خطيب المسجد الحرام: العيد فرحة وسعادة ونفوس متسامحة وروابط عائلية قوية

خطيب المسجد الحرام: العيد فرحة وسعادة ونفوس متسامحة وروابط عائلية قوية

قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن العيد أنس وبهجة وتعاطف ومحبة، ونفوس متسامحة، ورحم موصولة، فاهنؤوا بعيدكم، وصلوا أرحامكم، واشكروا ربكم أن بلغكم هذه الأيام، وأكثروا فيها من ذكره وتكبيره.

حياة المؤمن الصادق

واستشهد ” المعيقلي” خلال خطبة عيد الأضحى اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما ورد في صحيح البخاري: “كان عمر رضي الله عنه، يُكبر في قُبَّتِه بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيُكبّرُون، ويُكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا”، منوهًا بأن الله اصطفى حجاج بيت الله الحرام من بين خلقه، ويباهي بكم الرحمن ملائكته.

وتابع: فهنيئًا لكم حيث قصدتم ركن الإسلام الأعظم، آمين البيت العتيق، ملبيين من كل فج عميق، تدعون ربًا كريمًا، وتسألون مَلِكًا عَظِيمًا، إذا أنعم أكرم، وإذا أعطى أغنى، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا فضل أن يعطيه، فخصكم سبحانه بشعيرة عظيمة، تتابع عليها أنبياء الله ورسله، فدين الأنبياء واحد، وكلهم جاء بعبادة رب واحد، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

وأوضح أن مناسك الحج، تؤول إلى مقاصد جليلة، أعلاها توحيد الله جل وعلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم، لما استوت ناقته على البيداء، أهل بالتوحيد، وصعد على جبل الصفا، ودعا بالتوحيد، فتارة يلبي، وتارة يهلل، وتارة يكبر، وكلُّها أذكار، تُؤكِّد توحيد الله في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته.

وأضاف أن حياة المؤمن الصادق، مدارها كلها على توحيد الخالق، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، فالله هو المتفرد بالنعمة والعطاء، والهبة والنعماء، وهو المستحق للعبادة وحده.

وأفاد بأن المسلم لا يجعل بينه وبين الله واسطة في عبادته، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، فضلًا عن غيرهم، فلا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يذبح ولا ينذر إلا الله وحده، فالتوحيد هو أصل الدين وأساسه، فلا تقبل حسنة إلا به، وبدونه تحبط الأعمال وإن كانت أمثال الجبال، (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنْصَارٍ).

أمر بالرفق

وأبان أن الله تعالى كما أمر سبحانه بتوحيده، وإخلاص العبادة له، فقد أمر بالرفق والرحمة، وهو يتأكد في مثل هذه المواسم التي يحصل فيها الزحام، فالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم النحر، ما سئل عن شيء قدم ولا أُخر، إلا قال: (افعل ولا حرج)، حتى جاءه رجل فقال: سعيت قبل أن أطوف، قال: (لَا حَرَج لا حرج)، رواه أبو داود في سننه، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، فارفقوا تؤلفوا، ولينوا تؤجروا.

واستشهد بقول الله تعالى : (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٍ)، مخاطبًا حجاج بيت الله الحرام بقوله: “إنكم في أعظم أيام الدنيا، وأحبها إلى الله تعالى، فاعمروها بطاعة الله وذكره، وأكثروا فيها من حمده وشكره، فأعظم الناس في الحج أجرًا، أكثرهم فيه الله ذكرًا، فالحج أيام وليال، تبدأ وتختم بذكر الكبير المتعال.

ودلل بما ورد في سنن أبي داود قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حرص على توحيد الصف وجمع الكلمة، ونبذ الخلاف والفرقة، وفي الحج اجتماع ووحدة، ومساواة وأخوة، فربنا واحد، ونبينا واحد، وكتابنا واحد، وأصل خلقتنا واحد، مشيرًا إلى أن من أجل الأعمال في هذه الأيام التقرب إلى الله بذبح الهدي والأضاحي.

وواصل:  ويجزئ من الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الضأن ما تم له ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العرجاء البين ضلعها ولا الهزيلة التي لا تنقي، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته والبدنة والبقرة عن سبعة وأيام الذبح أربعة، تبدأ من بعد صلاة العيد، إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.

اليوم فيه عيدان

ونبه إلى أن الذبح في النهار أفضل من الليل، والسنة أن يأكل المسلم من أضحيته، ويهدي منها ويتصدق، فبادروا إلى سنة رسولكم، واشكروا الله على توفيقه لكم، وكبروه على ما هداكم، (ولَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).

ونوه بأن الله تعالى منّ على بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية، قيادة وشعبًا، بشرف خدمة حجاج بيته الحرام، وزوار مسجد نبيه الكريم، فبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحجاج والزائرين، والقيام على أمنهم، وتيسير سبل الخير لهم، لأداء مناسكهم، في يسر وسهولة واطمئنان وأمن وأمان، فالشكر الله الكريم الرحمن، ثم لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ونسأل الله أن يجزيهم عن المسلمين خير الجزاء، كما ندعو لكل من شرفهم الله تعالى بخدمة ضيوفه، أن تشملهم بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، وذكر منهما: وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ.

وذكر أن اليوم اجتمع فيها عيدان، عيد الأضحى ويوم الجمعة، فمن شهد العيد سقطت عنه الجمعة؛ لما في سنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجمَعُون، فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا توجهات نبيكم، لتتحقق لكم السعادة في الدنيا والآخرة، واغتنموا هذه الأوقات الفاضلة، واعمروها بالأعمال الصالحة، وحري بكم حجاج بيت الله الحرام، أن تصونوا هذه الشعيرة العظيمة من كل ما يشوبها، أو ينقص من أجرها وثوابها، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.