عفيف قاووق: تحليل لرواية “عين التينة” للدكتور صافي صافي

عفيف قاووق: تحليل لرواية “عين التينة” للدكتور صافي صافي

 

 

عفيف قاووق

رواية عين التينة للدكتور صافي صافي الصادرة عن الإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله العام2025. يمكن تجنيسها ضمن باب أدب الرحلات وإن كانت مطعمة بعض اللقطات ذات النكهة السياسية. فعلى خطى غسان كنفاني العائد إلى حيفا نجد حنان تصرح بأنها عائدة إلى بيسان وتردد مع فيروز أغنيتها المحببة خذوني إلى بيسان، “كانت لنا من زمان بيارة جميلة وضيعة ظليلة ينام في افيائها نيسان”.
توضح لنا حنان تعلقها بمدينتها وتفضيلها حتى على باقي المدن الفلسطينية بما فيها القدس وما تعنيه القدس فبرغم حبها للقدس إلا أنها تقول: “لكنني جئت من أجل بيسان”.
إمتازت الرواية بلغة سلسة ورشيقة وإقتصرت شخصياتها الرئيسة على حنان ورفيقها السارد إلى جانب بعض الشخصيات الثانوية مثل وحيد الجولاني وابو المجد والراقصة مها. وكان الأسلوب السردي هو الطاغي إلى جانب بعض الحوارات والتساؤلات التي بقيت دون أجوبة واضحة. فمثلا في أحد الحوارات بين بيسان ورفيقها السارد تسأله: هل سيرحلون؟ هل سنرحل؟هل نبقى جميعنا؟ هل يقبلوا بنا ليعيشوا بيننا ونعيش بينهم؟ فيكون جوابه لست أدري، لقد مرت عقود ونحن نناقش هذه الإفتراضات دون ان نحصل على أجوبة شافية. كما تشير الرواية إلى ما يشبه الضياع او انعدام الرؤية حول القضية الأم فتقول: مرت علينا فترة مراهقتنا وكنا نعتقد اننا نملك الإجابة لكل سؤال، فرحنا نفترض أسئلة وأجوبة. كنا واثقين أن ثورتنا ستنتصر لقد كنا مراهقين، واليوم نردد عبارة لست أدري ونخشى ان تكون هذه العبارة دليل إحباط وقنوط. فماذا نسمي الإنشقاقات المتتالية في حركتنا الوطنية؟ ماذا نسمي انتقالنا قسرا وجهرا من ساحة إلى أخرى؟.
المكان كان حاضرا في هذه الرواية والأمكنة بالنسبة للفلسطيني راسخة في ذاكرته ووجدانه، فبدلا من أن تحكي حنان قصص الأطفال لأحفادها فقد كانت تستبدلها بقصص عن مدينتها بيسان حتى يبقى الوطن في ذاكرة الأجيال المتعاقبة. وتظهر لنا الرواية تعلق حنان بمدينتها بيسان وإصرارها على زيارتها ورؤية ما بقي من بيوتها وإن كانت مهدمة ولا تريد أن ترى المدن التي استحدثها الإحتلال رغم جماليتها وحداثتها، فبيسان بالنسبة لها هي القفص الذهبي الذي تعيش فيه، فهي ترى الوطن كله من خلال بيسان. وتعبر عن هذا الحنين بالقول: جئنا لنقف على أطلال بلادنا،ونبحث عن ظلال الذين رحلوا، ونشتم رائحة الماء والتراب والحجارة. وتعود بالذاكرة إلى سوق الخميس والبيادر في بيسان  وساحتها التي تقام فيها الأعراس. وعندما شرح لها رفيقها السارد كيف أن الإحتلال قام بتجفيف بحيرة الحولة لإفراغ المنطقة من سكانها أجابته : لن يستطيعوا أن يجففونا حتى ونحن في الشتات.
وللدلالة على التمسك بالهوية الفلسطينية  يصف السارد مدينة رام الله بأنها “مدينة كل المدن والقرى الفلسطينية” حيث ان واجهات محلاتها تزدان بذكر أسماء العائلات المرتبطة كل منها باسم مدينة أو قرية مثل اللداوي، الحيفاوي، الرملاوي، الطيراوي وغيرها.. وكأن هذه المحلات تمثل سفارات او ممثليات لتلك القرى والبلدات. وخلال رحلة حنان برفقة السارد  كنا امام توصيف للأماكن، فيحدثنا السارد عن عين التينة فيقول: إنها عين التينة الثابتة الصابرة تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان وتطل على سهل الحولة. وهي إحدى أهم عيون الماء وسميت بعين التينة نسبة لأشجار التين التي تملأ المكان. وقد جرى احتلالها إثرعملية يفتاح في شهر أيار 1948، وهي منطقة تكثر فيها الينابيع وأهمها نبع الدرباشية. ولم يكتف السارد بوصف الأماكن بل انتقل لوصف أشجار التين وانواعه فهي أشجار خضراء يانعة بأصابع أوراقها الخمس وتتوزع أنواعها ما بين البياضية، العسيلية، دعيبلية أو غزالية وغيرها من التسميات.
