الذين يختارون الانصراف في هدوء

كل ما فى الحياة من آراء وأحكام واختيارات مجرد وجهات نظر.. ومن المستحيل أن تتشابه وجهات نظر الجميع بشأن شخص أو قضية أو حكاية.. وكانت وجهة نظر صحفيين أوروبيين كثيرين أن أهم ما قاله رافاييل نادال هو أنه لم يعد يفكر فى التنس ولا يفتقد اللعبة ومبارياتها وسنينها.. وبالتأكيد كان لهؤلاء الحق فى التوقف أمام هذا الكلام، خاصة أن صاحبه هو أحد نجوم التنس الكبار فى العالم.
وأن نادال قبل اعتزاله العام الماضى كان يملك 22 من بطولات الجائزة الكبرى غير ميداليتين أوليمبيتين.. وجرى الصحفيون يرسلون هذه العناوين المثيرة لصحفهم ومواقعهم.. نادال يصدم جماهيره.. نادال لم يعد يفكر فى التنس.. البطل الذى لم يعد يفكر أو يهتم باللعبة التى صنعت شهرته العالمية.. وكان هناك الأكثر تطرفا وحدة وقسوة فبدأ يسخر من نادال، وأنه قال ذلك بعد تكريمه الاستثنائى فى حفل جوائز لوريوس الذى أقيم فى مدريد مساء الاثنين الماضى.
وأن هذا التكريم كان لمشوار نادال مع التنس الذى طال عشرين عاما.. ورغم ذلك اختار نادال هذه المناسبة وبعد تسلمه الجائزة مباشرة ليقول ذلك عن التنس.. وأسمح لنفسى بالاختلاف مع هؤلاء الصحفيين لأنه من حقى أن تكون لى وجهة نظر خاصة ليس من الضرورى أن تكون نفس وجهة نظر الآخرين.. فنادال لم يخطئ أو ينتقص من قدر التنس ومكانته.. لكنه قال كلاما أهم وأعمق كثيرا من تلك العناوين الصحفية المثيرة الزاعقة.
فقد قال إنه حين أدرك أن جسده لم يعد يتحمله كلاعب تنس قرر اعتزال اللعب قبل أن يعتزله اللعب.. وأن اعتزاله يعنى ضرورة الابتعاد عن اللعبة نتيجة اقتناعه بأنه لا أحد يستحق البقاء أكثر مما يجب.. وأنه لن يفرض نفسه على اللعبة وأى أحد.. نجم جاء ولعب وانتصر واحتفل ثم جاء أوان الانصراف فى هدوء ليبقى محتفظا باحترامه لنفسه واحترام الجميع له.. ولم يكن هذا السلوك جديدا أو مفاجئا من نادال المقتنع بأنه ليس من الضرورى أو الصواب أن يبقى أى أحد موجودا طول الوقت.. فالغياب له ضرورته مثلما كان الحضور له وقته.
وهو فكر تعلمته أيضا ماريا فرانسيسكا زوجة نادال.. فحين تزوج الاثنان بعد قصة حب دامت ١٤ سنة.. أصبحت ماريا هى التى تدير مؤسسة نادال الخيرية لكن بنفس الهدوء والترفع دون جنون وولع بأضواء وإعلام رغم استطاعتها ذلك لو أحبت أو أرادت.. وفضلت البقاء فى الظل تساعد الفقراء فى مايوركا وإسبانيا وبلدان أخرى كثيرة.. تماما مثلما اكتفى نادال حاليا بكل ما حققه فى التنس واختار الابتعاد.
نقلاً عن المصري اليوم