إبراهيم الشاذلي: عندما تُقيَّم المعارك بعُمق الصمود بدلاً من سرعة الانتصار الأول

إبراهيم الشاذلي: عندما تُقيَّم المعارك بعُمق الصمود بدلاً من سرعة الانتصار الأول

في ميدان الصراع بين طهران وتل أبيب، تتجلّى معادلة من طراز نادر؛ ليست الغلبة فيها لمن يُشعل السماء أولًا، بل لمن يصمد حتى تخفت ألسنة اللهب.
إيران، التي تُقدَّر ترسانتها الصاروخية الباليستية بما يقارب ألفي صاروخ، قد بددت خلال ثلاثة أيام ما يزيد عن خمس هذا المخزون، في وتيرة نارية تلامس حدود الـ150 صاروخًا يوميًا.. فإن استمرت على هذا النسق، فإن أسبوعين فقط كفيلان بإفراغ مستودعاتها.

وما يزيد المشهد قتامة في طهران، أن الطاقة الإنتاجية القصوى في زمن السلم – ناهيك عن زمن الحرب – لا تتجاوز خمسين صاروخًا شهريًا، أي أن القدرة على التعويض في خضم المواجهة شبه معدومة.

في المقابل، تتلقى إسرائيل ضربات موجعة – تُقدّر بخمسة مواقع يوميًا – لكن قدرتها على امتصاص الخسائر تتعزز بحبل إمداد لا ينقطع من حليفها الأمريكي، الذي يرفد منظوماتها الدفاعية بما يعوض الفاقد أولًا بأول،
وفوق ذلك، فإن السيطرة الإسرائيلية شبه الكاملة على الأجواء الإيرانية، بعد تحييد أغلب الدفاعات الجوية، توحي بمرحلة ثانية من الحرب… أكثر شراسة، وأكثر أحادية الاتجاه.

الغاية الاستراتيجية واضحة: صمودٌ تكتيكيٌ لإسرائيل حتى تفقد إيران مخزونها الهجومي، ثم انتقال مدروس نحو هجوم شامل في سماء بلا حماية، وربما بتوقيع أمريكي محمّل بقاذفات ثقيلة تُغلق ملف البرنامج النووي الإيراني للأبد.

ذلك هو ميزان القوى كما ترسمه الأرقام والوقائع، لا الأماني ولا الانفعالات.
وفي لغة الحروب الكبرى… لا صوت يعلو فوق منطق الاستنزاف والصبر طويل النَفَس.