كما تبرز الرواية السياسة التوسعية للمحتل وقضمه للأراضي، عندما باعت عائلة سرسق سهل الحولة لشركة يهودية اعتبر اليهود ان كل القرى المقامة في السهل امتيازا لهم، وهنا أشير إلى أننا في لبنان ونتيجة لعملية البيع هذه ومثيلاتها فقدنا عددا من القرى تسمى في قاموسنا بالقرى السبع ومن ضمنها هونين والحمرا التي ورد ذكرهما في الرواية. وللدلالة على ما يقوم به الإحتلال من تمزيق للنسيج الإجتماعي وتشتيت العائلات تطرقت الرواية إلى ما حدث لقرية الباقة التي قسمت عام 1949  إلى شرقية وغربية بحيث وتوزع أفراد العائلة الواحدة بين هذين القسمين.
وفيما يشبه النقد للأطراف السياسية المتباعدة يصف السارد حنان بأنها ترى أوسع من الأطراف السياسية،حيث أن الأمور فلتت من عقالها فيتبارون في تسجيل نقاط على بعضهم حتى غاب الوطن في عقول الشباب بعد أن ظهر الولاء وغاب الإنتماء. كما تثير الرواية مسألة عدم تضافر الجهود الكافية بين الداخل والخارج حيث تقول حنان “وأنا في الخارج لم أفعل كثيرا كي أعود ولم تفعل أنت أيضا وانت داخل الوطن، أنت تنتظر منّا في الخارج أن نأتي فاتحين، منقذين ومنتصرين، أما أنا فأرى في أمثالك بوصلة للتغيير والتعديل. كل واحد ركن على الآخر وبقيت علاقة الداخل مع الخارج غير واضحة”.
في إشارة لافتة تعبر عن رفض حنان لما يمكن ان نسميه التكاذب العربي  والأغاني الحماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع نراها تطلب من سائق الحافلة أن يغلق المذياع الذي يصدح بأغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر لتقول “يكفيني صوت محرك الحافلة واحتكاك عجلاتها بالطريق لأعرف أنني هنا في وطني”. وفي موضع آخر تقول: لقد تم بيعنا أكثر من مرة كل مرحلة ولها سعرها.
وفي اشارة إلى ما زرعه الإستعمار من بذرة الخلاف بين الدول العربية وترسيم حدودها يبرز السؤال هل عين التينة والدرباشينية فلسطينيتان أم سوريتان؟ مشاكل مصطنعة ارادها المستعمر بحيث جعلنا كما ورد في الرواية نختلف على جلد الغزال قبل صيده، والشيء بالشيء يذكر فلا تزال مزارع شبعا موضع أخذ ورد حول هويتها هل هي لبنانية أم سورية.
تبرز الرواية الثقافة العنصرية للمحتل، حين تم محاصرة الفريق الراغب بزيارة عين التينة من قبل المحضرين للجندية، حيث بدأت إحدى المجندات بالصراخ والسباب مشيرة الى الارض وهي تقول هذه لنا وانتم الغرباء، نحن السادة وانتم العبيد.
وبالرغم كل التعجرف والتعالي الإسرائيلي إلى ان لاوعيه يجعله يعيش هاجس الخوف دوما من الفلسطيني، لأنه يعرف ان هذه الأرض ليست له فعندما طلب أحد الجنود من أعضاء الفريق رمي عصيهم في الماء أجابت حنان أنكم تحملون سلاحا وتخشون العصي؟ ليجيبها نعم ونخشى حجارتكم وما في داخل عقولكم،وفي إشارة إلى التغيير الديمغرافي المحتم يقول وايضا نخشى تناسلكم الذي سيأتينا بأسوأ منكم.وتطرقت الرواية إلى إشكالية ربما لا تزال قائمة وهي امكانية نشؤو صداقات بين الفلسطيني واليهودي فهناك البعض من فعل هذا والبعض الآخر لم يفعل ولكل مبرراته كما يقول السارد.
وفي إشارة ربما إلى أن العودة الحقيقية لم يحن أوانها بعد، يقول السارد: رأينا العين من بعيد ولم نقف على نبعها،ولم نغسل أجسادنا بماء شلالاتها الصغيرة لأننا حوصرنا من مستوطنين ومن الجيش الذي جاء لحمايتهم.وأيضا لم تستطع حنان رؤية بيسان والتجول في شوارعها لانها وصلتها ليلا وتم اعتقالها مع رفيقها.
ختاما نلحظ أن المؤلف تعمد إبقاء نهاية روايته مفتوحة على كل الإحتمالات تاركا للقادم من الأيام وما قد يحمله من تغيرات سياسية وضع النهاية المرجوة لرحلة حنان وغيرها من فلسطيني الشتات وأملهم بالعودة ليس إلى بيسان فقط بل إلى كل فلسطين.
  لبنان