على جبهة الصراع: واشنطن تستعد لعمليات الإجلاء بينما تل أبيب تبدو جاهزة لشن هجوم نووي

على جبهة الصراع: واشنطن تستعد لعمليات الإجلاء بينما تل أبيب تبدو جاهزة لشن هجوم نووي

فاطمة هارون العمارات
لا يبدو أن الزمن يمنح أحدًا فرصة طويلة لالتقاط الأنفاس في الشرق الأوسط. إذ بينما ينشغل العالم بملفات متداخلة، تعود القضية النووية الإيرانية لتفرض نفسها، ليس من باب التفاوض هذه المرة، بل من نافذة التوتر والتصعيد المتسارع فواشنطن تتخذ خطوات ميدانية لا تخطئها العين، وتل أبيب ترسل إشارات قد تُقرأ في طهران على أنها ما قبل العاصفة.
واشنطن تُخلي… أم تُمهّد؟
الإجراء الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخرًا بإجلاء طواقم دبلوماسية من بغداد ودول خليجية أخرى، بدا من حيث الشكل وكأنه خطوة وقائية، لكنه في جوهره يعكس شيئًا أعمق: هناك تحرّك في الخفاء، أو على الأقل، هناك قرار بات ناضجًا لتغيير قواعد الاشتباك.
في الكواليس، تتداول بعض الأوساط الأمنية الغربية أنباء عن “تحركات غير مألوفة” لفصائل محسوبة على إيران، وهو ما قد يكون السبب الحقيقي وراء التحركات الأميركية. لكن الرسالة الأوضح أن واشنطن تضع خيارات الرد العسكري على الطاولة، حتى وإن لم يُعلن ذلك صراحةً بعد.
تل أبيب تتحفز… دون ضجيج
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تخفي قلقها، لكنها أيضًا لا تفرّط بالكلمات. ما يُسرّب من تل أبيب في الأسابيع الأخيرة يُشير إلى أن التفكير بضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية لم يعد مجرد خيار، بل سيناريو يُختبر على الأرض من حيث الجاهزية، والخطط، والتوقيت.
اللافت أن الحديث الإسرائيلي مع واشنطن لم يكن عن “ما إذا” كانت ستقع الضربة، بل “متى” وكيف يمكن إدارتها لتجنّب الانفجار الإقليمي.
وبين السطور، تتسرب عبارات على لسان بعض الساسة الإسرائيليين عن أن “الانتظار لم يعد في صالح أحد”، وهي جملة كافية لأن تُفهم في طهران كما ينبغي.

 

طهران: التخصيب… مع بقاء الباب مواربًا

في الطرف المقابل، تُظهر طهران مزيجًا من التحدي والحذر. فهي تُعلن بوضوح عن رفع مستويات التخصيب، وتُدخل أجهزة طرد جديدة إلى الخدمة، لكنها، في الوقت نفسه، لا تغلق أبواب الحوار تمامًا.
يبدو أن الاستراتيجية الإيرانية تعتمد على تقديم إنجازات نووية ملموسة على الأرض، بما يكفي لجعل المفاوض الغربي يعود إلى الطاولة بشروط جديدة، دون أن تصل الأمور إلى حدّ يستفز ضربة عسكرية مباشرة.
قراءة في المشهد: اللحظة الأخطر
ما يدور الآن ليس مجرد لعبة شدّ حبال تقليدية. المنطقة تقترب من لحظة دقيقة، وربما حاسمة. فإسرائيل تتحرك ضمن نطاق ضيق من الوقت، وإيران تراهن على المناورة السياسية في ظل واقع دولي مرتبك، والولايات المتحدة تبدو منشغلة بإدارة التوتر أكثر من صناعة الحل.
السؤال الجوهري الآن لم يعد: هل تعود الأطراف إلى طاولة التفاوض؟ بل: هل يمكن منع انزلاق المشهد إلى مواجهة مفتوحة، ولو بالخطأ؟
من المبكر الحسم، لكن ما هو واضح حتى الآن: الجميع يتحرك، ولكن لا أحد يُجاهر بنيّته الحقيقية. وفي السياسة، هذه دائمًا علامة على أن العاصفة قد تقترب.
كاتبة اردنية