقائمة الرسوم الجمركية ولم يهزه قتل خمسين ألف فلسطيني وحصار وتجويع أكثر من مليوني إنسان ، نعرف ذلك عندما تقوم دولة عظمى بترحيل طالب جامعي لأنه رفع يده وصوته مهللا لغزة ، ونعرف ذلك عندما تتراكم أكفان بيضاء لصغار لا تتجاوز أعمارهم بضع سنين في مستشفى لا يقدم أي نوع من العلاج لأن الوحوش أحكمت الحصار ، نعرف ذلك عندما ترفع المجموعات الصهيونية دعوى ضد راشيل نجمة يوتيوب الأطفال لأنها عرضت صورةً لطفل جائع من غزة ، نعرف ذلك عندما يخرج علينا مجرم وقاتل ومنحط مثل الوحش بيبي ليقول أمام الكاميرات بأنه يقاتل ضد الهمجية ويكذب لأقصى حدود الكذب ، نعرف ذلك عندما يأتي الرئيس بالراقصين والراقصات ليفصل حدود الصمت عن حدود الموت ويحتفي بنجاحه في سرقة تاريخ بلد عربي عظيم ويترك غزة وحدها لتموت ببطء واستنزاف ، نعرف ذلك عندما يصمت العالم وتصمت الأمم المتحدة ويصمت الشيوخ ويصمت العهرة عن أكبر جريمة في التاريخ تضم في جوفها كل أشكال العذاب الدنيوي من تجويع ومرض وقصف وبرد وحر وجحيم معيشي لا يطاق ، نعرف ذلك عندما نرى جريمة يشترك في جوقتها أكبر عدد من المجرمين الذين لم يعرف لهم التاريخ مثيلا من محامين ودكاترة وسياسيين واطباء واعلاميين ورجال دين وتجار مواد غذائية ورؤساء وملوك وفنانين ومفكرين وبائعي الضمير ، نعرف ذلك أيها الفائز من كلماتك وصمودك وتقاسيم وجهك الفلسطيني أنت وكل مقاتل وكل طفل وكل إمرأة في غزة المجد .
لا نعلم يا دكتور فايز بوجود سلاح داخل غزة أقوى من الإف 35 والميركافا وقاصفات الذكاء الصناعي ، لكننا نعلم بأن بين أيديكم أسلحة المعركة الأخيرة وأسلحة الخلاص التي تتفوق على الآلهة الامريكية المزيفة ، نعلم يقينا بأن لديكم سلاح الإيمان والصبر والثبات والعزيمة والتحمل فوق الجبال حتى النهاية ، غزة ستنتصر واليمن سينتصر ، غزة سوف تغير هذا العالم وتغير وجه العرب وستعيد لنا جميعا المجــد المفقود .
من سيقبل المؤخرة هم من شنوا حملة الإبادة على غزة وتحالفوا ضد شعب أعزل محاصر مجوع ، ومن سيغير وجه الشرق الأوسط ليس بنيامين المجرم ولا ترامب فاقد الأهلية ولا عصابة الخونة وحلف الشيطان ، بل هي غزة بطوفانها العظيم الذي لم يعد قابلا للهزيمة أبدا ، غزة بأهلها ومقاومتها وصمودها وايمانها الذي سيغير وجه العالم العربي والغربي وتدفع بمتغيرات لم يكن أحد ليحلم بها .
كاتب عربي