ناصر الخليفي، رائد التحول في أوروبا وصانع نجاح باريس سان جيرمان

ناصر الخليفي، رائد التحول في أوروبا وصانع نجاح باريس سان جيرمان

 

قبل 14 عامًا، أعلن ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان، في تصريح لافت: “سنجعل من هذا النادي أحد أكبر الأندية الأوروبية”. حينها بدت هذه الكلمات أشبه بالحلم أو الطموح بعيد المنال، لكن الواقع اليوم يؤكد أن هذا الحلم أصبح حقيقة تفرض احترامها على العالم الرياضي، وأن باريس سان جيرمان بات بالفعل أحد كبار القارة، ليس فقط من حيث النتائج، بل من حيث التأثير، والبنية، والرؤية.

ومنذ أن تولى ناصر الخليفي رئاسة النادي في عام 2011، لم يقتصر طموحه على تحقيق البطولات المحلية، بل أطلق مشروعًا متكاملًا هدفه بناء منظومة رياضية واقتصادية متينة، تستطيع وضع النادي في مصاف الكبار على المدى البعيد. وقد أرسى الخليفي أسسًا إدارية ومالية حديثة، قائمة على الاستدامة، والتخطيط بعيد الأمد، مع إدراك تام بأن النجاح الرياضي لا يتحقق إلا ببنية احترافية متكاملة.

وتجسدت هذه الرؤية في تصريح الخليفي لجماهير سان جيرمان قائلًا: “نحن نبني الأساسات أولًا. سنستثمر في الفريق والبنية التحتية، في الأكاديميات، وفي الطاقات الشابة، لأننا نؤمن أن النجاح الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى”.

 

من المحلية إلى القارية

منذ ذلك الحين، تغيّر وجه باريس سان جيرمان كليًا، فقد هيمن النادي على الساحة المحلية الفرنسية، محققًا أرقامًا قياسية في عدد مرات التتويج بالدوري والكأس والسوبر، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل نقل المنافسة إلى القارة العجوز. وفي عام 2020، بلغ الفريق نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، وواصل منذ ذلك الحين التقدم بثبات على الساحة الأوروبية.

وقد نجح الخليفي في استقطاب نخبة من أفضل اللاعبين في العالم، وعلى رأسهم نيمار، مبابي، ميسي، وراموس، وجعل من باريس وجهة مرغوبة لأفضل المواهب والمدربين، مع الحفاظ على توازن دقيق بين النجومية والهوية الجماعية للفريق.

نموذج في الإدارة الرياضية

لا يقتصر تأثير الخليفي على النادي وحده، بل امتد ليشكل نموذجًا عالميًا في الإدارة الرياضية. فقد استطاع تحويل باريس سان جيرمان إلى مؤسسة رياضية واقتصادية متكاملة، تحقق أرباحًا تجارية هائلة، وتملك واحدة من أقوى العلامات التجارية في عالم كرة القدم.

ويُعد باريس سان جيرمان حالياً ثالث أكثر الأندية تحقيقاً للإيرادات في العالم وفقاً لقائمة ديلويت لأغنى أندية كرة القدم في العالم، حيث تبلغ إيراداته السنوية 802 مليون يورو، وهو سابع أغنى نادٍ في العالم بقيمة 4.21 مليار دولار وفقاً لفوربس. هذا النمو المالي مدعوم من المالكين القطريين وتمكن من عقد صفقات مدوية وجلب أبرز نجوم العالم للعب في صفوف الفريق، ومن أبرز هذه التعاقدات زلاتان إبراهيموفيتش، نيمار، كيليان مبابي وليونيل ميسي، إضافة إلى العقود الإعلانية المربحة مع الهيئة العامة القطرية للسياحة، نايكي، اير جوردان، أكور والخطوط الجوية القطرية.

كما ساهمت رئاسته لمجموعة “بي إن” الإعلامية في دعم صورة النادي على المستوى الدولي، وربطته بمنصات إعلامية رياضية رائدة، عززت من حضوره الجماهيري عالميًا. وبات باريس سان جيرمان اليوم أكثر من نادٍ؛ بل أيقونة عالمية تتقاطع فيها الرياضة مع الإعلام، والثقافة، والتأثير الناعم.

 

التزام مجتمعي وإنساني

إلى جانب الإنجازات الرياضية، حرص ناصر الخليفي على تعزيز الدور المجتمعي للنادي، من خلال دعم البرامج الاجتماعية، وتطوير أكاديميات الناشئين، وتعزيز دور المرأة في الرياضة، والاهتمام بكرة القدم النسائية. كما ركز على بناء مركز تدريب متكامل، يُعد اليوم من بين الأفضل في أوروبا، ويحتضن مئات المواهب الشابة من مختلف الخلفيات.

ويؤمن الخليفي بأن “الرياضة ليست فقط بطولات، بل مسؤولية مجتمعية ورسالة إنسانية”، وهي فلسفة انعكست في كل جوانب العمل داخل باريس سان جيرمان.

حضور عربي مشرّف

يمثل ناصر الخليفي اليوم واحدًا من أبرز الشخصيات العربية في صناعة كرة القدم العالمية. وقد نجح، من خلال قيادته للنادي، في تقديم نموذج عربي ناجح ومشرف في أعلى المستويات الرياضية. ولم يكتف الخليفي بإدارة نادٍ أوروبي كبير، بل استطاع أن يرفع اسم العرب في المحافل الدولية، ويعزز من حضورهم في دوائر التأثير الكروي والإداري في أوروبا والعالم.

كما أن الخليفي، بصفته عضوًا مؤثرًا في عدة لجان دولية، أصبح وجهًا مألوفًا في أهم الأحداث الكروية، وهو ما يعكس مكانته العالمية، ومدى الثقة التي يحظى بها في الأوساط الرياضية.

المستقبل.. طموح لا يتوقف

اليوم، وبعد مضي 14 عامًا على بداية المشروع، يواصل ناصر الخليفي السير بخطى واثقة نحو المستقبل، واضعًا نصب عينيه تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا وهو ما تحقق بالفعل، إضافة إلى تعزيز مكانة باريس سان جيرمان كقوة رياضية شاملة. ويؤكد أن العمل مستمر على رفع مستوى الأكاديمية، وتطوير منظومة الفريق الأول، وتوسيع التأثير العالمي للنادي.

وختامًا، يمكن القول إن ناصر الخليفي لم يبنِ فقط فريقًا ينافس في الملاعب، بل أنشأ مؤسسة رياضية عالمية تُحتذى، واستطاع أن يحوّل الحلم الباريسي إلى واقع ملموس، وأن يجعل من سان جيرمان زعيمًا حقيقيًا لأندية أوروبا، يستحق كل الإشادة والتقدير.